دوللي بشعلاني - الديار
لا يزال موقف لبنان الرسمي من عرض الوسيط الأميركي في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي آموس هوكشتاين يهيمن على الساحة السياسية. وإذ يخشى بعض الناشطين والخبراء والقانونيين أن يُصار الى التفريط بحقوق لبنان البحرية بسبب الضغوطات الأميركية، يُصرّ المسؤولون اللبنانيون من خلال مواقفهم المعلنة على عدم التنازل عن أي نقطة ماء في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان، كون الثروة النفطية فيها تعود للشعب اللبناني ولأبنائه في المستقبل.
ولكن هذا الموقف الرسمي الذي تنتظره الإدارة الأميركية والعدو الإسرائيلي، ويُفترض أن يتخذه الرؤساء الثلاثة المعنيين به، و "حزب الله" كونه يُشكّل رادعاً أمنيّاً لتعدّي العدو الإسرائيلي على سيادة لبنان وحقوقه وحدوده، خلال الأسابيع المقبلة، لا يزال مُلتبساً كون كلّ طرف يجد بأنّ حقّ لبنان في هذا الخط وليس ذاك... وهذا الأمر يتطلّب مناقشة الموضوع على طاولة الحوار في قصر بعبدا، من قبل السياسيين وعدد كبير من الخبراء العسكريين والتقنيين والقانونيين والطوبوغرافيين وغير ذلك. كون موضوع ترسيم الحدود هو أمر وطني يتعلّق بالسيادة، ولهذا لا بدّ من دراسته من جوانبه كافة، واتخاذ الخيارات المناسبة أكثر لكلّ المقترحات المعروضة على لبنان لعدم الوقوع في أي أخطاء عن غير قصد، سيما وأنّ مثل هذا الأمر قد حصل سابقاً، وتجنّب الأفخاخ التي قد يكون وضعها الأميركي والإسرائيلي للبنان في سطور هذا العرض.
مصادر سياسية مواكبة لموضوع الترسيم أكّدت بأنّ المسؤولين اللبنانيين سيدرسون تفاصيل العرض والمقترحات من الجوانب العلمية والتقنية وحتى الموارد المالية المرتقبة من الحقول النفطية قبل اتخاذ الموقف الوطني الموحّد، وإن كان البعض يجد اليوم أنّ ثمّة اختلاف في وجهات النظر فيما بينهم، ليس على حقوق لبنان التي هي من الثوابت الوطنية إنّما على آلية المطالبة بها وتحصيلها سيما وأنّ بلدنا يُواجه "عدوّاً معتدياً". فضلاً عن أنّ الوسيط فيما بين لبنان وبين العدو الإسرائيلي هو أميركي أي يميل بطبيعة الحال الى الطرف الآخر، وإن كان هوكشتاين أكّد على عدم انحيازه الى أي من الطرفين خلال عملية التفاوض غير المباشر.
وأشارت الى أنّه لا بدّ من توضيح الموقف اللبناني لجهة أي خط سوف يعتمده في حال العودة مجدّداً الى طاولة الناقورة، هل هو الخط 23، أم 29 الذي سبق وأن ناقش الوفد اللبناني العسكري على أساسه خلال الجولات الخمس السابقة من المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، أو إذا ما كان سيتخطّى الخطوط وتحديد المنطقة المتنازع عليها للذهاب نحو توزيع الحقول وتقاسم الثروة النفطية. وبرأيها أنّ الخط 23 أصبح مضموناً، من وجهة النظر اللبنانية، بعد أن كان "اتفاق الإطار" يُحقّق للبنان "خط هوف" الذي اقترحه السفير الأميركي فريديريك هوف بين الخطين 1 و23. ولهذا يُمكن للتفاوض غير المباشر المقبل أن يُحقّق ما بعد الخط 23 من حقوق لبنان وصولاً الى الخط 29، وقد يحصل على الخط 25 أو 26 أو غير ذلك. أمّا التفريط بحقوق لبنان، فهو أمر غير وارد على الإطلاق.
في المقابل، يتساءل السفير د. بسّام النعماني المتابع لمسألة الحدود البحريّة والبريّة، إذا ما كان موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بموجب بعض التصريحات الصحفية التي يمكن اعتبارها إمّا مسرّبة عن قصد أو هي غير مؤكّدة، هو التمسّك دائماً بالنقطة 23، فلماذا صدرت التعليمات لمندوبة لبنان في الأمم المتحدة أمل مدللي بإرسال رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة لتوزيعها على أعضاء مجلس الأمن بأنّ لبنان يعترض على ما تضمنته رسالتي المندوب الإسرائيلي، ويعترض على تلزيم شركات للتنقيب في المنطقة المتنازع عليها، ويحتفظ بحقه في تعديل المرسوم 6433 في حال فشلت وساطة هوكشتاين؟ وهذا يعني عودة مشروطة إلى النقطة 29. وفي الحقيقة، فإنّ لبنان، وقبل وصول هوكشتاين، قد لوّح بـ "جزرة" إستعداده للوصول إلى حلّ وسطي، أي التنازل عن النقطة 29 وبعزمه على عدم تعديل المرسوم 6433، إذا قبلت الولايات المتحدة و "إسرائيل" بالنقطة 23. هذه هي الصياغة القانونية التي اعتمدها لبنان في الفقرة الأخيرة من الرسالة.
وأضاف: "الى أن يتسرّب المزيد من المعلومات حول اقتراحات هوكشتاين للدولة اللبنانية، لماذا تمّ إشاعة مثل هذه الأجواء التفاؤلية حول زيارته؟ فمن المؤكد بأنّه كديبلوماسي أميركي محترف، قد كالَ المديح لكلّ المسؤولين على هذه الفقرة القانونية الأخيرة من الرسالة، ولإستعدادهم للوصول إلى حلّ تسووي وعدم تهوّرهم في تعديل المرسوم 6433، ولإصرارهم على إنجاح مهمته، وغيرها من عبارات المديح والثناء. هذا على الأغلب ما جرى في الغرف المغلقة. وحتى يقوم المسؤولون بالكشف عن التفاصيل التي حملها معه السفير الأميركي للشعب اللبناني، والتي لا بد أنها أتت ثمرة محادثات معمّقة داخل دوائر الحكومتين الإسرائيلية والأميركية، فإن على المسؤولين الى التنبه فيما قاله هوكشتاين لوسائل الإعلام في ختام زيارته للبنان، عمّا يُحاك في الدوائر الحكومية الأميركية والإسرائيلية. فإلى جانب حضّ الوسيط الأميركي اللبنانيين على إعتماد مقاربة تسووية من أجل التمكّن من استثمار النفط والغاز للخروج من أزمتهم الإقتصادية والمالية الحادة، وإلّا بقوا كما هم (وهي بالتعريف الديبلوماسي لغة تهديدية مبطّنة أنّ الإنفراج المالي هو بيد الأميركيين)، فقد قال إنّ جوهر الخلاف هو ما بين النقطة 1 و 23. وهذا يعني أنّه رفض استلام "الجزرة" أو الهدية اللبنانية، ألا وهي بأنّه لن يتم تعديل المرسوم في حال وافقتما (أي "إسرائيل" وأميركا) على النقطة 23. كما فات على الكثيرين جملة سريعة مرّرها هوكشتاين على التلفاز، عندما قال إنّ ترسيم الحدود البحرية لا بدّ له من "أن يراعي مصلحة إسرائيل الأمنية والوطنية". ماذا يعني هذا المصطلح الجديد الذي جاء به هوكشتاين، ومن أين إتى؟ ولماذا إذا كنت تُبشّر بالإستثمار المشترك للحقول النفطية وبالترسيم تحت البحر، تتحدث الآن عن الهواجس الأمنية الإسرائيلية؟ وما علاقة إقتصاد النفط والغاز بالأمن الإسرائيلي؟ ورأى بأنّ ما جرى في الأروقة المغلقة قد جرى، ولكن يبقى على الدولة اللبنانية أن تقرأ جيّداً ما قاله الوسيط الأميركي علناً في وسائل الأعلام.
كما يُشدّد الدكتور محمّد غزيري الناشط في المجتمع المدني في مجموعة "بيروت قلب الوطن" بأنّ الرسالة التي أرسلت الى الأمم المتحدة حول النزاع على الحدود البحرية "واضحة ورسمية وقانونية"، وتؤكّد حتى وإذا لم تذكر الخط 29 بأنّ المفاوضات يجب أن تجري على الخط 29 وفقاً للقرارات الصادرة عن الجيش اللبناني، وليس الخط 23، كما ذكر سابقاً وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب، والإدارة الإسرائيلية. ويُضيف بأنّ هذه الرسالة "ميثاقية وغير مخالفة للقوانين". وكان رئيس الوزراء السابق حسّان دياب قد وقّع المرسوم رقم 6433/2011 المتعلّق بالحدود البحرية الجنوبية ووفقاً لدراسة مصلحة الهيدروغرافيا في الجيش اللبناني، وذلك بعد توقيع وزيرة الدفاع زينة عكر ووزير الأشغال العامّة والنقل ميشال نجّار في 12 نيسان 2021، وأرسله بشكل رسمي الى رئاسة الجمهورية.
من هنا اعتبر غزيري أنّ كلّ ما يُطرح ويُشاع في الإعلام الإسرائيلي، وكذلك من بعض المسؤولين اللبنانيين عن عدم حقوقية الرسالة والمطالبة بالعودة الى المفاوضات الى الخط 23 يُعتبر "خيانة وطنية". كما أنّ "تمسيح الجوخ" وتبييض الوجوه مع الوسيط الأميركي الإسرائيلي الهوية هوكشتاين، لا يجب أن يكون على حساب الوطن وحدوده وثرواته. وأكّد أنّ أي طرح للمشاركة في التنقيب هو تطبيع مع العدو الإسرائيلي.
اخترنا لكم



