"ليبانون ديبايت" - وليد خوري
منذ أكثر من عقدين، يعيش لبنان في ظل نظام يعيد إنتاج الفشل ذاته، عبر وصول قادة عسكريين إلى سدة الرئاسة. هذا الواقع يعكس ليس فقط إفلاس الطبقة السياسية، بل أيضاً إفلاس المشروع الوطني ككل. فمنذ العام 1998، مع تولي إميل لحود الرئاسة، بات الجنرالات الخيار المفضل لمنظومة سياسية عاجزة عن تقديم أي حلول حقيقية. بدلاً من ذلك، تتقن هذه المنظومة تدوير الزوايا لتحقيق مصالحها الضيقة، بينما يغرق لبنان أكثر في أزماته. هذه الظاهرة ليست صدفة، بل هي نتيجة مباشرة لاستسلام القرار الوطني لإملاءات الخارج، وعجز القوى الداخلية عن إنتاج قيادة مدنية ذات رؤية إصلاحية.
حكم العسكر لطالما كان موضع جدل عالمي، حيث أشار الفيلسوف البريطاني برتراند راسل إلى أن الدول التي يحكمها الجنرالات تفتقر إلى الديناميكية الفكرية والاقتصادية، لأن الأولوية تكون للأمن على حساب الابتكار والإصلاح. هذه الفكرة تنطبق تماماً على لبنان، حيث أدى صعود العسكريين إلى الحكم منذ العام 1998 إلى تعميق الانقسامات السياسية، وتفاقم الأزمات بدلاً من حلها.
عهد إميل لحود كان نموذجاً واضحاً لفشل حكم العسكر في إدارة بلد متنوع ومعقد كلبنان. ارتبطت ولايته بالوصاية السورية وبسياسات أمنية قمعية أضعفت مؤسسات الدولة وأفقدتها فرصة إعادة البناء بعد الحرب الأهلية. أما ميشال سليمان، ورغم وعوده بالحياد، فشهدت ولايته المزيد من التدهور السياسي والانقسام. عهد ميشال عون كان الكارثة الأكبر، إذ تزامن مع الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث، حيث تفاقمت الأزمات إلى حد غير مسبوق. واليوم، يُطرح اسم جوزاف عون كمرشح للرئاسة، في إعادة إنتاج مأساوية للنمط نفسه الذي أوصل لبنان إلى هذا القاع.
حكم العسكر بطبيعته يركز على الأمن والاستقرار، لكنه يفتقر إلى المهارات الاقتصادية والتنموية التي يحتاجها لبنان بشكل عاجل. لبنان يعاني من انهيار شامل، من نظام مصرفي مشلول إلى قطاع عام متهاوٍ وهجرة جماعية للكفاءات. كيف يمكن لرئيس عسكري، مهما بلغت كفاءته الأمنية، أن يدير اقتصاداً بهذا الحجم من التعقيد؟ تجارب حكم العسكر في العالم تُظهر نتائج كارثية. في السودان، أدى الحكم العسكري إلى عقود من الحروب الأهلية والانقسامات. في مصر، هيمنة الجيش على الاقتصاد أدت إلى احتكار الموارد وتباطؤ النمو، بينما تحول القطاع الخاص إلى ضحية لسياسات لا تشجع التنافسية أو الابتكار. العراق أيضاً شهد انهياراً سياسياً واقتصادياً في ظل حكم العسكر، حيث اعتمد اقتصاده بشكل كامل على النفط، دون أي تنويع أو استثمار في البنية التحتية أو التعليم.
على النقيض، دول الخليج التي يحكمها مدنيون تقدم نموذجاً مختلفاً تماماً. الإمارات مثلاً، بفضل قياداتها المدنية التي تعتمد على التخطيط الاستراتيجي والخبرات الاقتصادية، أصبحت نموذجاً للنجاح في التنويع الاقتصادي، والاستثمار في التكنولوجيا والتعليم. المملكة العربية السعودية أيضاً، بقيادتها المدنية الحديثة، خطت خطوات كبيرة نحو إصلاحات اقتصادية واجتماعية شاملة ضمن رؤية 2030. هذه النماذج تبرز أهمية القيادة المدنية التي تضع الاقتصاد والتنمية في صلب اهتماماتها.
حتى تركيا تقدم درساً مهماً. عندما كان الجيش يهيمن على السياسة، عانت البلاد من انقلابات متكررة وتراجع اقتصادي. لكن مع تقليص دور العسكر وتحولها إلى قيادة مدنية منتخبة، شهدت تركيا نمواً اقتصادياً كبيراً وتقدماً في البنية التحتية والصناعات المتنوعة. هذه التجارب تؤكد أن حكم العسكر يعوق التنمية طويلة الأمد، بينما القيادة المدنية تفتح المجال أمام الابتكار والنمو المستدام.
