التحري

الخميس 23 آذار 2023 - 16:51

مبادرة طلال أبو غزالة: مساعدة أم تضليل للمودعين؟

placeholder

برز موضوع "مصير أموال المودعين في لبنان" ليُطرح مجدداً على ساحة العراضات الإعلامية، بوصفه البند الرئيسي في مساعي رجل الأعمال الأردني الدكتور طلال أبو غزالة الهادفة، بحسب المتداول، إلى "العمل ضمن إطار قانوني بهدف المطالبة وتحصيل أموال المودعين المجمدة وفوائدها المتراكمة منذ عدة سنوات في المصارف اللبنانية".

وفي التفاصيل انتشرت مقالات صحافية على مواقع الكترونية عدة منها الوكالة الوطنية للإعلام تُعلن أن أبو غزالة قد "قَبِلَ أن يتشرّف" بالقيام بالإجراءات اللازمة "سعياً لتحصيل حقوق المودعين في لبنان وتلبيةً لنداءاتهم". وأنه لهذا الغرض، وبصفته "شركة طلال أبوغزاله القانونية" سيتابع قانونياً هذا الملف بالتعاون مع "مكتب الأستاذين المحاميين الكريمين أنطوان قرقماز في فرنسا وفيليب معلوف في لبنان، متكفلاً شخصيا بكامل الأتعاب القانونية اللازمة كعملية شرفية".
وتحقيقاً لذلك الغرض، فقد قرر التوجه إلى "المراجع الدولية سيما مجلـس حقــوق الإنسان لدى الأمم المتحدة-جنيف، توصلاً إلى رفع الملف إلى المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي".

وفي نص البيان الذي صدر عن مكتبه أعلن أبو غزالة أنه قد "باشر فعليًا بإعداد الملفات وتوثيق الوقائع التي تشكل انتهاكات فاضحة وفادحة لحقوق الإنسان" وتتصف بحسبه، "بالجريمة ضد الإنسانية وذلك استنادا إلى تقرير مجلس حقوق الانسان بأن (الدولة اللبنانية بما في ذلك مصرفها المركزي، مسؤولة عن انتهاكات حقوق الانسان بما في ذلك الافقار غير الضروري للسكان، الذي نتج عن هذه الأزمة التي هي من صنع الانسان.)" مُرحِّباً في ختام رسالته "بمن يعتبر نفسه معنيًا في هذه الجريمة كضحيّة فرديّة أو جماعية للانضمام إلى هذه القضية" التي "يتشرّف بأن يتولاها وفاء لفضل لبنان عليه"!!

وبما أنه من المستغرب أن يُبادر رجل أعمال،-لبناني كان أم غير لبناني-، بطرح مبادرة جامعة، على هذا القدر من الوعود الرّنانة، وعلى نفقته الخاصّة التي يُخيّل للقارئ بأنها ستكون باهظة التكلفة... كان لا بد من التطرّق المباشر للموضوع ووضع الرّسالة قيد التحليل القانوني.

بحيث، وعلى فرض أن المسلك القانوني هذا صدر عن حُسن نيّة، يبقى ألا نتوقع من رجل أعمال بهذا الحجم، أن يُنفق أتعاب عالية بطبيعة عددها بلا مقابل.
وأبو غزالة، غزير الظهور الإعلامي لمواضيع تتراوح بين نصائح للشباب إلى التنبؤات الدولية على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وفي هذا الإطار أوضحت الخبيرة في شؤون المحكمة الجنائية الدولية المحامية ديالا شحادة لـ "التحري" أن هناك العديد من النقاط التي يجب على المودعين التنبه لها في التفاعل مع هذه المبادرة.

لدى الكلام عن الشائبة الأولى في رسالة طلال أبوغزاله المفتوحة، يُشار تحديدًا إلى أن من المتعارف عليه التمييز بين دوري "مجلس حقوق الإنسان في جنيف" و"المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي"، الشكلي والجوهري.

فبحسب شحادة، "الأول لا يُمهّد للثاني توصّلا، إلا إذا، وبنتيجة التواصل مع مجلس الأمن عبر القنوات الملائمة، إرتأى رئيس مجلس الأمن إلى اجتماع يخصص تحديداً لمناقشة مأساة المودعين في لبنان وإدراجه على جدول أعمال إحدى جلساته بحسب شروط النظام الداخلي، على اعتبار أنها تندرج ضمن القضايا التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وهو سيناريو بعيد المنال وغير مرجّح".

