يواصل رئيس الحكومة نواف سلام سياسة "التذاكي الطائفي" في ملف الانتخابات البلدية، مستندًا إلى نائبَيه وضاح الصادق ومارك ضو، اللذين يعملان على تمرير تعديل انتخابي جوهري يفرض نظام اللوائح المغلقة والمقفلة في المدن الكبرى التي تضم مجالس بلدية من 18 عضوًا وأكثر. خطوة كهذه تهدد التعددية السياسية والتوازن الطائفي في بيروت ومدن رئيسية أخرى، وتفتح الباب أمام هيمنة الأكثريات الطائفية، بما يقضي فعليًا على أي تمثيل عادل لمختلف المكونات.
يدرك نواف سلام جيدًا خطورة هذا الطرح، وهو الذي شغل عضوية لجنة فؤاد بطرس المتخصصة في القوانين الانتخابية، لكنه رغم ذلك يصرّ على تسويق هذا التعديل باعتباره خطوة "إصلاحية"، في حين أن جوهره يهدف إلى فرض تأجيل الانتخابات البلدية وإعادة رسم الخارطة السياسية وفق مصالح القوى المهيمنة.
بذريعة "المناصفة"، تسعى الحكومة إلى تمرير صيغة انتخابية تمنح الكتل الأكبر قدرة مطلقة على حصد جميع المقاعد البلدية، مما يترك الأقليات، لا سيما المسيحيين والدروز في بيروت، أمام خيارين أحلاهما مُرّ: إما الالتحاق بتحالفات خاضعة لشروط الأقوى، أو الخروج التام من المشهد البلدي.
وإذا كان الهدف الحقيقي إصلاح التمثيل البلدي، فلماذا لم يُطرَح تقسيم بيروت إلى 12 دائرة بلدية، بحيث تختار كل دائرة ممثليها مباشرة؟ أليس هذا أكثر عدالة من فرض نظام يقضي على التعددية ويمكّن جهة واحدة من السيطرة على القرار؟
ما يسعى إليه سلام ليس إصلاحًا، بل محاولة مكشوفة لإحكام سيطرة الأكثريات الطائفية على القرار البلدي، وتحويل الأقليات إلى مجرد "أهل ذمة انتخابية" ينتظرون ما تجود به عليهم تحالفات القوى الأكبر عددياً. وهذه ذهنية إقصائية تضرب في العمق مفهوم الديمقراطية والتعددية.
والأخطر أن هذا النظام يمنح الفوز للائحة بمجرد تفوقها بصوت واحد فقط، مانعًا أي خرق انتخابي قد يسمح بتمثيل تنوع الإرادة الشعبية. فكيف يمكن القبول بقانون يُقصي مكونات بكاملها من التمثيل، تحت ستار تأمين "التمثيل العادل"؟
لا يمكن فصل هذا الطرح عن الحسابات السياسية الأوسع، حيث يذهب خصوم سلام إلى اتهامه بالسعي إلى تأجيل الانتخابات البلدية عبر ذرائع قانونية، في محاولة لتسجيل نقاط ضد العهد الحالي بقيادة الرئيس جوزيف عون.
وفي هذا الإطار، يُنظر إلى المشروع المطروح كجزء من مقايضة سياسية، هدفها السيطرة على المجالس البلدية الكبرى، وضمان تمثيل يراعي مصلحة قوى محددة على حساب الشراكة الوطنية.
السؤال الذي يُطرح هنا: هل تعي الأحزاب المسيحية حجم المخاطر التي يحملها هذا الطرح؟ أم أنها ستُفاجَأ لاحقًا بتبعات قانون يُقصيها انتخابيًا بعدما يتم تمريره بذريعة "الإصلاح الانتخابي"؟
ما يطرحه نواف سلام اليوم لا يؤمّن لا المناصفة ولا التوازن، بل يمنح القوة المطلقة للطرف الأكثر عددًا، ويحرم المكونات الأخرى من التمثيل الفعلي. وبالتالي، فهو ليس إلا محاولة جديدة لإعادة إنتاج الهيمنة السياسية عبر صناديق الاقتراع، لا أكثر ولا أقل.