فتات عياد
يبدو أن الفساد في لبنان لم يدع ثروة في بلاد الأرز إلا وامتد إليها، وآخر فصوله، ما كشفته دراسة للجامعة اللبنانية الأميركية، أظهرت تهديد "مستويات عالية من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة" المضرّة بالإنسان لمحمية جزر النخيل الواقعة قبالة شاطئ طرابلس والمدرجة على قائمة اليونسكو للمحميات البحرية العالمية. أخطر من ذلك، فإن لجنة مراقبة الجزر غير فاعلة منذ أكثر من سنة، نتيجة تعيينها بنفس سياسي غير بيئي !
في السياق، يقول الدكتور جلال حلواني في حديث للتحري وهو مدير مختبر علوم البيئة والمياه في الجامعة اللبنانية، أن "المحسوبيات السياسية التي على أساسها تعينت لجنة مراقبة محمية جزر النخيل في طرابلس، جعلتها غائبة عن مراقبة التوازن البيئي في المحمية، وجعلت المحمية عرضة للملوثات دونما أي حسيب أو رقيب.
وتُعتبر المحمية المؤلفة من ثلاث جزر والمعروفة أيضاً باسم جزيرة الأرانب، من أكثر المحميات غنى بالتنوع السمكي والطيور البحرية، وتعيش فيها حيوانات مهددة بالانقراض كالأرانب وفقمة الراهب والسلاحف البحرية وأنواع استثنائية من الفراشات الملونة.
فما خطورة ما كشفته الدراسة، وماذا يعني أن تكون لجنة المحمية "معطلة"، فيما المحمية متروكة لمصيرها؟
"آثار مدمرة"
وهدفت الدراسة التي أجراها فريق من طلاب الكيمياء في الجامعة اللبنانية الأميركية LAU، إلى "توصيف التلوث البلاستيكي في مياه البحر الأبيض المتوسط والحد من آثاره المدمرة تحديداً على شاطئ طرابلس ومحمية جزر النخيل الواقعة قربه".
وأظهرت الدراسة "وجود مستويات مثيرة للقلق من المعادن الثقيلة والنفايات الصلبة والملوثات الكيميائية السامة"، بحسب بيان للجامعة، مما حدا بها إلى تشكيل بعثة ميدانية من الطلاب لإجراء تحقيق بشأن وضع الموقع.
وبيّنت نتائج الدراسة "أمورا مهمة لجهة تحديد مستويات عالية من الجسيمات البلاستيكية الدقيقة المعروفة باسم الفثالات"، تجاوزت معدلاتها "المعايير التي حددتها المنظمات الدولية".
و"يؤدي التعرض المفرط للإنسان لهذه المواد من خلال الابتلاع والاستنشاق وحتى من خلال ملامسة الجلد، إلى الكثير من الحالات الصحية"، بحسب البيان، ومنها الربو وسرطان الثدي والسمنة ومرض السكري من النوع الثاني ومشاكل النمو العصبي.
و"الجسيمات البلاستيكية هي جزيئات تتراكم في البيئة البحرية وتطلق الفثالات، وهي مواد كيميائية سامة تؤدي إلى اضطراب الهرمونات وتتداخل مع الهرمونات الجنسية الذكرية، وتقلل من خصوبة الإناث وتزيد من العيوب أو التشوهات الخلقية". وأوضحت الدراسة أن "التلوث ازداد بفعل الجسيمات البلاستيكية بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب غياب الرقابة وسوء الإدارة من قبل الهيئات التنظيمية، ما أدى إلى سرعة انتشار تلوث المياه والتربة والهواء".
أهمية التوازن البيئي في الجزيرة
ومحمية جزر النخيل من أهم المناطق المحمية في شرق البحر المتوسط وتبلغ مساحتها 20 هكتار. كانت تدعى في الماضي جزيرة الأرانب لكثرة الأرانب بها. تضم هذه المحمية ثلات جزر قبالة مدينة طرابلس هي: النخل وسنن ورامكين. وتبعد عن شاطئ طرابلس نحو خمسة كيلومترات وتبلغ مساحتها الإجمالية 2,4 كيلومتر مربع تقريباً، وتشكل أيضا موئلا للطيور المهاجرة وبعض النباتات التي يمكن استخدامها لأغراض طبية وفيها آبار مياه عذبة.
وتعليقاً على نتائج الدراسة، يشدد دكتور جلال حلواني، على أنها "دراسة مؤقتة لا يمكن البناء عليها بشكل مطلق على اعتبار أنّ محمية جزر النخيل تعاني بشكل دائم، من مشكلة التلوث، وما "يحمله لها البحر"، إذ ان كل مخلفات السفن وكل ما تحمله التيارات المائية المحيطة في تلك المنطقة، يصطدم بأول يابسة قبل الشاطئ، وهي الجزيرة.
وبالتالي، وكعضو سابق في اللجنة المسؤولة عن حماية محمية جزر النخل، يلفت إلى أنه "كنا ننظفها أسبوعياً بشكل دائم، وكل اسبوع كان يحمل لنا البحر اوساخا جديدة". محذرا من مغبة "مراكمة الأوساخ فيها اليوم والمواد الخطرة مع عدم تنظيفها، بعدما توقفت لجنة المحمية عن العمل بسبب عدم رصد ميزانية لعملها، عدا عن أن هذه اللجنة عينت سياسياً، وليس بمعايير كفاءة بيئية، ما أفقدها فعاليتها".
وليست التيارات المائية مصدر التلويث الوحيد وحسب، بل أنّ المشكلة الكبرى هي في البواخر التي تنظف خزاناتها بقرب الجزيرة، وعادة ما ينتج هذا الفعل "رواسب من مشتقات نفطية وزيوت وأوساخ تصطدم بصخور المحمية وبالشاطئ الرملي".
ولا يمكننا ايقاف التيارات البحرية، ولو أوقفنا إفراغ السفن لحمولاتها، بالتالي "تنظيفها أسبوعيا أمر لا مفر منه، وغيابه يشكل خطورة حقيقية على التوازن البيئي للمحمية".
والمحمية مؤلفة من ثلاث جزر تشكل نظاماً بيئياً مستقلاً ويعتبر ملئا للطيور المهاجرة والسلاحف البحرية، التي "تعشش فيها مرة ثانية، فالسلحفاة لا تبيض الا بالمكان الذي ولدت فيه، وتظل تبحث عن الشاطئ نفسه، ما يعني أن هذه السلاحف معرضة لخطورة "ابتلاعها مواد سامة كالزفت او اي مواد كيميائية اخرى او حتى اكياس النيلون التي تتسبب باختناقها".
وهي محمية في البحر، بالتالي ليست محمية بـ"سور" مقفل يمكن حمايته، ما يصعّب من الحفاظ على النظام البيئي فيها، ويهدده، طالما أن تنظيفها الدوريّ معطل بتعطل عمل لجنة حمايتها.
من هنا، "واجبنا أخذ التدابير الاحترازية والمباشرة، كي لا يتعاظم التلوث ويقضي على التوازن البيئي للمحمية"، يقول حلواني، معيباً "تعيين اللجنة سياسياً، واستبعاد أشخاص لهم تاريخ بالنشاط البيئي".
في المحصلة، تعدّ محمية جزر النخيل ثروة من ثروات لبنان المائية، وتوازنها البيئي ضرورة لاستمراريتها، فأين وزارة البيئة من تلوثها وتعطل عمل اللجنة المنوطة حمايتها؟
اخترنا لكم



