التحري

الخميس 06 نيسان 2023 - 00:27

لماذا "ميغافون" تحديداً: وراء الاستهداف السياسي لـ"جان قصير"

placeholder

في اتساع الفجوة بين القضاء اللبناني والعدالة، نشرت العديد من الجرائد والمواقع الإخبارية كل ما صدر عن المشتبه به (وفق قاضي التحقيق طارق البيطار) في قضية تفجير مرفأ بيروت النائب العام التمييزي غسان عويدات، وكتبت عن سطوته على صلاحيات المحقق العدلي ومن ثم ادّعائه عليه ومنعه من السفر وإخلاء سراح جميع موقوفي ملف المرفأ ورفضه الامتثال إلى التحقيق، في سابقة عالميّة، ضجّ بها لبنان والعالم "لأيام". قرارات شوّهت صورة السلطة القضائية برمّتها، بل أثارت تساؤلات منطقية واعتراضات مبرّرة.

إلا أن صدق المصطلحات المُختارة لصياغة الخبر المدوّي نفسه، على منصّة "ميغافون" تحت عنوان "لبنان يحكمه فارّون من العدالة"، أصاب مكابرة القاضي عويدات بالصميم ودفعه إلى ملاحقة الصحافي جان قصير دون غيره ممن كتب عن القضية. حركة صادمة لعويدات، الذي كاد يُقنع بعض المراقبين، بأنه "واثق الخطوة يمشي ملكاً" غير آبه بتاتاً بآراء أولياء الدم أهالي الشهداء، ولا بمسألة تعطيل التحقيق في الملف وبحسبه "مش أول ناس ماتوا، في كتير ناس ماتت في لبنان".

ولا يقتصر غضب عويدات على الجانب اللّغوي من منشور "ميغافون"، بل يمتدّ ليشمل توقيت الخبر... إذ أصرّت "ميغافون" التذكير بهروب القاضي عويدات – ورفاقه – من العدالة بعد مرور أكثر من شهر على الفعل (بعد 37 يوم). هذا تهديد مباشر، وجُرأة لا بدّ لها أن تتأدّب.

وما حدث بعد ذلك، محطّ سُخرية.
ولعلّ أبلغ ما نُشر عن المهزلة جاء في كلمة تجمع نقابة الصحافة البديلة، في كلمة أُلقيت خلال الوقفة التضامنية للصحافيين أمام قصر العدل في بيروت احتجاجاً على التعرّض لحرية الصحافة، جاء فيها: "رأينا جهازاً أمنياً، رئيسُه مطلوبٌ إلى التحقيق بقضية 4 آب، يعترض طريق الزميل في منصة "ميغافون"، جان قصير، بطريقة ميليشياوية ومخالفة لأبسط قواعد الاستدعاء، وبإشارة قضائية مخالفة للقانون صادرة عن مدّعٍ عام مطلوبٍ بدوره إلى التحقيق."

أما المُذهل، فهو أصرار القاضي عويدات على ملاحقته اللاقانونية، إذ تبلّغ جان قصير للمرة الثانية، فور انتهاء تحرّك الصحافة، وجوب مثوله أمام مديرية التحقيق المركزي في المديرية العامة لأمن الدولة في محلة الرملة البيضاء، للتحقيق معه، لتعود وكيلة "ميغافون" المحامية ديالا شحادة وتكرر عدم قانونية الاستدعاء ولا جواز تحقيق النيابات العامة بجرائم المطبوعات. بعدها، تلقى قصير "اتصال تواسط" من وزير الإعلام زياد المكاري يُبلغه "بالألو" تراجع عويدات عن الشكوى.

قصة قصيرة حزينة: تبليغ أولي أمنيّ الطابع، اثناء قيادة الصحافي جان قصير لسيارته، أي بعد رصد موقعه المتحرّك. ومن ثم تبليغ وسائطي على شاكلة "امسحها بذقني" أبويّ الطابع، مع ولي أمر الإعلاميين، الوزير المعني، بختم الملف.

تعكس "تبليغات" عويدات وسياساته بشكل أساسيّ، النسخة القضائية لليمين الشعبوي الذي يجاهر بمعاداته للصحافة التي تؤثر بالوعي المدني، ويجاهر كذلك بصداقاتٍ مع صحافة الخطوط الحمراء و"النُخب المصنوعة" و"تعبنا استاذ مارسيل". أو مع إعلام "مسرّب تحقيقات الأجهزة الأمنية"، الصحافي رضوان مرتضى، الذي سحب القاضي غسان عويدات إشارة توقيفه (القاضي نفسه الذي يلاحق قصير) وهبّ لإنقاذه بتاريخ 15 كانون الثاني 2021 لكونها "مخالفة باعتباره صحافياً لا يمثل أمام جهاز أمني"!!!!

إلا أن نجاج "ميغافون" لم يكن يوماً بسبب الترويج لسرديات الأجهزة الأمنية، وهو سيناريو كارثي على قضاء لا يفتأ يبحث عن تخريجة مناسبة تحفط ماء الوجه لأفعال "اعلى سلطة مؤتمنة على المصالح العامة في البلاد" القاضي غسان عويدات، بعد إطلاقه سراح جميع موقوفي ملف تفجير مرفأ بيروت، ومن قبلها فرّ من العدالة (ولا يزال)، وفي أيام تخزين "النيترات" تساهل بما جاء في تقرير الرائد جوزيف الندّاف (تحقيق رسمي بإشراف قضائي) وأمره بالحل العظيم لمتفجرات تتوسط مدينتنا عبر "تأمين حراسة للعنبر 12 وتعيين أمين مستودع وحماية الأبواب وإقفالها" خاتماً المحضر!

نجاح "ميغافون" يعني القبول بالمساحة السياسية الجذريّة التي تبلورت عند جيل "الإنستا" الذي تشدّه ميغافون وتسهّل له فهم أحاجي نشرات الأخبار، تهيؤهم لخوض مواجهات سياسية مع المنظومة بدءاً من مجالس طلاب الجامعات، تكرر على مسامعهم خطاب حقوقي يصقل سلوك المتصفّحين من الفئة الشبابية، تتيح لهم فرصة أن يكونوا أكثر من مشاهدين في المجتمع وتُشعرهم بالفعالية السياسية الفردية.

نجاح "ميغافون" هو نجاح منصّة "تثقيفية سياسية" بديلة للمناشير التي اعتادت "المعارضات الثورية" بشكلها الكلاسيكي لصقها على الجدران في ليل قاتم، وحلول مشهدية جديدة، محلّ إعلام المافيا والميليشيا، بكل معاني الإحلال والاستبدال وأشكالهما.

نجاح "ميغافون" هو نجاح نسخة سهلة الاستيعاب من ملفات سياسية-اقتصادية-اجتماعية معقّدة، وعليه تسدعي تدخلاً طارئاً من السلطة القضائية الأعلى لبنانياً للحفاظ على التقاليد. وما القاضي غسان عويدات إلا مترئساً لمنظومة تؤمن بأهمية تسطيح الصراع الطبقي وأحقيّة سطوة رأس المال الاحتكاري، وتعدّ الفقراء الذين باتوا يشكلون أكثر من نصف المجتمع اللبناني "أمرًا طبيعيًّا" لا نتيجة لإخفاقات وسرقات وسياسات مجحفة وتوازنات طائفية واهية وخلل في القضاء وانعدام المُساءلة.

بالمحصلة، صار الحفاظ على امتيازات المنظومة في العصر الرقمي أصعب من ذي قبل. "فأعدوا".

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة