في النزاعات العسكرية عموما، ينصب الاهتمام بالآثار المباشرة للحرب، مثل عدد الضحايا والجرائم التي ترتكب ضد المدنيين، ويغفل جانب هام رغم أن تداعياته قد تستمر لسنوات طويلة بعد توقف آلة الحرب وهو البيئة.
وفي الحرب التي تشنها روسيا منذ نحو سبع أسابيع ضد أوكرانيا، يتوقع خبراء أن تمتد آثارها البيئة والصحية "لعقود" مع انتشار الملوثات في جميع أنحاء البلاد، وفق تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال .
وقالت الصحيفة إن الحرب في أوكرانيا "تسمم الهواء والماء والتربة" ويشعر الخبراء بالقلق إزاء الآثار الصحية للتعرض للمعادن الثقيلة والغازات السامة والجسيمات الناتجة عن الانفجارات والحرائق وانهيارات المباني.
وهناك مخاوف من تسرب النفايات السائلة، الناتجة عن التعدين والنشاط الصناعي والمنتشرة في جميع أنحاء البلاد إلى الأراضي أو الأنهار القريبة.
إيرينا ستافتشوك، نائبة وزير حماية البيئة والموارد الطبيعية الأوكرانية، قالت إنه بعد تدمير خزانات الأسمدة في منطقة ترنوبل، شرق لفيف، أظهرت عينات مياه النهر في اتجاه مجرى النهر مستويات الأمونيا أعلى بـ163 مرة من المعدل الطبيعي والنترات أعلى بـ 50 مرة.
وقال ويم زويجنينبير، من منظمة PAX الهولندية، التي تعمل على تحديد المواقع الملوثة، إن الصراع دمر أكثر من 10 مرافق مائية، منها محطات معالجة المياه والسدود.
وأدت الأضرار، التي لحقت بمحطات معالجة المياه، إلى تسرب مياه الصرف الصحي غير المعالج في الأنهار والجداول.
وتقول وول ستريت جورنال إن هذه الملوثات تهدد بالإصابة بالسرطان، وأمراض الجهاز التنفسي بالإضافة إلى تأخر النمو لدى الأطفال.
وتقول شبكة "إيه بي سي" الأميركية إن ملايين الأشخاص قد يعانون من سوء التغذية في سنوات ما بعد الغزو، نتيجة لنقص الأراضي الصالحة للزراعة.
وأشار دوغ وير، مدير البحوث والسياسات في "مرصد الصراع والبيئة" الأميركي للشبكة إن مساحات شاسعة من المناطق الزراعية تضررت من جراء القصف العنيف والذخائر غير المنفجرة.
ومع بدء القتال في الجزء الشرقي من أوكرانيا، قد يتعرض ممر صناعي كبير به مصانع كيماوية ومناجم فحم ومصافي للنيران، ما ستكون له تبعات على البيئة.
وكانت روسيا حولت هجومها، الذي بدأته في الشمال إلى الشرق على طول جبهة طولها حوالي 300 ميل بالقرب من دونباس، وهي منطقة مشهورة بتعدين الفحم والصناعات الثقيلة لمدة 200 عام.
وقد تؤدي الأضرار التي تلحق بمناجم الفحم في المنطقة إلى تسمم المياه الجوفية التي تعتمد عليها القرى الصغيرة في المنطقة لمياه الشرب.
وقالت "إيه بي سي" إن "هناك خطرا كبيرا على السكان المحليين وآثار بيئية أطول، إذا حدثت أنشطة عسكرية هناك".
وتلوث الهواء مصدر قلق رئيسي آخر بعد استهداف الضربات الروسية مستودعات الوقود والمصافي في جميع أنحاء أوكرانيا، مما أدى إلى اندلاع حرائق كبيرة وإطلاق ملوثات من بينها السخام والميثان وثاني أكسيد الكربون.
وفي المدن التي استهدفتها الضربات الروسية، يشكل الغبار الإسمنتي المتطاير في الهواء من المباني المتداعية تهديدا للسكان وعمال الإنقاذ.
والأسبستوس المستخدم في البناء هو خطر آخر، ويمكن أن يستمر لسنوات لأنه لا يتحلل أو تغسله الأمطار. وهو يرتبط بأنواع مختلفة من السرطان وتظهر آثاره على الصحة بعد عقود.
ولا يقتصر الأمر على أوكرانيا، فقد تعبر التأثيرات الصحية المحتملة حدودها مع انتقال الملوثات في اتجاه الريح ومجاري الأنهار، وفق وول ستريت جورنال.
وقال كارول موفيت، الرئيس والمدير التنفيذي لمركز القانون البيئي الدولي لشبكة "إيه بي سي": "يثير الغزو الروسي لأوكرانيا مجموعة من الاهتمامات البيئية الفريدة والعميقة المحتملة ليس فقط لشعب أوكرانيا، ولكن المنطقة الأوسع، بما في ذلك الكثير من أوروبا".
وتثير الحروب الحديثة مخاوف خاصة من تسرب الغازات الدفيئة المنبعثة في الهواء.
وتذَّكِر وول ستريت جورنال بقيام جنود عراقيين بإضرام النيران في المئات من آبار النفط الكويتية خلال حرب الخليج الثانية، وأشارت تقديرات لاحقة أن الغازات المنبعثة عنها شكلت نحو 2 في المئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية حينها.
وكشفت عينات جليد جمعت بعد سنوات في الأنهار الجليدية التبتية عن وجود سخام ما يعني أن الرياح حملته مئات الأميال من الكويت إلى هناك.
وقال وير، مدير البحوث والسياسات في مرصد الصراع والبيئة إن, "أحد الأشياء التي تعلمنا إياها دروس غزو الكويت وحرب العراق هو أن الضربات ضد هذه المنشآت لها أضرار طويلة لاحقا".
وقالت ستافتشوك، نائبة الوزير الأوكرانية، إن هناك حوالي 100 مفتش يعملون لحساب الحكومة الأوكرانية يأخذون عينات من التربة والمياه في المواقع المثيرة للقلق حاليا.
ويتولى تحديد المواقع الملوثة أيضا منظمة PAX الهولندية غير الربحية، التي عملت في سوريا ومناطق نزاع أخرى، و"مرصد الصراع والبيئة" البريطاني، ومجموعة "إيكوأكشن".
وعلمت هذه المنظمات وغيرها على توثيق الأضرار في أكثر من 100 موقع تشمل محطات الطاقة والمنشآت العسكرية ومنشآت معالجة المياه.
اخترنا لكم



