"ليبانون ديبايت" - وليد خوري
ليس غريبًا أن تكون لحظة سقوط بشار الأسد مصدر فرحٍ لغالبية اللبنانيين والسوريين الذين عانوا لعقود من حكمه ونظامه القمعي. لكن الغريب، والمثير للسخرية، أن يتحول بعض الشخصيات اللبنانية إلى المحتفلين الأساسيين بهذا السقوط، وكأنهم كانوا في مقدمة المقاومين لهذا النظام. سمير جعجع، وليد جنبلاط، وسعد الحريري هم من بين هؤلاء الذين يحمل تاريخهم مزيجًا من التعاون مع النظام السوري أو الفشل الذريع في مواجهته، ما يجعل احتفالهم بسقوط الأسد محاولة يائسة لتبييض صفحاتهم السياسية.
من الضروري العودة إلى بعض المحطات التاريخية لفهم الإشكالية. في عام 2005، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كانت هناك فرصة ذهبية للمجتمع الدولي، ومعه فريق 14 آذار، لتقويض النفوذ السوري في لبنان. حينها، رُفعت شعارات السيادة والاستقلال، لكن الزخم الشعبي والسياسي لم يواكبه أداء جدي على الأرض. سمير جعجع، الذي كان قد خرج من السجن حديثًا، صعد إلى الساحة كرمز لمعارضة النظام السوري، لكنه لم يقدّم أكثر من الخطابات السياسية، خصوصًا وأن صورته كانت قد تلطخت بعد زيارته إلى دمشق لتقديم العزاء بباسل الأسد أسابيع قبل دخوله المعتقل. تصريحاته مثل: "النظام السوري انتهى في لبنان ولن يعود"، بقيت أقرب إلى الأمنيات منها إلى الحقائق المدعومة بالأفعال.
أما وليد جنبلاط، فهو المثال الأبرز على تقلبات المواقف. بدأ حياته السياسية كتلميذ للنظام السوري، وانتقل إلى موقع المعارض الشرس بعد اغتيال الحريري، قبل أن يعود للتودد للنظام في مراحل لاحقة. تصريحه الشهير عام 2010: "التحالف مع سوريا ضرورة استراتيجية"، يلخص مدى تردده وتذبذبه في مواجهة النظام السوري. هذا النهج البراغماتي، الذي وصفه البعض بـ"الانتهازية"، أفقده مصداقيته لدى الجمهور اللبناني، الذي بات يرى في تحركاته محاولة دائمة للحفاظ على موقعه الشخصي بدلاً من تحقيق مصالح وطنية.
أما سعد الحريري، فإن سقوط بشار الأسد يعيد إلى الذاكرة أحد أكبر إخفاقاته السياسية. في أعقاب اغتيال والده، وبدعم دولي وخليجي غير مسبوق، كان الحريري في موقع يسمح له بقيادة مشروع سياسي قوي ضد النفوذ السوري وحزب الله. لكنه اختار طريق التفاوض والخضوع، وذهب إلى دمشق للقاء بشار الأسد، واصفًا الزيارة بأنها "خطوة شجاعة للمصالحة". هذه المصالحة لم تكن سوى اعتراف ضمني باستمرار الهيمنة السورية، وبدلاً من تحرير لبنان من هذه الهيمنة، سلم الحريري البلاد لمحور المقاومة بقيادة حزب الله.
اليوم، ومع سقوط الأسد، يظهر هؤلاء الثلاثة كأنهم أبطال هذا الإنجاز. لكن الحقيقة مختلفة تمامًا. سقوط الأسد لم يكن نتيجة جهودهم، بل نتيجة لتغيرات إقليمية ودولية، من بينها التدخل العسكري الروسي الذي أنقذ النظام في 2015 وأطال عمره، ثم التحولات الجيوسياسية التي أجبرته في النهاية على التراجع. هؤلاء لم يسقطوا الأسد، بل كانوا في أحيان كثيرة أدوات في مشروعه أو متخاذلين عن مواجهته.
لا يمكن الحديث عن سقوط الأسد دون الإشارة إلى إخفاقات المرحلة التي تلت اغتيال الحريري. من 2005 إلى 2024، عاش لبنان في ظل هيمنة حزب الله، التي ترسخت بسبب سوء إدارة الملف السوري من قبل جعجع، جنبلاط، والحريري. هذه الهيمنة لم تكن قدراً محتوماً، بل نتيجة مباشرة لعجز هذا الثلاثي عن مواجهة النظام السوري وحلفائه بجدية. غياب الاستراتيجية الموحدة، والتنافس على المناصب والمكاسب الشخصية، جعلهم شركاء في تكريس حالة الفشل السياسي التي يعاني منها لبنان حتى اليوم.
إن سقوط بشار الأسد هو عمل دولي وإقليمي بالدرجة الأولى، وليس نتيجة لجهود داخلية أو مبادرات لبنانية. الشعب اللبناني، الذي دفع ثمنًا باهظًا للهيمنة السورية-الإيرانية، لن ينسى أن هؤلاء الثلاثة كانوا جزءًا من المشكلة، وليس الحل. احتفالهم اليوم ليس سوى محاولة لتغطية إخفاقاتهم السابقة، لكن التاريخ لا يرحم، والذاكرة الشعبية لن تنسى من خان الأمانة أو عجز عن حماية البلاد في أحلك لحظاتها.
إذا كان سقوط الأسد يشكل لحظة أمل جديدة، فإن هذا الأمل يجب أن يكون مدروسًا وحذراً. الدرس الأهم هو أن من فشلوا في مواجهة الهيمنة السورية لا يمكن أن يكونوا رواد المرحلة المقبلة. لبنان يحتاج إلى وجوه جديدة، ورؤية جديدة، قادرة على استثمار هذه اللحظة التاريخية لتحقيق السيادة الحقيقية، بعيدًا عن الحسابات الشخصية والمصالح الفئوية.
ثلاثة لا يحق لهم الاحتفال بسقوط بشار الأسد

اخترنا لكم




علـى مـدار الساعـة
-
21:58 قادة العالم يهنئون ترامب بانتخابه رئيساً للولايات المتحدة -
10:48 مسنّو لبنان قلقون: لا دواء ولا استشفاء! -
12:29 خريطة الحكومة لردّ الودائع… هذه أبرز معالمها -
08:14 أسعار نار وإرتفاع مجنون بين الصيف الماضي وهذا الصيف -
08:52 "من بيت لبيت": مبادرة شبابية في الزمن الصعب -
11:11 نار الكتب والأقساط تحرق الجيوب
علـى مـدار الساعـة
22:59 العربية: غارات أميركية تستهدف معسكر الدفاع الساحلي بالقرب من ميناء الحديدة22:53 هيئة البث الإسرائيلية: قائد القيادة الوسطى الأميركية مايكل كوريلا يجتمع مع رئيس الأركان الإسرائيلي22:46 "التحكم المروري": يرجى من السائقين توخي الحذر وتخفيف السرعة بسبب تساقط الامطار تفاديا للانزلاقات وللصدامات المرورية22:45 مصادر الحدث: 4 غارات أميركية استهدفت مواقع حوثية شمال مديرية بيت الفقية22:36 مصادر العربية: انفجارات تهز محافظة الحديدة22:36 وزارة الطاقة السورية لـ الحدث: نعمل على إعادة الطاقة إلى المنظومة الكهربائية22:33 مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: على أطراف النزاع توفير الحماية للكوادر الطبية والعاملين في المجال الإنساني22:29 مدير الأمن في حلب للجزيرة: المفاوضات استمرت 9 ساعات وعملية تبادل الأسرى ستبدأ غدا أو بعد غد22:26 سانا عن المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء: انقطاع عام للكهرباء في سوريا نتيجة خلل فني21:34 هيئة البث الإسرائيلية: قائد القيادة الوسطى الأميركية بحث مع قادة إسرائيليين لـ10 ساعات موضعي إيران والحوثيين21:22 المتحدث باسم وزارة الخارجية إسماعيل بقائي: هناك أكثر من 2000 خرق للهدنة من قبل إسرائيل إضافةً إلى الاعتداءات على السيادة اللبنانية وعمليات الاغتيال21:16 سانا: إصابة 7 أشخاص بجروح بانفجار لغم في منطقة سد تشرين بريف حلب الشرقي
الأكثر قراءة
-
01
تقلبات جوية "مفاجئة" بانتظاركم... استعدوا: هذا ما ستحمله...
الأخبار المهمة
-
02
الضحية رقم 5 في سجل جرائم كامل فرج "الحر"... صمت مريب...
الأخبار المهمة
-
03
اشتباكاتٌ عنيفة... وتطويق منطقة السيدة زينب في دمشق!
اقليمي ودولي
-
04
صندوق النقد قدّم اقتراحات لمعالجة وضع المصارف.. من سيدفع...
خاص ليبانون ديبايت
-
05
الكشف عن هوية المستهدف بغارة الضاحية!
المحلية
تسجّل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني

