اقتصاد

النهار
الأحد 26 كانون الثاني 2025 - 11:51 النهار
النهار

الإصلاح الاقتصادي الحقيقي في حكومة الخمسة عشر شهراً

placeholder

استبشر معظم اللبنانيين خيراً مع قدوم رئيسين إلى السلطة التنفيذية من خارج الاصطفاف السياسي التقليدي في البلاد، وارتفع منسوب التفاؤل المصحوب بحذر وتساؤلات عن قدرة التغيير الفعلي في ظل وجود طبقة سياسية فاسدة وطائفية، انحسرت قوتها ربما ولكنها ما زالت تسيطر على مفاصل الدولة والمجتمع اللبناني.
وللناس الآن (ومنذ سنوات) حاجات ملحّة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، وأسئلة أساسية ومشروعة للحكم الجديد: من سيعيد إعمار البيوت وترميم حياة من فقد كل شيء في العدوان الإسرائيلي؟ هل سوف تؤمَّن الخدمات الأساسية التي هي على عاتق الدولة، مثل الكهرباء والمياه والتعليم الرسمي والإنترنت والمواصلات والأمن، ولو بحدّها الأدنى، وبأيّ كلفة؟ هل سوف تستعيد مداخيل الأسر بعضاً من قوتها الشرائية؟ وهل هنالك من مساعدات وفرص عمل لمئات آلاف الفقراء والعاطلين من العمل؟ وهل سوف يستعيد المودعون أموالهم؟ وغيرها العديد من التساؤلات والهواجس التي تعكس الواقع الفعلي للمجتمع اللبناني.
"مش رح فيهن يشيلوا الزير من البير"، تذكرنا الواقعية والبراغماتية والتاريخ. والناس ليسوا سذّجاً ليتوقعوا حلولاً لمشاكلهم من قبل حكام فاسدين نكّلوا بهم لسنوات. وهم أيضاً بأغلبيتهم ليسوا سذّجاً ليعطوا أيّ "شيك على بياض" لمحاولات التغيير من فوق أو من الداخل أو من الخارج. ولكنّ هناك فسحة من الأمل وتوقّعاً بإنجازات معينة. فماذا يمكن أن تفعله حكومة تنتهي صلاحيتها في انتخابات أيار 2026، أي بعد خمسة عشر شهراً؟
عام 2018 كان الناتج المحلي اللبناني أكثر من 50 مليار دولار، واحتياطي العملات الأجنبية في مصرف لبنان أكثر من 30 مليار دولار، ومداخيل الدولة أكثر من 6 مليارات دولار. الآن الناتج المحلي لا يتعدى 16 مليار دولار، والاحتياطي لدى المصرف المركزي 10 مليارات دولار، ومداخيل الدولة 2 مليار دولار! علماً بأن حجم الاقتصاد الموازي والسوق السوداء يقارب 15 مليار دولار، وحجم المساعدات والقروض الأجنبية التي تُنفق في لبنان خارج أجهزة الدولة المركزية وعبر الجمعيات يتخطى ملياري سنوياً.
الوضع مأساوي، وقد تم تقويض حجم الدولة وأجهزتها وسرقة مقدّراتها، والاستعاضة عنها بنظام للتنمية والخدمات مرتهن كلياً للدول والمنظمات المانحة.
ضمن هذا الواقع، على السلطة التنفيذية الجديدة وحكومة "العهد الجديد" الأولى محاولة تقديم حلول عملية لمشاكل المواطنين ضمن الإمكانيات المتاحة، ولكن الأهم إرساء نهج جديد وتغيير فعلي في السياسات العامة الاقتصادية والمالية والاجتماعية، طالبت به ثورة تشرين منذ سنوات. هذا النهج عنوانه العدالة الاقتصادية والاجتماعية واستعادة الدولة لدورها وسيادتها.
هذه العدالة عليها أن تنحاز إلى الفقراء، أي أكثر من 85% من اللبنانيين، والعاطلين من العمل والعاملين بأجور زهيدة، والمواطنين المحرومين من تغطية صحية وإمكانية الولوج الى خدمات أساسية منها السكن اللائق والتعليم وغيرهما من الأساسيات. على الحكومة الجديدة أن تفعّل الخدمات العامة المنهارة وأن تتأكد من شمولية هذه الخدمات لكل المحافظات، عبر تفعيل الطبابة المجانية والتعليم والمساعدات للعائلات المحتاجة وبرامج التدريب والتشغيل.
لكن السؤال هنا كيف؟ وبأي أموال؟ هنا تأتي عدالة توزيع أكلاف النهوض الاقتصادي بين فئات المجتمع، حيث تتطلب هذه العدالة تحديداً تمويل الخدمات العامة الأساسية بمداخيل للدولة، تأتي من ضرائب ورسوم تصاعدية تستهدف خصوصاً الفئات التي استفادت وراكمت الثروات في الأزمات والحروب. هنا يجب أن تعمل الحكومة الجديدة على ضرائب على أرباح المضاربات على العملة، وضرائب على مداخيل الإيجارات المرتفعة التي فُرضت مثلاً على العائلات المهجرة في الحرب، ورسوم على الأملاك البحرية المنهوبة، وغيرها من التدابير التي ترسي عدالة بين المكلفين.
وعلى الحكومة الجديدة تحقيق عدالة في السياسات العامة، عبر فرض آليّات جديدة لتنسيق المساعدات الأجنبية والرقابة عليها، ووضعها ضمن خطط عمل تعيد بناء مؤسسات الدولة وتحقق الاستدامة المالية لبرامجها، خارج إطار الصناديق والمجالس الفاسدة مثل مجلس الإنماء والإعمار. كذلك على الحكومة أن تمارس سيادة فعلية في تحصيل المساعدات وصرفها، عبر وضع أولويات مناطقية وقطاعية تضع مصلحة المقيمين في لبنان كأولوية.
والعدالة الاقتصادية الأخيرة هي عدالة توزيع الثروات، وخصوصاً تلك المرتبطة بالقطاع المصرفي المنهار. على السلطة التنفيذية الجديدة أن تنحاز بوضوح إلى حقوق المودعين وحماية أموالهم من أي اقتطاع، واستيفاء الخسائر من أصحاب المصارف الذين حققوا أرباحاً على الفوائد والمضاربات والهندسات المالية.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة