المحلية

الأحد 26 كانون الأول 2021 - 20:55

حتّى لا يعود الرُّوَيبِضَة

حتّى لا يعود الرُّوَيبِضَة

"ليبانون ديبايت" - روني ألفا

فرقِة السِتَّعشْ. كلّ أبناء جَلدَتي الذينَ شَبّوا في الستّينات تعرّفوا على هذه الفِرقَة من الدَّرَك التي كانت مميزَّة بزيِّها وأبدانِ أفرادِها وجهوزيّة وعتاد عناصِرِها. كانت إذا صَحَّ التَّعبيرُ مَغاوير قوى الأمن الدّاخِلي التي تُستَهاب. في الجمّيزَة في زاروب الحراميَّة ومن طاقَةٍ صَغيرَةٍ في بيتِ جدّي المُطلّ على كنيسَة السّانتا كنتُ أستَرِقُ النّظر من حينٍ لآخَر على رؤوس هذه العناصِر المعتَمِرَة قبعّات عسكريّة مكتوبٌ عليها الحرف 16. عندما كانت تصل السيارات العسكرية لهذه الفرقة كانت ترتعد الفرائص وكانت بيروت بأمِّها وأبيها تتحدّث عن الحادث الجَلَل. هيبة رجل الأمن كانت كافية لردع آلاف الأشخاص ولو نفسيّاً. لا غروَ أنَّ السلطة هيبَة أولاً بأوَّل.

كانَ للنوّاب هيبَتَهُم أيضاً. يَومَها لَم يكن هناك طفرَة في نوّاب السّتروبيا. لَم نعرِف في الخمسينات والستّينات والسّبعينات باصات إنتخابيَّة يستقلُّها بعضُ الرُّوَيبِضَة كما درجت العادة بعد إتفاق الطائِف. يخبرني النائب السّابِق المحامي إميل رحمة أنَّ خالَه النائب المرحوم مرشد حبشي كان يستقلّ سيارة أوستِن متواضِعَة لكنَّ صوت محرّكات حنجرة هذا النائب كانت أقوى من محركات سيارته إذ كان يتهامس كلّ أهالي دير الأحمر حينذاك أنَّ مرشِد الحبشي يزور المنطقة. قِس ذلك على غيره من التواب أمثال حبيب مطران وجوزف سكاف وأديب الفرزلي وصبري حمادة وغيرهم من مختلف الدوائر الإنتخابيَّة في لبنان. كان النائب مرجعيّة وطنيَّة وحاملاً لقضايا منطقته.

في آخِر جلسَة لمجلس نوّاب العام 2018 احتدم النقاش برئاسَة الرئيس برّي حول ضرورَة إنشاء الهيئة الوطنيَّة لإلغاء الطائفية السياسيَّة فطلب النائب إميل رحمة الكلام مطالباً بهيئة وطنيَّة لإستِعادَة هيبَة المنصب الرّسمي في لبنان. منذ ثلاثين سنة تهاوت هذه الهيبة ولم نعد نراها إلا في تنظيمات العصابات القبليَّة والعائليَّة. مسلسل الهيبة الذي نال قسطاً وفيراً من المشاهدة على قنوات التلفزيون يبيِّنُ كيفَ أنَّ زعران القبائل والعشائر صادروا هيبة الفرقة 16 وهيبة الموقع الرسمي. يمرّ موكب وزير في لبنان فينال قدراً من اللعنات يكاد يوازي اللعنات التي يطلقها الناس على الأشقياء والخارجين عن القانون. عندما يفقد الموقع الرسمي هيبته فهذا يعني أنَّ الدولة تحلَّلَت وأنَّ شريعة الغاب باتت دولة مكان الدولة.

أنظروا معي إلى التعيينات في كل المواقع. لا مكان للكفاءة بل للتبعيَّة. حتى الأتباع والأزلام بات انتقاؤهم صَلِفاً. لا وجود لحدّ أدنى من المعايير. يكفي أن تكون مرافقاً وفيّاً أو نادلاً في قصر زعيم أو معقّب معاملات حتى تصبِح مؤهَّلاً للوظيفة الرسميَّة. جيشٌ من الموظّفين والمدراء العامّين والسفراء والقناصِل ورؤساء الدوائِر مسؤولون عن الخدمة العامَّة باتوا عبيداً مأمورين لأولياء نعمَتِهِم اغتنوا من المنصب العام وحقّقوا ثروات خرافيَّة وبَنوا القصور من المال الحَرام فيما أولاد الناس يتعلّمون في الجامعات من فلس الأرملة ويهاجرون طمعاً بفرصَة عَمَل خارج لبنان.

دولة قتلت أبناءَها لم يعد تليق الحياة بها. محاكمة مجرميها في السلطة واجب أكثَر إلحاحاً من تشكيل هيئة وطنيَّة لاستعادة هيبة الموقع الرسمي. كلّ الأحزاب فشلَت في استعادة هيبة الدولة. صارَ هدفها مأمور مياه وحارس أحراج وموظّف كازينو. نحن بحاجة إلى سلّة نفايات كبيرَة نجمع فيها حثالَة السلطة ونرميها لتُحرَق في مكبّ نفايات. كل ما في دولتنا غير قابل للتّدوير. قمّة العهر أن تحاول هذه الطبقة من " القوّاد " ومومسات السياسَة إنتاج نفسِها في الإنتخابات المقبِلَة. حاميها لم يعد حراميها. حاميها باتَ قاتِلُها. لبنان بحاجة لتدوير هذه النفايات عشر سنوات على الأقلّ. قد لا يشهد جيلنا الهرِم على حفلة التنظيف هذه. الصّراع مبدأي وتاريخي ويَجِب أن يكون اللُبَنة الأساس. من دون ذلك سترقص عِظام مرشِد الحبشي وزملائِه في القبور وسيبقَى العهار يرقصون في حفلات زفاف بناتهنّ وأبنائِهِم على مرأى من شعبٍ حوّلوهُ من مصدِّر حَضارة للأمم إلى شحّاد مِلح في أزقَّة هذا الوطن الذي لم نستحقّه يوماً.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة