التحري

الأربعاء 09 آب 2023 - 19:59

في دلالات اغتيال الياس الحصروني: قضية "اللبنانيين المُبعدين قسرًا إلى إسرائيل"

placeholder

مريم مجدولين اللحام - جسور

"بأقل من 10 ثوان، بلباس داكن موحَّد، وأرقامٍ مزورة لسياراتين رُباعيتي الدفع، أكثر من 5 أشخاص مجهولي الهوية، رسموا كمينًا محكمًا لقريبي، المسؤول السابق عن إقليم بنت جبيل في حزب القوات اللبنانية الياس الحصروني (71 عامًا - الملقّب بالحنتوش)... اعترضوا طريقه، خدّروه وأردوه قتيلًا" هذا ما قاله قريب الشهيد الحصروني لـ"جسور".



وتابع شارحًا تفاصيل القضية: "تلقينا خبر وفاة الياس ليل الثاني من أغسطس/آب، على أساس أنه لقي حتفه في حادث سير. وعلمنا أنه بعد فحص جثمان الراحل، تبيّن وجود ضربة خفيفة غير قاتلة على الجهة الخلفية من الرأس، ولم تظهر أي كدمات من أي نوع آخر. وأفاد تقرير الطبيب الشرعي (من النبطية) بأن وفاته كانت بسبب نزيف في الرئة بعدما تكسّرت أضلعه واخترقت صدره، ربما بسبب انفتاح كيس الهواء خلال تعرضه للحادث".


وأضاف لـ"جسور": "كان توقيت وفاة الياس المفاجئ مستغربًا لنا، وأسئلة عديدة دارت في أذهاننا لا جواب لها... فقد وجد الياس متوفيًأ وملقى في جلّ تحت طريق لا يسلكه عادة بجانب سيارته. فلماذا خرج ليلًا؟ هل استُدرج إلى مكان الحادث؟ ولماذا استخدم هذا الطريق لا غيره؟... انصرافه لمكان مجهول بشكل مفاجئ وغير مُعلن، أثار عندنا تحفظات وشكوك بخاصة أنه كان من وجهاء البلدة المحبوبين. لم نعرف الأجوبة وكنا ننتظر ما يمكن أن تكشفه التحقيقات. فبالنظر إلى المؤشرات الأولية، اعتبرنا كعائلة تفاصيل الحادث الذي تعرض له غامضة ومشوبة بالشكوك، حيث غادر منزله في وقت متأخر دون أن يُخطر أسرته بأي موعد أو أمر يجعله يتجه إلى الطريق الفرعية التي تؤدي إلى بلدتي حنين (الشيعية) ودبل (المسيحية)".


واتسعت دائرة الشكوك حول طبيعة الحادث بعد إصدار أمر قضائي يطالب بسرعة رفع سيارة الحصروني من موقع الحادث تحت الطريق. فاحتجّ شبان من البلدة وتجمّعوا في المكان رافضين تحريك "أي حجرة" من مكانها قبل حضور المحقق الجنائي. وبالفعل صباح اليوم التالي، حضر المحقق الجنائي إلا أنه اكتفى بالتصوير الفوتوغرافي دون أن يرفع أي بصمات أو أداء أي من الإجراءات الاعتيادية التي تُتخذ في حالات مشابهة. ما أثار مزيدًا من التساؤلات حول مدى شفافية ونزاهة التحقيق في ملابسات الحادث.


قضية المبعدين قسرًا؟

وبما أن المغدور به كان يشغل منصبًا سياسيًا، وله دور كبير في الجانب العسكري والأمني خلال فترات الحرب الأهلية والاحتلال الإسرائيلي بعيدًا عن عمله في مجال المطاعم والمسابح وقاعات الأفراح في البلدة، بدأت الشكوك والتساؤلات تنتشر منذ الساعات الأولى بعد تلقي أهله خبر الحادث.


أما الملفت في قضية اغتيال "الحنتوش" أنها جاءت بعد فترة قصيرة من اجتماع مهم لحزب الكتائب اللبنانية أقيم في إقليم بنت جبيل، تحديدًا في بلدة عين ابل، وحضره كل "فعاليات المنطقة" بمن فيهم الفقيد. وقد كان هناك كلام جدي حول التزام الحضور بقضية اللبنانيين المبعدين قسرًا إلى دولة الاحتلال الاسرائيلي، مؤكداً على حقهم بالعودة، الخطاب الذي عادة ما يحرّض ضده حزب الله علانية.


وقد ذكر أمين عام حزب الكتائب اللبنانية سيرج داغر في تغريدة نشرها أنه قد التقى بالحصروني منذ أيام وكان لهما حديث في "السيادة والمقاومة اللبنانية الحقيقية" وإنه "قلنا ما قلناه في المبعدين... واغتالوا كما الجبناء" على حد تعبيره.




كما تداولت أخبار حول وجود سيارات غريبة تجوب منطقة عين إبل بشكل مشبوه مساء مقتله. ووصلت الشكوك إلى حد أن أحد الأفراد التقط صورة لأرقام بعض السيارات الغريبة التي تبيّن لاحقاً أنها كانت مسروقة. وهو أمر يتردد ذاته في قضايا الاغتيال السياسي المعهود في لبنان.


والدفن وجهود فرع المعلومات


وتابع "من ثم دفناه يوم الأحد في السادس من أغسطس/آب، لمراسم عزاء وجناز طبيعية في كنسية البلدة بحضور مسؤولين من حزب "القوات اللبنانية" برئاسة النائب أنطوان زهرا ممثلاً رئيس الحزب سمير جعجع، ودون أن نتداول في تفاصيل الوفاة خلال حفل التأبين، ترويًا إلى حين توصّل التحقيقات إلى أي حقائق. ذلك، إلى أن كشفت كاميرات مراقبة على طريق عام عين ابل حانين بوضوح كيف أنه، وعند الساعة التاسعة والربع من مساء 2 أغسطس/آب، توقفت سيارة رباعية الدفع داكنة اللون أمام سيارة الحصروني، أعاقت سيره، ولحقت بها سيارة أخرى رباعية الدفع لونها رصاصي نوع هوندا، ترجّل منها عدة أشخاص، ولفّ أحدهم قطعة قماش على فمه خدّرته أو سمّمته، ثم زجّوه بسيارته فاقدًا للوعي (على الجهة الخلفية) ودخل أحدهم ليقود السيارة به، قبل أن تغادر السيارات الثلاثة المكان وتتوارى عن الأنظار".


وذكر مصدر أمني لـ"جسور" أنه "وبجهود فرع المعلومات الذي بات التحقيق تحت إشرافه، تبيّن أن وفاة الحصروني لم يكن حادثًا للسير، بل كمينًأ، إذ تمكنوا من الكشف عن فيديو كاميرات المراقبة."


"كاد المريب أن يقول خذوني"


واستباقًا لأي انكشاف جديد في الملف، شددت وسائل إعلام مقرّبة من حزب الله على أهمية تصريح شقيق الراحل الياس الحصروني الذي أكد أن العائلة لا تلوم أي جهة ولا تتوقع وجود دوافع سياسية وراء الحادث. وأشار إلى أن شقيقه الياس كان من الشخصيات المسؤولة والمعروفة في حزب "القوات اللبنانية" لسنوات عديدة، وكان محبوباً من قبل جميع الأطياف في المنطقة. وأفاد في مقابلة مع قناة "الجديد" بأن هناك محاولات لاستغلال هذا الحادث، قائلاً: "هناك أشخاص يحاولون استغلال الوضع الحالي والتورّط في الموضوع. نحن في المنطقة نعيش معاً بتفاهم وسلام، حيث تجمع بين أفراد مختلف الطوائف والأحزاب". وأكد أن العائلة ستتعاون مع السلطات القضائية وتحترم ما تقرره.


استنكار وموقف منتظر

وفي تطوّر لاحق، أفاد رئيس حزب "القوات اللبنانية"، سمير جعجع، أنّه "تبيّن في اليومين الماضيين أنّ وفاة رفيقنا الياس الحصروني في عين إبل لم تكن نتيجة حادث سير كما ظهر في المعلومات الأوّليّة، إذ تبيّن ومن خلال كاميرات المراقبة الخاصّة في المنازل المجاورة لمكان الحادث، أنّ كميناً محكماً مكوّناً أقلّه من سيارتين قد أُقيم لرفيقنا الياس، وعند مروره خُطف من قبل أفراد الكمين الذين يقُدّر عددهم بين ستة وتسعة أشخاص، إلى مكانٍ آخر حيث قتلوه". ولفت جعجع، في بيان، إلى أنّ "هذه المعطيات الجديدة أصبحت بحوزة الأجهزة الأمنية وبخاصة مديرية المخابرات في الجيش اللبناني وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي"، مطالبًا بـ"كشف هويّة الفاعلين بأقصى سرعة ممكنة، نظراً لدقّة الوضع في عين إبل والقرى المجاورة، ونظراً للنتائج التي يُمكن أن تترتّب عن هذه الجريمة". ويتردد أن هناك اجتماع يتم حاليًا بين نواب كتلة الجمهورية القوية وموقف لاحق سيصدر عنهم مساءً.


وفي بيان صادر عنهم، استنكر أهالي وبلدية عين ابل أشد الاستنكار الاعتداء على ابن البلدة معتبرين أن "هذا العمل الاجرامي هدفه الوحيد زعزعة الأمن في منطقتنا التي ما عرفت أية أعمال اجرامية، والتي نتغنى دائماً بالأمن المستتب فيها مقارنة بباقي المناطق اللبنانية".


وناشد الأهالي القوى الأمنية التي أصبح بحوزتها الدليل القاطع على عملية الاختطاف أن تقوم وبأسرع ما يمكن بالكشف عن القتلة وإنزال أشد العقوبات بهم حفاظاً على أمن المنطقة.


ختامًا، وككل مرة، يلبس لبنان الأسود من جديد، أمام مشهد مكرر: فريق سياسي يجد نفسه في دائرة الاتهام، ويصرّ ببسالة على عدم تغيير مقارباته ولعب دور الضحية. وفريق آخر فقد ولازال يفقد من صفوفه خيرة أبناء الوطن. فهل من قضاء؟

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة