ليس هناك ما يعكس حصول الإنتخابات البلدية والإختيارية في موعدها المحدّد. دائماً في لبنان تخيّم الشكوك على الإستحقاقات الإنتخابية عند كل موعد، ويبقى الناس ينتظرون التأجيل حتى في يوم الإنتخابات الموعود.
لم تبدأ، وربما لن تبدأ، الأجواء الصاخبة التي ترافق عادةً موسم الإنتخابات، وذلك مردّه إلى عدة أسباب رئيسية أخرجت الإنتخابات البلدية من أولويات الأحزاب السياسية والمنظمات والجمعيات، وحتى الشخصيات السياسية المستقلة، وأصبحت الإنتخابات اليوم رهن التوافق بين العائلات، باستثناء البلديات الكبرى كبيروت وطرابلس وصيدا وصور وجبيل والبترون وزحلة وجونيه وغيرها.
أحد أهمّ أسباب عدم تهافت العاملين في الشأن العام إلى الترشّح للإنتخابات البلدية هو عدم وجود المال في خزنات البلديات، فالدولة اللبنانية، وحكماً البلديات الواقعة تحت رحمة وزارة المال ومصرف لبنان، تكاد تكون مفلسة حتى إشعارٍ آخر، وغياب المال يعني حكماً غياب المشاريع الإنمائية على مختلف أشكالها، وهذا الأمر يجعل من تغيير المجالس البلدية الحالية لزوم ما لا يلزم، ما لم تكن هناك خطة واضحة لدعم صناديق البلديات وتعزيز موازنتها لتكون قادرة على تنفيذ ما ستتعهد به في مشروعها الإنتخابي، وبذلك تكون المعادلة واضحة "ما في مصاري، ما في إنتخابات".
الأمر الثاني، هو تفضيل الأحزاب السياسية أن تبقى خارج صراع العائلات التي تضمّ حكماً أفراداً ينتمون إلى تلك الأحزاب، فقد تكون في بلدة واحدة معركة إنتخابية بين لائحتين تضمّان مرشحين من الحزب نفسه، لذلك تفضل الأحزاب عدم خوض هذه المعارك كي لا ينسحب الصراع والإنقسام إلى داخلها.
الأمر الثالث، هو أن الأحزاب والجمعيات لا تريد خوض معارك بلدية "بالجملة"، بل تختار معاركها بعناية وفي أماكن محددة كي لا تستنزف نفسها مادياً، فمن المعلوم أن أي حملة انتخابية تحتاج إلى دعم مادي ولوجستي ليس في حسابات الأحزاب في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها مع انقطاع التمويل الخارجي عنها.
كل هذه الأسباب تجعل الإنتخابات البلدية "باردة" ليس فيها من معارك سياسية كالإنتخابات النيابية التي تهمّ الداخل والخارج، طبعا باستثناء البلديات الكبرى التي تهمّ الأحزاب لعدة اعتبارات.
ستسعى الأحزاب لمحاولة استثمار بعض الإنتصارات التي سيكون لها مساهمة فيها لرفع معنويات أنصارها وتسجيل نقاط على أخصامها وهذا طبعاً من حقها، إلا أن أهمّ خلاصات هذه الإنتخابات البلدية ستكون في دينامية التحالفات التي ستشهدها بعض المعارك، والتي ستؤسس للمنازلة الكبرى في الإنتخابات النيابية التي ينتظرها الجميع.