خاص ليبانون ديبايت

عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت
الاثنين 07 نيسان 2025 - 07:49 ليبانون ديبايت
عبدالله قمح

عبدالله قمح

ليبانون ديبايت

نعم... أورتاغوس أوقعتنا بالفخ!

نعم... أورتاغوس أوقعتنا بالفخ!

"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح


من تسنى له لقاء أركان الحكم في الساعات الماضية، لمس بوضوح حالة من “النشوة السياسية” تسود أجواء السلطة. ثمة قناعة بدأت تتكرّس في أروقة القرار بأنهم نجحوا في “تفكيك لغم لجان التفاوض” الذي حاولت واشنطن زرعه، وتمكنوا من إقناع نائبة المبعوث الأميركي للشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، باعتماد آلية التفاوض ذاتها التي رافقت اتفاق الترسيم البحري: لجنة تقنية – عسكرية بإشراف سياسي لا لجنة دبلوماسية خالصة، ووساطة أميركية "جوّالة"، كان قد أسّس لها المبعوث السابق عاموس هوكشتين.


يقول المقرّبون من هذه الدوائر إن أورتاغوس اقتنعت بالمقاربة اللبنانية، وربما ستعمل على تسويقها في واشنطن. لكنّهم يتجاهلون، عن عمد أو بسذاجة، أن هذه الآلية هي في الأصل أميركية النشأة، وأن الدخول في “فخ” اللجان، كان جزءاً من خطة أميركية أوسع، لا تهدف إلى دفع لبنان نحو مفاوضات مباشرة وسريعة مع إسرائيل، بل إلى تكريس مسار تدريجي – تراكمي يؤدي في نهايته إلى توفير أجواء مؤاتية للتطبيع، يبدأ بكسر مزيداً من الحواجز النفسية والسياسية بين الطرفين.


واشنطن تعرف جيداً حساسية الساحة اللبنانية ومدى دقّتها، ولا تُريد لمشهد سياسي تؤسس له أن يتحوّل إلى "قنبلة موقوتة" تطيح بلائحة طويلة من الأهداف التي تحقّقت من خلال الحرب، وتدرك أن مجرد وضع المسائل العالقة مع إسرائيل في إطار تفاوضي – أياً تكن تسميته – يُعد مكسباً استراتيجياً لها. وقد تكون أورتاغوس قد حققت هدف إدارتها الأعمق: انتزاع إقرار لبناني رسمي بأن التفاوض هو السبيل الوحيد لحل النزاعات مع العدو، تمهيداً للبناء عليه في مراحل لاحقة.


المرحلة المقبلة، وفق هذا التصوّر، ستشهد تراكماً سياسياً على هذا الإنجاز، عبر فتح قنوات جديدة بين الجانبين، تُستنسخ من تجربة الترسيم البحري، التي لم تكن، في نظر الأميركيين، سوى خطوة ضمن مسار “اتفاقيات إبرهام”. ورغم رفض الطبقة السياسية اللبنانية إعتبار ما تم الوصول إليه آنذاك إتفاقاً، إلا أنه كذلك بالفعل وبات، طبقاً للعرف اللبناني، قاعدة يُمكن الرجوع إليها.


في المحصلة، ما حصل هو تحويل مشروع “اللجان التفاوضية” المتعددة والتي سبق لـ"أورتاغوس" أن طرحته كـ"لجان عمل مشتركة"، إلى لجنة واحدة عسكرية – تقنية، بإشراف سياسي داخلي، وتحت رعاية أورتاغوس، التي تُعد من أشدّ الحريصين على المصالح الإسرائيلية. وقد يكون لبنان قد بدأ فعلياً بصياغة تصوّره لهذه اللجنة، مستنداً إلى تجربة الترسيم البحري عام 2022، وحيث يُفترض أن تبدأ اللجنة من حيث انتهى النقاش في جولات التفاوض غير المباشر لـ"تحديد الحدود البرية" التي أجريت عام 2018، عندما تم الاتفاق على 7 نقاط حدودية متنازع عليها من أصل 13.


