حقوق الناس

الأربعاء 29 كانون الأول 2021 - 18:08

العام الدراسي 2021-2022 "معلّق": 1% فقط من الأساتذة حصلوا على مبلغ الـ90 دولاراً"... تشكيك بأرقام وزير التربية والإضراب مستمر

placeholder

فتات عياد - التحري

"لن نخسر العام الدراسي نتيجة تفلت المطاعم والملاهي وأماكن التجمعات".
من يقرأ تغريدة وزير التربية عباس الحلبي هذه يحسب أن فيروس كورونا وحده الذي يهدد العام الدراسي 2021-2022، وهو عام لم يشهد استقراراً منذ انطلاقته، وهي خسارة مرجحة للتوسع طالما أن عودة الأساتذة المتعاقدين للتدريس مشروطة بتقاضيهم مبلغ الـ90 دولاراً الشهري الذي وعدوا به، ولم يصل بعد انقضاء الربع الأول من العام الدراسي إلا لحوالي 16302 أستاذ من أصل حوالي 60 ألفاً وفق ما أعلن الوزير.

في السياق، تقول رئيسة اللجنة الفاعلة لحقوق الاساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي نسرين شاهين في حديث للتحري "أين هم الذين تقاضوا مبلغ الـ90 دولاراً؟" وهم "بالكاد لا يتجاوزون نسبة 1% من مجمل الأساتذة وفق إحصاءاتنا"، مشككة بالرقم المعلن، فهو بمثابة "إبرة مورفين"، هدفها ضمان استمرارية التعليم "بمن حضر" من الأساتذة!

"تم العثور على أستاذ متعاقد حصل على مبلغ الـ90 دولاراً"، بهذه الكلمات الساخرة علّق أحد الأساتذة المتعاقدين على مواقع التواصل، بعد بحث مضن بين الأساتذة على الـ16 ألف أستاذ الذين تحدّث عنهم الوزير.
وفي وقت يسأل فيه الأساتذة المتعاقون عبر التحري "أين حقوق البقيّة الساحقة من الأساتذة"، يخشى هؤلاء من محاولات "تخديرهم" عبر اعطائهم حقوقهم بـ"المفرق" وبـ"بالقطارة"، فيما مصير العام الدراسي معلق بقدرتهم اللوجستية على الوصول للمدارس، بعد أن حرموا حق بدل النقل وزيادة الراتب، ولم يبق لهم ليعولوا عليه، سوى منحة الـ90 دولاراً، وهي ما زالت -لا تجيد- هي الأخرى، طريق الوصول إليهم...

1% من الأساتذة... فقط لا غير!

والأساتذة المتعاقدون قبل الظهر هم حوالي 20 ألفاً، والمستعان بهم بعد الظهر 15 ألفاً، وأساتذة الملاك 10 آلاف أستاذ، فيما أساتذة الثانوي والإداريون وموظفو وزارة التربية وموظفو المناطق التربوية المشمولون بالمنحة هم حوالي 15 ألفاً. أي أن الإجمالي هو حوالي 60 ألف مستفيد يحق لكل منهم تقاضي 90 دولاراً شهرياً. لكن الأساتذة أنفسهم يسألون فيما بينهم "من هم الذين تقاضوا المبالغ؟"، مشككين بالنسبة التي "يبدو أنها لا تتجاوز الـ1%".

بدورها، تستغرب شاهين "أن يكون هناك 16 ألف أستاذ قد حصلوا على المبلغ" سائلة "أين هم... فليعرّفوا عن أنفسهم". في المقابل "هناك أساتذة بالفعل حصلوا على المبلغ لكن عددهم ضئيل جداً ولا يتجاوز ألف أستاذ". هنا، تخشى شاهين أن يكون توزيع المبلغ على قسم من الأساتذة دون غيرهم "خطة لإسكات الأساتذة جميعهم، عبر شق صفوفهم وإفشال إضراباتهم".

