فتات عياد - التحري
طائفة جديدة تضاف إلى الـ18 طائفة المعترف بها في الدولة اللبنانية، وهي "طائفة" لها "عقيدتها" و"قداستها" و"حصتها" في دولة الطوائف... "طائفة العونيين"...! الطائفة المتألقة بأمسيتها هذا الميلاد، والسبّاقة في مقدّمة القنوات المحليّة إلى إبهار المواطنين بطلّة الرئيس عون "بابا الكلّ" كبديل عن "بابا نويل"، في مفاجأة غير متوقعة حقيقة، مع نفحة فنية مُبهجة من إعداد الزميل عبدو الحلو. فالمحطات التي تعاني الأمرّين بسبب الأزمة المالية المُستفحلة، لم تكن تحتاج إلا لنفحة "أجواء ميلادية" بامتياز كمبادرة الـ"OTV" الميلادية، لمشاهدة، من يتربّع على عرش حرمان الشعب من العيد.
شكراً أو تي في..!
من وحي المناسبة، يطلّ، ليُعايد اللبنانيين ويُهنئهم بحلول الظروف المأساوية التي يعيشونها من خسارة في قيمة ليرتهم أكثر من 90% ومصير 80 بالمئة منهم كـ"فقراء" فيما ثلثهم "تحت خط الفقر"، وافتقادهم اليوم لطعم العيد.
لعلّ البهجة في الإطلالة، لا "لا سمح الله" يوم يُحاسب الفاسدون، ويوم يسترجعون أموال دولتهم المنهوبة، ويوم تتحقق العدالة في قضية انفجار المرفأ. وكأنّ الهدية الأقرب الى قلبهم، هي عند متابعة تقرير جامع لإنجازات العهد التي لا يشعرون بها، لا "لا قدر الله" يوم يتخلصون من الطبقة السياسية الحاكمة "كلها يعني كلها" والتي أدخلتهم "جهنم" على الأرض، وما زال "آلهتها" يعدونهم بـ"الجنة"!
وعلى وجه آخر من كوكب زحل، يبدو أن الأزمة الاقتصادية انعكست ضعفاً في الإنتاج التلفزيوني المحلي، فارتأت المحطات الأخرى ان "تجود بالموجود"، بعدما باتت مظاهر الترف "خادشة" بحق جمهور لا كهرباء لدى جزء كبير منه لمشاهدة أمسيات العيد على القنوات اللبنانية، بعدما تخطت فاتورة المولد راتبه الشهري!
المحطات المحلية تحافظ على "السياق"
ومع هذا، حافظت القنوات على "سياق" مقبول ليلة العيد. وسيكون جمهور الـLBCI على موعد مع حلقة إنسانيّة تعيش تجربتها الفنانة سيرين عبد النور. وهي "سهرة الأمل والفرح على وجوه ضيوف تستقبلهم عبد النور، مع مشاركة حالات إنسانيّة ستقدم لهم يد العون".
بدوره، يقدم نيشان على تلفزيون "الجديد" أمسية "ميلادية"، تستقبل كذلك حالات إنسانية لتقديم يد العون ومواجهة الوضع المعيشي الصعب في ظل انعدام بوادر الأمل والحلول.
اما mtv فستبث حلقة تقدّمها نبيلة عوّاد وتقدم فيها الفنانة كارول سماحة باقة من أعمال ألبومها الميلادي، وستتضمّن كذلك لقاءً مع مواطنين لبنانيين يتحدّثون عن مشاكلهم في عزّ الأزمة المالية والاقتصادية المستفحلة.
أما تلفزيون لبنان، فسيقدّم حلقة بعنوان "ميلاد المحبة"، تحاور فيها ميرا كساب ضيوفاً من "مختلف الطوائف، متوقّفة عند أهمية العيد ومعانيه الإنسانية والاجتماعية".
والتلفزيون الرسمي يتعاطى مع أزمة لبنان بـ"كلاسيكية" مفرطة، تتمحور بين "المحبة" و"العيش المشترك" ومفردات "منمقة" أرست عوالمها طبقة سياسية زرعت الكراهية لعقود بين اللبنانيين وفق فرز "طائفي"، وجعلتهم اليوم يعيشون "ذلاً" مشترك.
كوكب الرئيس
وفي وقت استاء فيه الرئيس عون من تقديم المجتمع الدولي يد العون مباشرة للشعب اللبناني، هو العالِم بفساد مؤسسات الدولة، والذي لم يأخذ منه اللبنانيون سوى الوعود بمكافحة ذلك الفساد وها هو عهده يشارف على الانتهاء بعد أن غرق في وحول التسويات والفساد والمحاصصة، قررت الـOTV أن تقدم "سهرة مع الرئيس" للبنانيين ليلة العيد، عند الثامنة والنصف مساء، كهدية لهم ربما على صبرهم في العيش في عهد جهنم. هدية جوهرها المزيد من "التعذيب" النفسي!