لكن تبقى العقدة الأساسية في إقناع إسرائيل باستئناف التفاوض من هذه النقطة، خاصة أنها اليوم ترى نفسها الطرف الأقوى، ولا تجد مصلحة في تقديم أي تنازلات أو حتى العودة إلى تفاهمات سابقة. إسرائيل، كعادتها، ستتعامل مع التطورات على أنها تصبّ في مصلحتها، ولن تبادر إلى الانسحاب من المناطق التي احتلتها مؤخراً، والتي يعتبرها لبنان خارج أي نقاش مرتبط بالحدود البرية، تماماً كملف الأسرى، إذ إن تل أبيب، خرقت عملياً إتفاق وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه برعاية أميركية في 26 تشرين الثاني، وتجاوزت الحدود الدولية. لكنها ستحاول استثمار أي تفاوض لمنح نفسها شرعية إضافية لممارسة الضغط على الدولة اللبنانية.


من جهة أخرى، لا مؤشرات إلى أن إسرائيل تنوي التراجع عن استراتيجيتها الحالية، والتي تحظى بتغطية أميركية كاملة، والمبنية على استخدام القوة العسكرية لمنع حزب الله من التعافي. الغريب أن بعض السياسيين اللبنانيين، بحسب ما نُقل، عبّروا عن تفهّمهم لهذه المقاربة!


تفيد المعلومات بأن أورتاغوس سمعت في لقاءاتها، سواء في بعبدا أو السراي أو اليرزة، تقارير مفصّلة عن جهود الجيش في الجنوب، خصوصاً مصادرته كميات من سلاح حزب الله جنوب الليطاني، ودخوله لمواقع ومخازن أسلحة، بعضها نجا من الحرب. ومن المؤكد أنها اطّلعت على خرائط تُظهر تنفيذ الجيش لعمليات تفجير يومية للأسلحة المصادرة، والتي تتم على أي حال وسط رقابة أميركية مركزها السفارة في عوكر. كما أنها باتت في صورة تفعيل الجيش لسلاح الاستطلاع الجوي عبر تنشيط رحلات مراقبة دائمة ومستمرة فوق الجنوب، يعد رصد أي تحرك ميداني جزء من مهامها، بما في ذلك توفير ظروف "ردع" منعاً لمعاودة إطلاق الصواريخ "اللقيطة"، في ما يبدو أنه يتم بموافقة ضمنية من حزب الله.


في المقابل، تعلم واشنطن أن السلاح الثقيل الذي تبحث عنه شمال الليطاني ليس بالحجم الذي تروّج له إسرائيل. بـ"عدوان أيلول" دمّر جزءاً كبيراً من قدرات المقاومة الصاروخية. لذا، فإن التصعيد اليوم ليس إلا أداة ضغط لليّ ذراع الحزب، على أمل أن يصل إلى قناعة بضرورة الاكتفاء بهيكلية عسكرية رمزية –على شاكلة القوى الداخلية المختلفة مقابل توسيع هامشه السياسي – وهو السيناريو المفضّل أميركياً.


تبقى المعضلة الأهم في شمال الليطاني، حيث تستمر إسرائيل في استخدام وجود الحزب هناك ذريعة لاعتداءاتها، ويعتبره الأميركيون ملفاً لا يمكن تجاوزه. وتبدو أورتاغوس، بحسب من التقاها، تراهن على دور لبناني في معالجة هذا الملف، فيما واشنطن باتت مقتنعة بأن العمل العسكري واسع النطاق لن يحقق نتائج حاسمة، وبالتالي تفضّل مواصلة الضغط الممنهج على الحزب ومن ورائه الدولة.


هكذا، تحوّلت قضية السلاح من مسألة عسكرية إلى ورقة ابتزاز سياسي، تُستخدم لفرض الإيقاع الأميركي – الإسرائيلي على لبنان، وترك إسرائيل تمسك بزمام التصعيد، الذي لا يُتوقع أن يتطور، حتى الآن، حرباً شاملة، بل ضربات قوية لكن محدودة النطاق، وتشبه الاسلوب الذي استخدم بذريعة "الرد على إطلاق الصواريخ".

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة