أصدر المركز الكاثوليكي للإعلام بيانًا، اليوم الأحد، عبّر فيه عن "استغرابه للضجّة المفتعلة" التي أُثيرت خلال اليومين الماضيين، عقب الحديث عن منع إعلامية محجّبة من الظهور على شاشة تلفزيون لبنان، معتبرًا أن الحملة أخذت منحى غير بريء عبر إطلاق اتهامات في غير محلها، لا سيما في ما يتعلق بادعاءات عن ظهور مذيعات يرتدين رموزًا دينية مسيحية كالصليب.
وجاء في البيان أن "الحديث عن ظهور مذيعات على الشاشة مع رموز مسيحية هو محاولة لتصوير تلفزيون لبنان وكأنه يمثل طائفة دون سواها، بينما هو شاشة وطنية جامعة لا تتبنّى أي رموز دينية منذ تأسيسها".
وأضاف: "نقدّر كل المواقف التي شدّدت على أهمية المساواة وعدم التمييز، ولكن في الوقت ذاته، نؤكد ضرورة الاستمرار في العرف التاريخي المعتمد في تلفزيون لبنان، الذي يقوم على الامتناع عن ارتداء أو إظهار أي رموز دينية، حرصًا على الوحدة الوطنية، في ظلّ ظرف دقيق تمر به البلاد". وأشار البيان إلى أن هذا النهج هو الذي دفع المعنيين في السابق إلى التغاضي عن مسألة افتتاح بث "إذاعة لبنان" يوميًا بتلاوة من القرآن الكريم، احترامًا للتوازن الوطني وعدم تأجيج المشاعر.
ولفت المركز إلى أن الإعلامية ندى صليبا الشويري، المديرة العامة المساعدة في تلفزيون لبنان، التي ظهرت في إحدى الصور وهي ترتدي عقدًا بسيطًا يتضمن وردتين صغيرتين، تعرّضت للاتهام بأنها ارتدت صليبًا، معتبرًا ذلك "افتراءً متعمدًا أو التباسًا من البعض"، وهو ما انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل مضلل.
وأوضح البيان أيضًا أن الإعلامية نايلة شهوان، التي ظهرت مرة واحدة وهي ترتدي صليبًا، تلقّت ملاحظة في شهر آب 2023 بعدم تكرار الأمر، فاستجابت للملاحظة بكل احترام ولم تلجأ إلى استغلالها لأهداف طائفية أو سياسية. وأكد البيان أن لا بكركي ولا المركز الكاثوليكي أصدرا يومها أي بيان احتجاجي، احترامًا لأنظمة المؤسسة والتزامًا بنهجها.
وشدّد المركز الكاثوليكي على أن تلفزيون لبنان يشكّل نموذجًا للتنوع المهني والإعلامي، ويضم إعلاميين من مختلف الطوائف دون أن تظهر أي هوية دينية أو طائفية على الشاشة، مشيرًا إلى أن استخدام قضية معينة اليوم لمحاولة تغيير هذا النهج "هو أمر مرفوض ومشبوه".
كما دعا المركز إلى احترام المبادئ المهنية وعدم ممارسة أي ضغط سياسي أو غير سياسي على وزير الإعلام الدكتور بول مرقص، الذي يُناط به، إلى جانب مجلس إدارة تلفزيون لبنان، اتخاذ القرار المناسب في هذا الملف. ولفت البيان إلى أن هناك سابقة مشابهة حصلت مع موظفة أخرى لم يُسمح لها بالظهور رغم تدخل مرجعيات دينية، ما يدلّ على ثبات النهج وعدم خضوعه لأي استثناءات.
وختم البيان بالتأكيد أن "تلفزيون لبنان شركة خاصة تخضع لقانون التجارة، ولا تُصنّف ضمن الإدارات الرسمية أو المؤسسات العامة، ولها نظامها الخاص المنظم بموجب مرسوم، وبالتالي فإن الانضمام إليها يقتضي الالتزام الكامل بأنظمتها، وأي موظف جديد يرفض هذه الأنظمة يُفترض به اختيار مؤسسة أخرى تتوافق مع قناعاته".