ما يزيد الطين بلة في لبنان هو أن الرؤساء العسكريين غالباً ما يدخلون في صراع مع الطبقة السياسية التي أوصلتهم إلى الحكم، ما يؤدي إلى شلل تام في مؤسسات الدولة. هذه المواجهات المتكررة تعكس الطبيعة غير التوافقية للعسكر، الذين يرون في الحكم معركة يجب الانتصار فيها بدلاً من كونه شراكة تستلزم الحوار والإصلاح. تكرار هذه التجارب يعني إطالة أمد الأزمة واستمرار دورة الانهيار.
في كتابه الأمير، حذر نيكولو مكيافيللي من أن الحكم القائم على القوة وحدها محكوم عليه بالفشل، لأنه يفتقر إلى الاستدامة. لبنان اليوم بحاجة ماسة إلى رئيس مدني يمتلك رؤية اقتصادية واضحة وخبرة في الإصلاح المؤسسي، قادر على استعادة ثقة الداخل والخارج. استمرار هيمنة العسكر على الرئاسة يعني استمرار لبنان في الغرق. الجنرالات قد يكونون ضروريين في الميدان، لكنهم كارثيون في إدارة الدول، ولبنان لا يستطيع تحمل المزيد من الأخطاء.
كفى جنرالات في بعبدا

اخترنا لكم




علـى مـدار الساعـة
-
21:58 قادة العالم يهنئون ترامب بانتخابه رئيساً للولايات المتحدة -
10:48 مسنّو لبنان قلقون: لا دواء ولا استشفاء! -
12:29 خريطة الحكومة لردّ الودائع… هذه أبرز معالمها -
08:14 أسعار نار وإرتفاع مجنون بين الصيف الماضي وهذا الصيف -
08:52 "من بيت لبيت": مبادرة شبابية في الزمن الصعب -
11:11 نار الكتب والأقساط تحرق الجيوب
علـى مـدار الساعـة
22:59 العربية: غارات أميركية تستهدف معسكر الدفاع الساحلي بالقرب من ميناء الحديدة22:53 هيئة البث الإسرائيلية: قائد القيادة الوسطى الأميركية مايكل كوريلا يجتمع مع رئيس الأركان الإسرائيلي22:46 "التحكم المروري": يرجى من السائقين توخي الحذر وتخفيف السرعة بسبب تساقط الامطار تفاديا للانزلاقات وللصدامات المرورية22:45 مصادر الحدث: 4 غارات أميركية استهدفت مواقع حوثية شمال مديرية بيت الفقية22:36 مصادر العربية: انفجارات تهز محافظة الحديدة22:36 وزارة الطاقة السورية لـ الحدث: نعمل على إعادة الطاقة إلى المنظومة الكهربائية22:33 مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: على أطراف النزاع توفير الحماية للكوادر الطبية والعاملين في المجال الإنساني22:29 مدير الأمن في حلب للجزيرة: المفاوضات استمرت 9 ساعات وعملية تبادل الأسرى ستبدأ غدا أو بعد غد22:26 سانا عن المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء: انقطاع عام للكهرباء في سوريا نتيجة خلل فني21:34 هيئة البث الإسرائيلية: قائد القيادة الوسطى الأميركية بحث مع قادة إسرائيليين لـ10 ساعات موضعي إيران والحوثيين21:22 المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي: هناك أكثر من 2000 خرق للهدنة من قبل إسرائيل إضافةً إلى الاعتداءات على السيادة اللبنانية وعمليات الاغتيال21:16 سانا: إصابة 7 أشخاص بجروح بانفجار لغم في منطقة سد تشرين بريف حلب الشرقي
الأكثر قراءة
-
01
تقلبات جوية "مفاجئة" بانتظاركم... استعدوا: هذا ما ستحمله...
الأخبار المهمة
-
02
الضحية رقم 5 في سجل جرائم كامل فرج "الحر"... صمت مريب...
الأخبار المهمة
-
03
اشتباكاتٌ عنيفة... وتطويق منطقة السيدة زينب في دمشق!
اقليمي ودولي
-
04
صندوق النقد قدّم اقتراحات لمعالجة وضع المصارف.. من سيدفع...
خاص ليبانون ديبايت
-
05
الكشف عن هوية المستهدف بغارة الضاحية!
المحلية
تسجّل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني

