ولم تكن زيارة العماد هيكل مجرد جولة تفقدية عادية، بل حملت ثلاث دلالات استثنائية تعكس توجهًا واضحًا في كيفية مقاربة الجيش اللبناني للواقع الميداني في هذه المرحلة الدقيقة.
أولًا: قائد الجيش مسلّح في زيارة ميدانية للمرة الأولى، ظهر قائد الجيش مسلحًا خلال زيارته الميدانية، في خطوة نادرة تعكس الجهوزية العالية التي تعتمدها المؤسسة العسكرية في ظل التوتر المتزايد جنوبًا. هذه الصورة تحمل رسالة واضحة بأن الجيش اللبناني مستعد لمواجهة أي تطور ميداني، وأن قائده ليس بعيدًا عن واقع الضباط والعناصر المنتشرين على الأرض.

ثانيًا: رفع العلم اللبناني بيد القائد شخصيًا في مشهد غير مألوف، تولّى العماد هيكل بنفسه رفع العلم اللبناني، وهي خطوة عادةً ما تُوكل إلى أحد الضباط. هذا التصرف يؤكد رمزية الالتفاف حول الدولة ومؤسساتها، ويعكس روح القيادة الميدانية التي يتبناها العماد هيكل في إدارة المؤسسة العسكرية، حيث لا يكتفي بتوجيه الأوامر، بل يكون في طليعة التنفيذ.

ثالثًا: تحية جماعية للعلم أثناء رفعه خلال رفع العلم، أدى جميع العسكريين من ضباط ورتباء وأفراد التحية، وهو تغيير لافت عن العرف السابق، حيث كان التحية تقتصر على الضباط فقط. هذا التطور يعكس تعزيز الانضباط العسكري وروح الوحدة داخل المؤسسة، ويؤكد السعي إلى ترسيخ مفهوم الانتماء الوطني والمساواة بين جميع الرتب في تأدية الواجب الوطني.

وتأتي هذه الخطوات في سياق ما أكده العماد هيكل خلال زيارته، حيث شدد على أن “واجب المؤسسة العسكرية هو حماية لبنان وأبنائه بمختلف انتماءاتهم”، مشيرًا إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها وحدات الجيش المنتشرة في الجنوب، بالتنسيق مع قوات اليونيفيل، لتنفيذ القرار 1701 وضمان استقرار الحدود.
كما أكد أن الاحتلال الإسرائيلي يبقى العائق الأكبر أمام تثبيت وقف إطلاق النار، في ظل اعتداءاته المستمرة ومحاولاته إيجاد ذرائع لتوسيع أعماله العدائية.
وفيما جدد التزام الجيش بحماية السيادة الوطنية، أكد أن إطلاق الصواريخ من الأراضي اللبنانية نحو الداخل الإسرائيلي يخدم العدو، مشددًا على أن المؤسسة العسكرية لن تتهاون في ملاحقة مطلقيها، حيث تم توقيف عدد من المشتبه فيهم. تحمل زيارة قائد الجيش إلى الجنوب، بما رافقها من خطوات لافتة، رسالة واضحة بأن الجيش اللبناني ليس مجرد قوة مراقبة، بل هو في موقع الفعل والاستعداد لحماية السيادة اللبنانية.
وهي أيضًا تأكيد على أن المؤسسة العسكرية، رغم التحديات، تظل الضامن الأول لاستقرار لبنان وأمنه، بعيدًا عن أي تجاذبات سياسية أو حسابات فئوية. هذه الدلالات الثلاث ليست مجرد تفاصيل عابرة، بل إشارات إلى توجه جديد في القيادة العسكرية، يضع الجيش في موقع أكثر تماسكًا وقدرة على التعامل مع تعقيدات المرحلة الراهنة، سواء ميدانيًا أم على المستوى الوطني.