وأن يأخذ "أساتذة حقهم فيما الآخرون ينتظرونه ولا يدرون متى يصلهم ومن شروط أخذهم للمبلغ استمرارهم بالتعليم"، هذا يعني أن وزارة التربية "تضغط بهدف استمرار العام الدراسي قبل تحصيل الأساتذة حقوقهم". لكن هذا لا يعني البتّة أنه "ماشي الحال" بالنسبة للأساتذة. إذ "لا قدرة لنا بعد على الاستمرار بالتعليم دون مقومات للاستمرار، سيما وأنه لم يتم شملنا لا بزيادة نصف الراتب ولا ببدل النقل".

ووعد الأساتذة المتعاقدون في الأساسي والثانوي منذ أشهر بزيادة 90 دولاراً كمنحة دولية تم تأمينها من البنك الدولي، منحة كان من المفترض بهم أخذها مع أول شهر دراسي. لكن أساتذة التعليم الأساسي، وهم على عكس غيرهم من موظفي الدولة، لم يحصلوا على بدل نقل وزيادة نصف راتب، وعوّلوا على هذه المنحة وحدها، لتمكينهم من الوصول للمدارس ودفع كلفة المحروقات بعد رفع الدعم عنها من جهة، والتخفيف من وطأة انهيار قدرتهم الشرائية، بعد أن أصبح الدولار في السوق السوداء، يساوي 27 ألف ليرة، أي ضمان عدم عملهم بـ"خسارة"، من جهة أخرى!
ولعلّ أبرز أسباب التأخر في وصول المنحة لجيوب الأساتذة، غياب ثقة المانحين بالدولة...

الجهات المانحة: لا ثقة!
الأستاذ هو "الحلقة الأضعف"


والتأخر في تقاضي هذا المبلغ مردّه في وزارة التربية إلى أسباب عدة منها التحجج "بعدم الانتهاء من جداول الأساتذة المتعاقدين من قبل مدراء المدارس" التي يبنى عليها لتوزيع المنحة على الأساتذة، ربطاً بـ"مداومة موظفي وزارة التربية يوماً في الأسبوع ما أخّر عملية المكننة".

و"صيت" الدولة اللبنانية "الفاسد" كان سبباً وجيهاً كذلك، حيث أن المنحة المتمثلة بمبلغ الـ37 مليون دولار وصلت منذ بضعة أيام فقط من البنك الدولي. في السياق تعلق شاهين "انتهكت حرمة المدارس بسبب فساد الدولة وانعدام الثقة بها. فالجهات المانحة دققت عبر فرقاء زاروا المدارس ليتأكدوا من عديد الأساتذة وساعات عملهم، على الرغم من وجود تفتيش مركزي وتربوي تابعين للدولة مولجين القيام بهكذا تدقيق"، لكن "لا ثقة دولية بجميع مؤسسات الدولة، وهذه الإجراءات وإن كان هدفها الشفافية، أخرت بدورها تقاضينا للـ90 دولاراً".

لكن الفضيحة الكبرى، هي استغلال الدولة لمنحة تم منحها بهدف تمكين الأساتذة لضمان استمرار التعليم الرسمي، إذ سيصرف جزء كبير منها على صناديق المدارس الرسمية، حيث يعطى كل صندوق بين 5 و20 ألف دولار. وهو ما حدده الوزير بـ "14 مليون دولار للمدارس الرسمية، سيتمّ من خلالها دفع كامل المصاريف التشغيلية للمدارس، مبلغ يكفي حتى نهاية العام الدراسي الجاري".

هنا، توضح شاهين أنه "هناك اعتمادات في وزارة التربية خُصصت لهذه الغاية لكنها لم تصرف منذ سنتين، وها هي تصرف اليوم من جيوب الأساتذة". حيث أنّه "عوض توزيع المنحة جميعها على الأساتذة، وبالدولار، سنتقاضى المبلغ وفق دولار صيرفة، ما يمكّن وزارة التربية من تمويل صناديق المدارس بفارق الأموال المتبقية".
وليست صناديق المدارس المستفيدة وحدها على حساب الأساتذة، بل أنّ موظفي وزارة التربية من إداريين سيحصلون على المنحة، على الرغم من أنهم كموظفي قطاع عام حازوا على "بدل نقل ونصف راتب شهريا ويداومون يوما واحدا فيما نحن حرمنا من كل هذه الزيادات ونداوم 4 أيام في الأسبوع وها نحن نتقاسم معهم ومع صناديق المدارس منحتنا نحن".

أمام هذا الواقع، تستنتج شاهين أن "الأستاذ هو الحلقة الأضعف في نظر وزارة التربية، فهم يسحبون من دم الأستاذ ليرضوا جميع الأطراف". ومع هذا "حقنا لم نأخذه بعد"، وما زالوا يضحكون علينا ويبنجوننا بوعود تحت عنوان "بكرا وبكرا".

عام دراسي بلا أساتذة

وعلى اعتبار أنّ ألف أستاذ فقط تقاضوا مبلغ الـ90 دولاراً حتى الآن، وهو رقم صغير جداً كفئة مستفيدة، لكنها قابلة للتوسع، نسأل شاهين عن مصير إضراب الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي، سيما وأنهم يشكلون 70% من مجمل الأساتذة، لتوضح أنه "وفق المعطيات يبدو الوزارة تعوّل على استمرار العام الدراسي كما بدأ، مع نقص حاد في حضور الأساتذة"، ما يضمن للوزارة أن تظلّ "ماشية القصص".

وهنا، لا تتحدث شاهين عن إضراب جماعي وحسب بل أن التغيب "قرار شخصي لكل أستاذ مش موفاية معو ويشعر أنه يعمل بالسخرة"، أما من هو بحاجة ماسة ويمكنه أن يدبّر وصوله للمدرسة دون دفع بدل نقل كبير، فقد يصبر ربما، لأنه يريد إطعام أولاده، ولا معيل لديه، سوى الحصول على مستحقاته، ولو بعد أشهر!". وهكذا يمسكون الأستاذ "من إيده يللي بتوجعه".
إذ أنّ الوزارة تمارس علينا سياسة الوعد المشروط "لازم تشتغل لتقبض" وها هي تعطي فئة قليلة منا حقوقها "لتفوتنا ببعض".

استنسابية في معالجة الأزمة

وفي حين أنّ ساعة بعض أساتذة التعليم الأساسي قد تصل إلى 20 ألف ليرة، فبعد إعطاء أساتذة الثانوي "ضعف قيمة الأجر على الحصة، بعضهم أصبح يوم عمله بـ500 ألف ليرة". هنا تسأل شاهين عن "عدم اعتماد النسب كمعيار، ومضاعفة الأجور بشكل عشوائي"، وهو ما تعتبره "ظلماً بحق أساتذة على حساب آخرين"، ما يعيد الجدل حول "المعايير التي أقيمت وفقها سلسلة الرتب والرواتب".

وفي وقت أكد فيه وزير التربية مراراً ألا تعليم عن بُعد هذا العام، حدث استثناء خاص ووحيد باعتماد التعلم عن بعد في المعاهد المهنية الرسمية بقرار رسمي من مديرية التعليم المهني ووزارة التربية. بدورها تعلق شاهين بالقول "من أين لهم الكهرباء والانترنت ولماذا الاستنسابية في معالجة الأزمات التربوية؟"

"العام الدراسي خط أحمر". قالها الوزير عباس الحلبي، لكن على أرض "الممارسة" فإنّ كل تأخير في إعطاء الأساتذة حقوقهم هو تهديد لاستمرارية العام الدراسي، وهو ظلم يبدأ بالأساتذة، ولا ينتهي بالتلامذة، المهددين بحقهم بتعليم "مستمر".

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة