خاص ليبانون ديبايت

السبت 29 آذار 2025 - 07:15

"الغلطة" التي ارتكبها نوّاف سلام

"ليبانون ديبايت" - محمد المدني


لم ينجح نوّاف سلام في تكريس نفسه كرئيس حكومة "قوي" رغم الزخم الذي أتى به إلى السراي الحكومي، فكل مراقب يلاحظ فارق القوة بينه وبين رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الذي وصفه البعض بـ "البلدوزر" الذي لا يأبه لأحد سوى لعهده وسلطته، وهذا ما أكدته جميع التعيينات التي حصلت حتى اليوم، والتي كانت بغالبيتها من حصة الرئيس.


أول من أمس خسر رئيس الحكومة معركة التصويت لتعيين حاكم لمصرف لبنان لصالح رئيس الجمهورية، ما حصل كان دستورياً مئة بالمئة بالمضمون، أمّا في الشكل لم يكن محبّباً أن يذهب الرئيس عون نحو خيارٍ يرفضه سلام، لكن الأخير ارتضى أن تسير الأمور وفق الآلية الدستورية التي يجب احترامها.


"الغلطة" التي ارتكبها نوّاف سلام، والتي أدت إلى إظهار ضعف في موقع رئاسة الحكومة، هي أنه لم يحط نفسه بفريق سياسي من المستشارين، يكون لهم الدور الأساسي في تحضير الملفات، والتواصل مع الكتل السياسية الممثّلة في الحكومة لنسج تفاهمات وتحالفات تدعم خيارات رئاسة الحكومة وتوجّهاتها، بدل أن يظهر سلام معزولاً داخل مجلس الوزراء.


لم يسبق أن كان رئيس الحكومة يعمل منفرداً في منصب يحتاج إلى كثير من المتابعة والمراجعة والتشاور واتخاذ القرارات المصيرية، فكما يقول المثل الشعبي "إيد وحدة ما بتصفق"، خصوصاً أن جميع المحيطين بالرئيس سلام هم مجموعة من الداعمين له والأصدقاء لا صفة رسمية لهم ولا يمكنهم القيام بالأدوار التي يقوم بها على سبيل المثال مستشارو رئيس الجمهورية على اختلاف مهماتهم وتخصّصهم.


ثم أن الرئيس سلام، الذي يمثل الحركة التغييرية في السلطة، لا يشكل ارتياحاً لدى الأحزاب المشاركة في حكومته ولا التي في الخارج، فالصراع القائم بين الأحزاب السياسية التقليدية وبين الحركات التغييرية تدفع الأحزاب إلى ترك مسافة من سلام، الذي يريد تجيير نجاحه في السلطة لصالح قوى التغيير على حساب الأحزاب، وهذا ما يجعل الحكومة مقسّمة إلى عدة حكومات صغيرة، كحكومة "القوات اللبنانية" وحكومة "الثنائي الشيعي" وحكومة الحزب الإشتراكي، فكل طرف يريد من الحكومة المركزية ما يتناسب مع مصالحه وأجنداته السياسية.


في ملف الحاكمية، كانت حجّة نوّاف سلام ضعيفة في موضوع رفضه للمرشح كريم سعيد، الذي قدّم مطالعة لامعة أمام مجلس الوزراء، والذي لم يكن لنوّاف سلام إلاّ محاكمة النوايا لتبرير رفضه له، فيما كان يجدر به أن يقرأ جيداً التوازنات في الحكومة، وأن ينضمّ إلى التوافق، بدل أن يسجّل على نفسه هزيمة سياسية، ولو تحت ستار "احترام الدستور" الذي ينصّ على آلية التصويت.


يفتقر نوّاف السلام، رغم سيرته الذاتية المميّزة أكاديمياً وقضائياً، إلى خبرة سياسية هي ضرورية في الموقع الذي يشغله اليوم، وهو سجّل في معركة الحاكمية هزيمة حقيقية غير مبرّرة، خاصة أنه كان يفتقد لمرشح بديل مقنع وحجّة قوية تبرّر إطالة أمدّ الشغور في مركز الحاكم، فيما لبنان قادم على مفاوضات مصيرية مع صندوق النقد للخروج من الأزمة المالية التي تعصف به.


يبقى أن تُسجّل لنوّاف سلام، أنه كان أول رئيس حكومة منذ الطائف يخلق سابقة التصويت في موضوع أساسي وجوهري، ويكسر نمطية التوافق الذي كان سبباً كبيراً في تعطيل الكثير من القرارات وضرب إنتاجية المؤسّسات الدستورية اللبنانية.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة