فتات عياد - التحري
الحمدلله، "يهنيكم الخير يا أهل بيروت" ظهر رئيس البلدية جمال عيتاني!... لم يظهر فقط، بل جال في أرجاء حرج بيروت "ربما مرغماً أخاك لا بطل" بجانب من وقف ضدهم في "رملة البيضا" واعترف حرفياً "أننا من المقسرين" بحق رئة عاصمتنا أو ما نحلم به أن يكون مقصداً وطنياً. هو الذي طرح محرقة لرئات البيارتة كحل لأزمة النفايات الوطنية، وتنشق من الداخون في الاغتراب أوكسيجناً... هو نفسه أقرّ أخيراً أن ليس لبيروت متنفساً... وأن البلدية بإشرافه لم تكن إلا قصيرة النظر وقاصرة عن المشاريع البناءة بدءاً من التقصير بإيلاء حرج بيروت الأهمية التي يستحق.
هو نفس العاصمة والمتنفس "الطبيعي" الأخير لأهلها في ظل توسعها العمراني. هو "أحراج الصنوبر" الشاهدة على حقبات المدينة التاريخية منذ القرن السادس عشر، وصولاً إلى قانون حماية حرج بيروت المقدم من النائب فؤاد مخزومي وحتى حقبة الانهيار الحالية. شهد عزّها ويشهد اليوم على تعبها. هو "صنوبر بيروت" الذي نشرت قصص المدينة عنده بحلوها ومرها، حامل أسرارها والشاهد على معاناتها.
وهذه المساحة العامة على أهميتها بيئياً ووجدانياً، منع السكان من دخولها إلا بتصريح من رئيس البلدية لمدة 15 عاماً. وبعد نضال طويل للمجتمع المدني، افتتح الحرج لكن بلا إدارة تحميه، ما جعله مرتعاً للسرقات من جهة، وتلويث بيئته من جهة أخرى. لكن اليوم هناك أمل جدي بتغيير هذا الواقع، عبر إدارة تعيد للمكان قيمته وبهجته...
وبمبادرة من جمعية "سيدرز للعناية"، وللمرة الأولى، سيكون للحرج إدارة تضع خطة واضحة لتسييره كحديقة عامة ومحمية طبيعية، مفتوحة لأهالي العاصمة، بالتنسيق مع بلدية بيروت، في محاولة لخلق مساحة رفاه آمنة، بعدما أطبق الحزن على المدينة وأهلها إثر انفجار 4 آب الذي أزال عنها جميع أشكال الرفاه والرفاهية...
فماذا ستتيح هذه المبادرة، وما أهمية الإبقاء على هذه المساحة مفتوحة -بعناية- أمام أهلها؟
افتتاح من نوع آخر
وتهدف المبادرة إلى "إعادة تأهيل الحرش وصيانته وتحويله لمحمية بيئية بمستوى عالمي"، تقول عفت إدريس، مديرة جمعية سيدرز للعناية، في حديث لـ"التحري".
وبعد 4 سنوات على فتحه بوجه الزائرين بعد حملات واسعة من قبل جمعيات أهلية وبيئية وبضغط من المجتمع البيروتي، افتتح الحرج أمس لكن بحلة مختلفة، فهو سيكون متاحا بالفعل للزوار، لكن مع تخطيط للحفاظ عليه دونما اعتداءات على المكان والبيئة، مع جدوى اقتصادية تؤمن للمشروع ميزانية، وتضع حاجة سكان المدينة لهذه المساحة، كأولوية!
وأعلن عن المبادرة أمس، عبر زيارة قام بها محافظ بيروت ورئيس بلدية بيروت وأعضاء المجلس مع نقيب المهندسين إلى حرش بيروت، كدعم بلدي للمبادرة، وكتأكيد على التنسيق المشترك. فيما شرحت إدريس الرؤية المستقبلية للمشروع.
والمشروع قدمته جمعية سيدرز مع شركاء لها وفي طليعتهم نقابة المهندسين الجامعة اللبنانية، الحركة البيئية الوطنية، وتحالف وطني. إضافة إلى غيرهم من الشركاء والجمعيات.
بدورها، وعدت إدريس بالحفاظ على هذه المساحة لأنه "هيدا يللي طلعنا منو من المدينة، مساحة آمنة للتلاقي بين البيارتة وممارسة الرياضة والتنفيس عن ضغوطات العيش بالمدينة".
"ناتونال بارك"
وهذا الحرج نوع من أنواع المحميات الستة أو ما يعرف بالـ national park، فهو منتزه متاح للناس يخلق بيئة تلاق فيما يينهم، مع إدارة للمكان تعمل على 4 مستويات للحفاظ عليه وهي: حماية التنوع البيولوجي للبيئة فيه، والأخذ بعين الاعتبار حاجات المجتمع أو "الإنسان" لهذه البيئة، وجعله مكاناً للرفاهية الاجتماعية، مع تمويل يدعم هذه الرؤية، التي توازن بين الانسان والطبيعة وتحرص على سلامتهما في آن.
وسيبدأ المشروع باستطلاع تجريه الجمعية، تتوجه فيه لأهالي بيروت، لتشاركهم بالخطوات المقبلة للمشروع وتضطلع إلى درجات تأييدها من قبلهم، لأنّ "مشروعنا ينطلق من نظرة البيارتة لهذا المكان، وكل خطوة نقدم عليها، يجب أن تنال رضاهم وثقتهم".
وشهد المكان مؤخراً سرقة كابلات واستحداث أبواب غير المدخل الرئيسي عبر خلع الأسلاك الشائكة، وقلة عديد الحرس أفضت إلى تلويثه ما يرتد سلبا على البيئة، وسوء الإدارة تهديد حقيقي لمكان له مكانة ثقافية في وجدان أهالي بيروت، فيما تشكل الإدارة الجديدة فرصة لرؤية المكان بحلة جديدة.
وهو المساحة الخضراء الوحيدة المتاحة لأهالي العاصمة، وما أحوج أهل بيروت للطبيعة، علّها تقلّص من "سمّ" العيش في زمن الانهيار، وعلها تزودهم بـ"الأوكسيجين" بعدما أصبحت العيشة في لبنان "بتخنق" على كافة الأصعدة!
اخترنا لكم

المحلية
الثلاثاء، ٠٨ نيسان ٢٠٢٥

خاص ليبانون ديبايت
الثلاثاء، ٠٨ نيسان ٢٠٢٥

خاص ليبانون ديبايت
الثلاثاء، ٠٨ نيسان ٢٠٢٥

المحلية
الثلاثاء، ٠٨ نيسان ٢٠٢٥