وجاء في نص البيان الكامل: "يستغرب المركز الكاثوليكي للاعلام الضجة المفتعلة منذ يومين على خلفية عدم السماح لإعلامية محجبة بالظهور على الشاشة، وأكثر ما أثار الاستغراب هو إنحراف هذه الحملة بطريقة غير موفقة وغير بريئة لتتضمن اتهامات في غير محلها بأن بعض المذيعات ظهرن على شاشة التلفزيون وهنّ يضعن رموزاً دينية مسيحية كالصليب، في محاولة لإظهار التلفزيون وكأنه لجزء من الوطن وليس لكل الوطن وهذا غير صحيح بتاتاً.
إننا إذ نقدّر ونحترم المواقف التي تحدثت عن المساواة في الحقوق وعن عدم التمييز، إلا أننا ندعو في الوقت عينه إلى الاستمرار في العُرف التاريخي في "تلفزيون لبنان" الذي لا يعتمد أي اشارات أو شعائر أو رموز دينية، فيكفي البلد ما يعانيه من مشاكل ولا حاجة لمزيد من تأجيج المشاعر في هذا الظرف الدقيق. وهذا ما دفعنا إلى عدم إثارة مسألة افتتاح بث إذاعة لبنان في كل صباح بالقرآن الكريم.
أما التحجج بأن بعض المذيعات ظهرن على التلفزيون وهنّ يضعن في أعناقهن اشارة الصليب، فهو محض إفتراء وتزوير على مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أن الأمر إختلط عمداً أو سهواً لدى البعض، فتحوّل العقد البسيط الذي يحتوي على وردتين صغيرتين على عنق المديرة العامة المساعدة ندى صليبا الشويري في نظر هذا البعض إلى صليب.
أكثر من ذلك، فإن الاعلامية نايلة شهوان التي ظهرت في إحدى المرات وهي تضع الصليب في عنقها تلقت ملاحظة في شهر آب 2023 بعدم إظهار الصليب مرة أخرى، فتقبّلت الامر بكل طيبة خاطر ولم تستغل هذه الملاحظة لغايات طائفية ولتأجيج المشاعر. وفي حينه، لم تُصدر بكركي ولا المركز الكاثوليكي للاعلام أي بيان احتجاجي على حجب الصليب احتراماً لأنظمة مؤسسة "تلفزيون لبنان" وتقيّداً بأعرافها.
بناء عليه، نعتبر في المركز الكاثوليكي للاعلام أن تلفزيون لبنان لطالما شكّل نموذجاً يجمع اعلاميين من مختلف الطوائف بعيداً عن أي شعارات دينية، فلماذا استغلال قضية معينة اليوم لمحاولة إبعاد التلفزيون عن نهجه الراسخ منذ عقود والذي لا يرمز إلى أي هوية دينية أو طائفية إلا الهوية الوطنية؟.
إن الحفاظ على المبادىء الحقوقية يقتضي الابقاء على النهج الحالي للتلفزيون الذي يضم اعلاميين ومراسلين وموظفين من مختلف الطوائف من دون أن يبرز أحد منهم هويته الدينية أو الطائفية، وندعو معالي وزير الاعلام الدكتور بول مرقص إلى الحفاظ على تاريخ ودور تلفزيون لبنان كشاشة جامعة لجميع اللبنانيين، وندعو من يقفون خلف الحملة الموجهة إلى التوقف عن إثارة قضايا خلافية وإلى عدم ممارسة أي ضغط سياسي وغير سياسي على معالي وزير الاعلام الذي يعود إليه وإلى مجلس ادارة تلفزيون لبنان بعد تعيينه أخذ القرار المناسب في هذه القضية، إنطلاقاً أولاً من سابقة حصلت مع إحدى الموظفات التي لم يُسمح لها بالظهور رغم تدخل بعض المرجعيات الدينية، وثانياً انطلاقاً من أنه لا يجوز لأي موظف أو متعاقد حديثاً أن يخالف القواعد وأن يحاول فرض وجهة نظره على الادارة تحت طائلة الاستقالة بل عليه أن يحترم ويلتزم أنظمة المؤسسة التي يود العمل تحت رايتها وإلا الانضمام إلى مؤسسة أخرى يرى نفسه فيها.
أخيراً، يأمل المركز الكاثوليكي للاعلام الحفاظ على الهوية الوطنية لتلفزيون لبنان والامتناع عن محاولة تغيير هذه الهوية أو ممارسة هيمنة عليه في مكان ما كما يحصل في بعض المؤسسات مع التشديد بأن التلفزيون يبقى شركة خاصة تخضع لقانون التجارة وليس ادارة رسمية ولا مؤسسة عامة وله نظامه الخاص المنظم بمرسوم".