والرئيس الذي برأيه فإن اللبنانيين "المستقلين" يعيشون على كوكب "المريخ"، تعيش محطته في كوكب آخر غير جهنم التي يعيش فيها اللبنانيون، وهو إذ يبدو قادراً على الفرح والاحتفال بالعيد في بلد أكثر من 30% من أطفاله ينامون ببطون خالية، وهو إذ يقدر على تلبية دعوة تساعية الميلاد في كنيسة سيدة الزروع في الجامعة الانطونية الحدت، يبدو عاجزاً في المقابل عن النزول إلى الشارع والاحتكاك بالشعب الذي يحكمه.
وإذا كانت روحية الميلاد تتجلى بـ"العطاء"، فالرئيس عون غير قادر على قضاء ليلة في منزل بلا كهرباء وماء ودواء، وعاجز كذلك عن إيجاد وقت لمقابلة أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت، تماما كما عجز يوم عرف بوجود النيترات فيه عن تفادي الكارثة. وتماما كما رفض رفع الحصانة عن اللواء طوني صليبا ورفض صون حقوق لبنان النفطية وتوقيع تعديل المرسوم 6433 ورفض كذلك توقيع قانون استقلالية القضاء في أحوج مرحلة لاستقلالية القضاء في بلد تتهاوى فيه دعامات دولة القانون...
وأي "عطاء" بعد هذا يعطيه رئيس جمهورية يصبح غير ذي قيمة. فهل اللبنانيون المذلولون الذين هُددوا بانقطاع التواصل فيما بينهم ان لم يوقع عون على اعتماد لشركة أوجيرو، ينفعهم بعد أن "يتحدث الرئيس عون عن الميلاد ومعاني هذا العيد ويغوص في الانسانية والمحبة؟" وفقما أعلنت القناة المستضيفة؟
وأي شروط "إنسانية" تلك التي يعيشها اللبنانيون في عهد عون؟ ثم لماذا سيتخلل السهرة "ترانيم ميلادية"؟ هل أرادها عون موسيقى غرق سفينة لبنان؟ وفي أي كوكب إذاً يعيش العونيون؟!
هدايا الميلاد... ترقيات وصفقات على حساب اللبنانيين!
ولم يخل هذا العيد من هدايا الميلاد "الرئاسية". لكنها هدايا محصورة بـ"المؤمنين" من فئة "المحظيين". وأكبرها تجلى أمس في ترقية الرائد سوزان الحاج لرتبة عقيد. هي التي "فبركت" للمسرحي زياد عيتاني ملف عمالة في قضية انتقام شخصي بطلته هي، وهو نموذج مصغر عن مكافأة "أزلام" عهد لا يكافح الفساد، بل هو منغمس فيه.
ووعد المسيح المؤمنين بالجنة، ووعد عون اللبنانيين الكافرين به بجهنم ونفذ وعده، فيما وعد أتباعه أزلام التيار الوطني الحر بحصص في دولة، وزع بعضها كـ"هدية الميلاد" عبر "ترقيات"، فيما قطع عليه سقوط صفقة المجلس الدستوري "منح" هدايا أكبر على شكل تعيينات قضائية والتي كانت لتحصل على أنقاض العدالة في قضية انفجار 4 آب.
ومن يفشل أو يتعمد عدم تحقيق العدالة على مقياس قضية ظلم فيها زياد عيتاني، كيف يُتوقع منه أن يسعى لإرساء العدالة في قضية بحجم انفجار مرفأ بيروت؟
مخلص... باسيل
وأي "مخلّص" للبنان الذي يقايض العدالة بمناصب على قياس أزلام حزبه؟ ويبدو عون مخلصاً لصهره رئيس التيار الوطني النائب جبران باسيل ولو أنه فشل في منع كأس انتخاب المغتربين للنواب عنه في الانتخابات المقبلة. ليطرح سؤال وجيه: من يخلّص الشعب اللبناني من "هيك علقة"!
وفي عيد الميلاد ينتظر اللبنانيون "خلاصهم" عبر "قيامة" لبنان، كل على طريقته، وكثر هم الذين يرون بالمنظومة والنظام "شيطاناً" يبغون النجاة منه. وكثر كذلك من يعرفون أن عهد عون ليس عهد الخلاص بل أنه عهد بداية جهنم، وأن أي استمرار لطائفة العونيين بروحيتها اليوم، هو استمرار "جهنمي" لفصول "جهنم" التي يعيشها اللبنانيون...
اخترنا لكم