والشائبة الثانية تتلخص "في سوريالية الطرح، الذي يفترض إجماعاً دولياً بين دول حملة الفيتو في مجلس الأمن (بالإضافة إلى تأييد دول 3 من الأعضاء غير الدائمين)، على أن قضية المودعين في لبنان، هي بالفعل قضية "تهدد الأمن والسلم الدوليين" وأنه من المتوقّع إحالة الملف بموجبه إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية".

وهنا أشارت شحادة إلى أنه "وحتى مع هذه الإحالة - إن حصلت - يبقى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية سيد نفسه في قرار فتح التحقيقات من عدمها. ولزاماً عليه، قبل ذلك أن يتأكد من الإختصاص النوعي للجرائم المطروحة أمامه. وبالنتيجة البديهية، لا يمكن اعتبار هذه الجرائم في كل الأحوال "لا جرائم حرب تقتضي وجود نزاع مسلّح، ولا جريمة عدوان تفترض عدواناً خارجياً".

يبقى أن تكون قضية المودعين من "جرائم الإبادة الجماعية" أو من "الجرائم ضد الإنسانية".
وهي، بحسب شحادة، "افتراضات لا تخلو هي الأخرى من الجدل. فالأولى تقتضي قصداً "لإهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية" والثانية حسب قواعد المحكمة، تستدعي، من جملة ما تستدعيه، وجود "سياسة من دولة أو من منظمة" بحق المودعين في لبنان، بقصد إهلاكهم عن عمد أو لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية أو جندرية أو بسبب هويّاتهم. وهو ما ليس متوفراً في قضية المودعين".

نتيجة لكل ما سبق، جزمت شحادة بأن "قضية المودعين في لبنان" لا جريمة إبادة جماعية، ولا من الجرائم ضد الإنسانية ولا تدخل لا قريب ولا من بعيد من ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية".

السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يروّج طلال أبو غزالة لمسلك قانوني دولي لا أساس قانوني له، بل ويقول بأنه "يتشرّف" ويتكرَّم شخصياً بتغطية الأتعاب والنفقات لإجراءٍ قد يقتصر على توجيه رسائل بريدية هنا وهناك. مع العلم بأنه لا يمكن تقديم شكاوى مع اتخاذ صفة الإدعاء الشخصي بأي جريمة لدى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ويمكن توجيه فقط "بلاغ – بحسب المادة 15" بوجود جرائم قد تدخل في اختصاص المحكمة. أي من قبيل الإخبار الذي يُقدّم أمام النيابات العامة في لبنان، وهذا البلاغ لا يقتضي وجود وكالات من متضررين، فلماذا يجمع أبو غزالة وكالات من المودعين؟ ولماذا تتضمن الصلاحيات المعطاة في هذه الوكالات المنشورة من قبله، حق إقامة الدعاوى داخل لبنان، برغم أنه لم يعلن سوى عن الإجراء الدولي المذكور آنفاً؟

قد يردّ البعض: وما الضير في أن يجتهد أبو غزالة حيث لم يفعل غيره؟

الضير هو التوقعات الخاطئة والكاذبة التي يخلقها ابو غزالة لدى المودعين وكفى هؤلاء الخيبات. ويُضاف إلى ذلك التضليل وإشاعة الوهم وتعميمه.

والضير أيضاً في تشتيت المودعين عن المسالك القانونية السليمة لاسترداد ودائعهم، سواء محليا او دوليا والتي لا تقتضي فقط وجود وكالات بينما تقتضي جمع مستندات مصرفية تثبت الودائع المراد استردادها والحق بالاطلاع على السرية المصرفية الذي لم تتضمنه الوكالات وخسارة المزيد من الوقت الذي يملكه المودعون قبل أن يهرّب "بنكرجية لبنان" أصولهم وأصول مصارفهم.

مبادرة برتبة "الفقاعة" تجري ضمن خيمة لبنانية كبيرة وراسخة من الترهّل، والاستسهال، واللامسؤولية، وعدم المحاسبة. ويشوبها تضاربٌ في الحقائق والتفاصيل، وتدخُل في نطاق القضايا التي لا تتحقّق فيها شروط محكمة الجنايات الدولية... وعليه اقتضى التحذير.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة