قسّمت الحرب التي أعلنها الكرملين ضد أوكرانيا المجتمع الروسي، بين مؤيد للرواية الرسمية، ومعارض لها، حيث انقلب الروس على بعضهم البعض في ضوء رؤيتهم لما يجري بين بلادهم وجارتهم الشرقية، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.
وبينما يتهم الموالون للنظام مواطنيهم المعارضين للحرب، بخيانة الوطن، تسعى السلطات للتضييق عليهم بتسليط غرامات على البعض وسجن البعض الآخر.
تقول إحدى المدرسات للصحيفة الأميركية إن سلطات المدينة التي تعمل فيها أجبرتها على دفع غرامة مالية، بعدما شغّلت مقطع فيديو لأنشودة تدعو للسلام بين الشعبين الروسي والأوكراني.
تقول مارينا دوبروفا، وهي مدرسة اللغة الإنكليزية، إنها بعدما عرضت مقطع فيديو على يوتيوب لطلابها في الصف الثامن الشهر الماضي، لأغنية تدعو لـ "عالم بلا حرب" سألتها إحدى الطالبات عن وجهة نظرها حيال ما يجري، فقالت السيدة إن أوكرانيا دولة منفصلة، لتجيبها الطالبة "لكنها لم تعد كذلك الآن".
وبعد أيام قليلة، حضرت الشرطة إلى مدرستها في مدينة كورساكوف الساحلية، وواجهتها بتسجيل لتلك المحادثة في المحكمة، ما كلفها غرامة قدرها 400 دولار بتهمة "تشويه سمعة روسيا علنا".
قالت دوبروفا إن المدرسة فصلتها من العمل بسبب "سلوك غير أخلاقي" وعبرت عن هذا الموقف بالقول: "يبدو الأمر كما لو أنهم جميعًا انغمسوا في نوع من الجنون".
تقول "نيويورك تايمز" التي نقلت حديث المعلمة الروسية، وشهادات معارضين آخرين، إن قصة دوبروفا، واحدة من بين أمثلة عديدة عن انقلاب المجتمع الروسي بعضه على بعض بسبب الحرب.
تقرير الصحيفة أكد من خلال الشهادات التي نقلها، أن الموالين للنظام أصبحوا يعاتبون ويعاقبون مواطنيهم "بتشجيع من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه".
Putin said last month that Russian society needed a “self-purification.” It’s beginning: https://t.co/dwpvGPuqAy
— Anton Troianovski (@antontroian) April 9, 2022
وجاء في تقرير الصحيفة "المواطنون يشجبون بعضهم البعض في صدى مخيف يذكر بإرهاب ستالين، مدفوعين بقوانين جديدة تُجرّم أي معارض".
هناك تقارير عن طلاب اشتكوا من معلمين لهم مواقف مغايرة للرواية الرسمية، وأشخاص يخبرون عن جيرانهم الذين يعارضون الحرب.
مثال على ذلك: "مواطن أبلغ عن صاحب متجر لإصلاح أجهزة الكمبيوتر علق يافطة على حاسوبه مكتوب عليها لا للحرب".
شكاية المواطن أدت إلى اعتقال صاحب المتجر، مارات غراتشيف، حسب "نيويورك تايمز".
وتم تغريم مارات غراتشيف بأكثر من 1200 دولار بسبب موقفه.
في منطقة كالينينغراد، أرسلت السلطات رسائل نصية للسكان حثتهم من خلالها على تقديم أرقام الهواتف وعناوين البريد الإلكتروني لمن وصفتهم بـ"المحرضين" كما ذكرت الصحف الروسية.
ولدعم العملية، أطلق حزب سياسي قومي موقعًا على شبكة الإنترنت يحث الروس على الوشاية بمواطنيهم الذين يعارضون الحرب، بينما خُصّص حساب على موقع "تلغرام" لذات الغرض "فضح المعارضين".
يتوقع المناوؤون للسلطة بخصوص الحرب الجارية في أوكرانيا أن يشتد عليهم الخناق أكثر بينما تتعثر القوات في الميدان في مواجهة المقاومة الأوكرانية.
ويقول العضو في البرلمان، دميتري كوزنتسوف، واصفا الموقف "أنا متأكد تمامًا من أن التطهير سيبدأ" .
يرجح كوزنتسوف أن تتسارع عمليات التضييق على المعارضين بعد انتهاء "المرحلة النشطة" من الحرب.
"نرى أن هناك إدانة لمواطنين من قبل مواطنين آخرين بتشجيع من الدولة" يؤكد الرجل.
يُذكر أن بوتين أعلن في خطاب ألقاه في 16 آذار الماضي أن المجتمع الروسي بحاجة إلى "تطهير ذاتي".
وقال إن: "على الوطنيين الحقيقيين أن يفضحوا الحثالة والخونة ويبصقوهم خارج أفواههم مثل الذبابة التي دخلت بطريق الخطأ ".
ثم تابع بذات النبرة الحادة: "أنا مقتنع بأن مثل هذا التطهير الطبيعي والضروري للمجتمع سيقوي مجتمعنا".
ووفقًا للمنطق السوفياتي "الذي ورثه بوتين" وفق تعبير أحد المعارضين، يمكن أن يوصف أولئك الذين يختارون عدم الإبلاغ عن مواطنيهم على أنهم مشتبه بهم كذلك.
قال نيكيتا بيتروف، أحد المعارضين للكرملين: "في ظل هذه الظروف، يستقر الخوف في الناس مرة أخرى" ثم تابع "عالم الشرطة السرية السوفياتية يعود وهذا الخوف يملي على البعض الإبلاغ عن مواطنيهم".
وشهر آذار الماضي، وقع بوتين قانونًا يعاقب التصريحات العامة التي تتعارض مع موقف الحكومة بشأن ما يسميه الكرملين "عمليتها العسكرية الخاصة" في أوكرانيا مع ما يصل إلى 15 عاما في السجن.
وقد استخدم المدعون بالفعل القانون ضد أكثر من 400 شخص، بحسب ما أفادت المجموعة الحقوقية OVD-Info.