اعتبر تحليل لمجلة فورين بوليسي الأميركية، إن العلاقات الودية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، بين دول كانت تناصب بعضها العداء "لن تدوم طويلا".
"العلاقات الطيبة" التي ترجمتها زيارات وصفقات بين دول مثل تركيا والسعودية وإيران وحتى إسرائيل والإمارات "لن تدوم لأنها تستجيب لمصلحة آنية فقط" وفق التحليل.
في الأسبوع الماضي، زار الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، المملكة العربية السعودية، حيث التقى الملك سلمان وولي عهده، بعد قطيعة بسبب قضية مقتل، الصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول.
وقبل ذلك بقليل، في أواخر نيسان، أكدت وسائل إعلام إيرانية أن مسؤولين أمنيين كبارًا من السعودية وإيران اجتمعوا في جولة خامسة من محادثات التطبيع برعاية الحكومتين العراقية والعمانية.
وفي آذار، قام رئيس إسرائيل، إسحاق هرتسوغ، بزيارة لتركيا، وهي الزيارة الأولى لمسؤول إسرائيلي رفيع لأنقرة منذ 14 عامًا.
وفي الشهر نفسه، شارك الرئيس السوري بشار الأسد في معرض إكسبو 2020 في دبي والتقى بقادة إماراتيين.
وفي شباط، قام إردوغان بزيارة إلى الإمارات العربية المتحدة، بعد أن سافر ولي عهد أبو ظبي إلى تركيا في تشرين الثاني الماضي.
وخلال الشتاء، تبادل الإماراتيون والإيرانيون وفوداً تجارية واستثمارية.
كل هذا النشاط الدبلوماسي الذي يدل على مسيرة حافلة بإشارات خفض التصعيد الإقليمي وإعادة الاصطفاف، لا يدل على أن هناك إرادة تنذر بعهد جديد من السلام والحب والتفاهم في "الشرق الأوسط" وفق كاتب التحليل، ستيفن كوك.
الكاتب يرى بأن الأزمة المالية التي تعيشها المنطقة هي من تقود هذا المناخ الجديد، حيث يسعى الجميع للعمل على خلق "الاستثمارات والتعاون الاقتصادي بدلاً من الحروب بالوكالة".
ويرى كوك، أن أنقرة تفعل الجزء الأكبر من "عملية" إعادة ضبط المنطقة، "وهذا منطقي للغاية" في نظره.
ساهم سوء الإدارة الاقتصادية لإردوغان، حسب الكاتب، في أزمة الليرة التي استمرت لسنوات، ومع بلوغ التضخم نحو 70 في المائة، تعهد الزعيم التركي بتنمية الاقتصاد للخروج من كارثة صنعها بنفسه.
لذلك، تخلى إردوغان عن الخطاب العدائي تجاه الإماراتيين، ونقل محاكمة الأشخاص المتهمين بقتل جمال خاشقجي إلى السعودية، منهيا بذلك أي احتمال لمحاسبتهم في تركيا.
التقرير يقول في الصدد :"هذه هي النسخة الجيوسياسية من العمل التركي الجديد، على أمل الحصول على بعض الاستثمارات من صناديق الثروة السيادية الخليجية الهائلة، والصفقات التجارية، ومقايضات العملات، وربما مبيعات الطائرات بدون طيار."
بخلاف ما سبق، يعتبر التحليل أن تقارب الحكومة التركية مع إسرائيل لا يتعلق بالمال، حيث يرى المسؤولون في أنقرة، وفقه، أنهم إذا توصلوا مع الحكومة الإسرائيلية، فسيخفف ذلك الضغط عليهم في واشنطن.
وكتب في هذا الصدد: "يبدو أن الأتراك يعتقدون أن المنظمات الموالية لإسرائيل واليهودية في الولايات المتحدة ستدافع نيابة عنهم إذا رحب إردوغان بنظيره الإسرائيلي وتبادل المكالمات الهاتفية معه".
لكن هناك القليل من الأدلة على أن الجماعات المدافعة عن اليهود الأميركيين أو أنصار إسرائيل تريد فعلا مساعدة إردوغان لإخراج تركيا من العقوبات الأميركية بسبب شراء أنقرة لصاروخ S-400 الروسي الصنع.
وفيما يتعلق بإشارات خفض التصعيد مع إيران، أفادت تقارير أن الإماراتيين عبروا عن اهتمامهم بفرص الاستثمار هناك، ولا سيما مشروع الطاقة المتجددة.
ولم يصل السعوديون والإيرانيون إلى هذا الحد، لكن الاجتماعات بينهما لا تزال مستمرة، وهو ما يثير الأمل في إمكانية التوصل إلى أرضية اتفاق بين الرياض وطهران.
وبعد عقد من وصف القادة الإقليميين بعضهم بعضا بالإرهابيين، واتهام بعضهم البعض بأنهم مصادر عدم استقرار إقليمي، وتسليح المعارضين في الجانب الآخر، تأتي التصريحات واللقاءات الحالية لتنذر بحقبة جديدة "مميزة للغاية لحد يجل من الصعب تصديقها".
هذه الحالة الجديدة، فرضتها المعطيات الحالية، حيث توصل أغلب القادة إلى فكرة أنهم غير قادرين على فرض إرادتهم على خصومهم بالقوة.
لذلك، يحاول القادة الإقليميون الآن اتباع نهج مختلف، وفق ذات التحليل، رغم أن ذلك صعب التحقق.
الإماراتيون، على سبيل المثال "بالكاد وقعوا في حب أردوغان" وفق تعبير كوك، و"الابتسامة المصطنعة" على وجه ولي العهد السعودي في إحدى الصور التي تم التقاطها خلال زيارة الرئيس التركي الأخيرة، تشير إلى أن السعوديين، مثل الإماراتيين، على دراية تامة بنوايا إردوغان، حسب الكاتب.
من جانبهم، لا يثق الإسرائيليون في الأتراك، لأنهم، حسب التحليل، لا يثقون بإردوغان، لكن يبدو أنهم قبلوا دخول لعبته، خاصة إذا كان بإمكانهم الحصول على شيء من خلال "الحاجة الملحة للزعيم التركي لتحسين صورته لدى واشنطن".
في الوقت نفسه، فإن الإسرائيليين ليسوا على استعداد للتخلي عن علاقاتهم الاقتصادية والأمنية القوية مع اليونان وجمهورية قبرص، وهما خصمان لتركيا منذ فترة طويلة، من أجل تحسين العلاقات مع أنقرة.
"هذا مشابه لنهج مصر تجاه جهود تركيا المنسقة وغير الناجحة حتى الآن لمغازلة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي"، يقول التقرير.
اخترنا لكم



