تحظى الطروحات الأميركية بشأن حل أزمة الاحتلال الإسرائيلي والخروقات المتكررة لاتفاق وقف إطلاق النار في لبنان بدعم من دول أوروبية، التي تؤكد ضرورة أن يؤدي تثبيت الاستقرار في المنطقة الحدودية إلى إطلاق مسار من المفاوضات يؤدي في النهاية إلى "احترام أمن إسرائيل واحترام السيادة اللبنانية".
في هذا السياق، تحمل نائبة المبعوث الخاص للرئيس الأميركي للشرق الأوسط، مورغن أورتاغوس، مجموعة من الطروحات التي ستعرضها على المسؤولين اللبنانيين في بيروت، يوم السبت. هذه الطروحات تتضمن تشكيل لجان مدنية للتفاوض مع إسرائيل بشأن عدة ملفات حيوية، من بينها انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلة، وإطلاق سراح الأسرى اللبنانيين لدى إسرائيل، وحل النزاع الحدودي العالق منذ عام 2006 المتعلق بـ13 نقطة حدودية برية. يهدف هذا الحل إلى تحديد الحدود البرية بين البلدين، فضلاً عن قضايا أخرى تتعلق بنزع سلاح حزب الله وتعزيز وجود الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني في جنوب لبنان.
على الجانب الآخر، يتمسك لبنان باللجان العسكرية القائمة، التي تقوم بحوار غير مباشر مع الجانب الإسرائيلي عبر قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان "اليونيفيل"، وتشرف على تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار من خلال اللجنة الخماسية. وقد أكد وزير الخارجية اللبناني، يوسف رجّي، على أن لبنان يطالب "بانسحاب إسرائيلي نهائي من دون شروط"، مشدداً على أن"التطبيع غير مطروح، والمحادثات السياسية المباشرة غير واردة ومرفوضة من جهتنا".
وتدفع أوساط دبلوماسية أوروبية، عبر تواصلها مع بيروت وتل أبيب، باتجاه وقف التصعيد وتحقيق الاستقرار الكامل على المدى المتوسط. وتؤكد هذه الأوساط أن طرح "التطبيع" في هذه المرحلة يعد "حساساً ويصعب على الحكومة اللبنانية التعامل معه". ورغم التباين في وجهات النظر بين لبنان وإسرائيل، تؤكد الأوساط الدبلوماسية أن «الوصول إلى حل يحترم أمن إسرائيل ويحترم سيادة لبنان" لن يتحقق إلا من خلال محادثات بين الطرفين، سواء كانت هذه المحادثات تقنية أو دبلوماسية أو سياسية.
تنطلق هذه القناعة الغربية من تقدير أن عمر الحكومة اللبنانية التي تشكلت في شباط الماضي "قصير نسبياً"، نظراً إلى أن ولاية البرلمان تنتهي في أواخر أيار 2026، وهو ما يقتضي إجراء انتخابات نيابية تنتج مجلساً جديداً، يتبعه تشكيل حكومة جديدة. هذا التوقيت يفرض الضغط على لبنان لتوسيع دائرة المفاوضات والانتقال إلى مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في مرحلة لاحقة.
تلتقي المقاربة الغربية مع الطروحات الأميركية لجهة توسعة لجان المفاوضات بين إسرائيل ولبنان، لكن لبنان لا يزال يرفض هذه الفكرة حتى الآن. في المقابل، تسعى إسرائيل إلى التوصل إلى اتفاق سياسي سريع مع لبنان، وتعمل على استدراج لبنان إلى المفاوضات "تحت النار"، من خلال خروق متكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، إضافة إلى تنفيذ عمليات اغتيال وضربات في مختلف المناطق اللبنانية.
بينما لا تمارس دول أوروبية ضغوطاً كبيرة على إسرائيل، تتبع سياسة "الإقناع"، حيث تسعى إلى إقناع تل أبيب بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 26 تشرين الثاني 2024. تؤكد المصادر الدبلوماسية أن هذه السياسة تأتي في إطار الالتزام بمبادئ الدبلوماسية الدولية، رغم التحديات التي ظهرت مؤخراً جراء استهداف محيط بيروت.
من جهتها، تسعى إسرائيل إلى استدراج لبنان إلى مفاوضات مباشرة قد تؤدي إلى "تطبيع العلاقات" أو اتفاق سلام، في حين تقترح الدول الأوروبية مساراً تدريجياً يعتمد على مراكمة المكتسبات خطوة بخطوة. وفي المقابل، يعارض لبنان هذا التوجه خوفاً من تكرار تجربة توقيع اتفاق "17 أيار" في عام 1983 الذي أدى إلى انفجار الأوضاع وانقسام البلد. ويشدد لبنان الرسمي على ضرورة تجنب تكرار تلك التجربة المؤلمة، التي أسفرت عن انقسام المكونات الداخلية واحتمال انقسام الجيش.
في سياق متصل، تعتبر الأوساط الغربية أن انتشار الجيش اللبناني في منطقة جنوب الليطاني وحركته لتفكيك البنية العسكرية لـ"حزب الله" خطوة إيجابية في اتجاه تثبيت الاستقرار في المنطقة. وتعتقد هذه الأوساط أن اللبنانيين، منذ تشكيل الحكومة، يبدون رغبة قوية في تعزيز الاستقرار والتركيز على الحلول السلمية.
من المهم الإشارة إلى أن القضية اللبنانية تتشابك مع العديد من الأبعاد القانونية الدولية، أبرزها معاهدة الهدنة لعام 1949، والتي تشكل المرجعية الأساسية في أي مفاوضات مع إسرائيل. في حين أن القوانين الدولية المتعلقة بالحدود وحقوق الإنسان تلعب دوراً مهماً في تحديد الموقف اللبناني الرسمي تجاه قضايا مثل الأسرى اللبنانيين والنزاع الحدودي. من جهة أخرى، يشير الموقف الدولي إلى ضرورة الالتزام بالقانون الدولي والتوصل إلى حلول سلمية تُراعي حقوق جميع الأطراف.