فتات عياد - التحري
أن تحصل استقالات في روابط التعليم الأساسي والثانوي في اليوم نفسه، وذلك بعد رفض رئيس الجمهورية ميشال عون توقيع مراسيم ترتبط بحقوق أساتذة التعليم الرسمي بحجة عدم انعقاد الحكومة، وأن تميل الروابط فجأة للإضراب وأن تنقسم على ذاتها، لهو مشهد يستفز الأساتذة المتعاقدين غير الممثلين في تلك الروابط، الذين لم يجدوا من يساندهم في إضراباتهم لنيل حقوقهم. بدورها، لا "تستنضف" رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين نسرين شاهين تلك الاستقالات، بل تضعها في خانة "تمرير الرسائل السياسية بين الأحزاب"، ما يفضح "استيلاء تلك الأحزاب على هذه النقابات"، و"يهدد حقوق الأساتذة ومصير تعليم 400 ألف طالب في المدارس الرسمية".
وفي وقت يتلهى فيه وزير التربية عباس الحلبي بحضور مؤتمرات واحتفالات -كعادته- غير مبال بالإضرابات المتكررة للأساتذة الذين لم يحصلوا حتى اليوم على ما وعدتهم به وزارة التربية من زيادة لأجرهم إضافة لمبلغ الـ90 دولاراً في الشهر الذي أمنته الجهات المانحة، أعلن الأساتذة المستقيلون أنطوان الياس وزينه حنا في رابطة التعليم الأساسي استقالاتهم، في بيان مشترك، "بعد أن تمادت الرابطة في مخالفتها للأنظمة والقوانين وتحولت إلى الصوت الواحد والرأي الواحد"، في حين أعلن كل من الأساتذة: جوسلين الخوري، مارلين بيطار، وفادي معكرون، في رابطة التعليم الثانويِّ الرسميِّ، استقالتهم من الرابطة، "لمخالفتها قرار الأغلبية". وجميع هؤلاء الأساتذة محسوبون على التيار الوطني الحر.
هذا في الشكل، أما في المضمون، فتفوح رائحة محاصصة لم تكتمل فصولها في رابطتي التعليم الرسمي. فكيف تعلّق شاهين على هذه التطورات، وكيف امتدّت يد الأحزاب على التعليم الرسمي، وأحكمت قبضتها عليه؟
من بياناتهم تعرفونهم...
وفي حين ركّز بيان المستقيلين من التعليم الأساسي على "عدم الرجوع إلى مجلس المندوبين المركزي ومجالس المندوبين في المحافظات" على مستوى القرارات، كان المستقيلون من رابطة الثانوي أكثر وضوحاً، ببيان لم يخفِ البعد السياسيّ الحزبي وراء الاستقالة.
إذ أنه "تفاجأنا بتعميم ونشر بيان للرابطة،سياسي بامتياز، يصوِّب السهام على فخامة رئيس الجمهوريَّة ويحمِّله المسؤوليَّة بدلًا من أن يحمِّل المسؤوليَّة إلى مَن يعرقل فعلا انعقاد مجلس الوزراء.... وهي ليست المرَّة الأولى الَّتي يتمُّ فيها تمرير البيان من دون مناقشته بصيغته النهائيَّة. مع العلم أنَّ فخامة رئيس الجمهوريَّة لم يرفض توقيع المرسوم إنَّما دعا إلى انعقاد مجلس الوزراء من أجل توقيع المراسيم وإقرارها ضمن الأُطُر الصحيحة".
والمراسيم المقصودة بالبيان، هي دفع المساعدة الاجتماعية وزيادة بدلات النقل، لبّ المشكلة التي يستمر لأجلها إضراب الأساتذة، والتي باتت ضاغطة على الروابط نفسها، بعد أن ضاق الأساتذة ذرعاً بأوضاعهم الاجتماعية المأساوية، في ظل الانهيار المستمر لليرة مقابل الدولار.
شاهين... لا يجمعهم سوى المصالح
"لم نتوقع أن يفضحوا نفسهم أمام الناس بهذا الوضوح"، تقول رئيسة اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين نسرين شاهين، إذ "لا تجمعهم سوى المصالح، ورابطة الأساسي منذ أن تشكلت قسمت فيما بين الأحزاب".
وهنا تعطي مثالا حيا، مذكّرة كيف تم تقاسم رئاسة الرابطة بين تيار المستقبل (برئاسة بهاء تدمري)، قبل أن يترأسها بعده بعام ونصف حسين جواد عن حركة أمل. وهي إشارة صريحة إلى "غياب العمل النقابي على حساب تقاسم الأحزاب للرابطة". فيما نحن "المتعاقدون ممنوعون أصلاً من أن نمثل في الرابطة فيما المستقلون عن الأحزاب من أساتذة الملاك، مقصيّون عن التأثير في قرارات الرابطة".
وتروي كيف أنّ المستقيل أنطوان إلياس أصدر بيانات عند تشكيل الرابطة، منتقداً تقسيم رئاستها بين حركة أمل والمستقبل، فـ"منذ ذلك اليوم واجهتُه بقولي له أنت لست حزيناً لأن لا عمل نقابي حقيقياً في الرابطة، بل أنك أنت نفسك قلت بأنكم كنتم متفقون على توزيعها حصصاً، وعندما لم تشملكم حصة برئاسة الرابطة كتيار وطني حر، أصدرتَ بياناتكَ الناقدة".
من جهة أخرى، تُذكِّر شاهين بأنه في 15 كانون الحالي تبدأ انتخابات رابطة أساتذة التعليم الأساسي، فيما بدأت بالفعل انتخابات المندوبين، واضعة الاستقالات اليوم التي تعود لأساتذة محسوبين على التيار الوطني الحر، في خانة "حفظ ماء الوجه". وبمعنى "ما طلع بإيدنا قام فلّينا"، مخاطبة إياهم بالقول "أنتم حلفاء مع الثنائي الشيعي، وعندما اختلفتم معه لناحية رفض رئيس الجمهورية التوقيع على المراسيم دون اجتماع الحكومة، اتخذتم القرار بالاستقالة، أنتم إذاً كما البقية، تأخذون الأساتذة ومصير تعليم 400 ألف طالب لبناني كورقة ضغط لتمرير رسائلكم السياسية".
وهنا تسأل شاهين هؤلاء بشكل خاص، والروابط بشكل عام "لماذا لم نراكم تستقيلون أو تأخذون قراراً بالإضراب معنا عندما لم تشملنا المنحة الاجتماعية التي أعطيت للقطاع العام؟"، و"لماذا لم تتحركوا عندما أقفلنا نصف مدارس لبنان؟ وهل حركتم ساكناً لأجل طلاب لا تدفئة لديهم؟ وماذا أنتم فاعلون للضغط لتحصيل حقوقنا التي وعدنا بها سواء بزيادة أجر الساعة أو حصولنا على الـ90 دولارا التي لم نر منها شيئا حتى الآن وما زالت وزارة التربية تبيعنا الوعود بها كمن يبيعنا سمكاً بالبحر؟".
هذا وتذهب شاهين أبعد من ذلك، متهمة الأحزاب بسرقة أصوات الأساتذة المتعاقدين، بعد أن ابتكروا "لجنة الأساتذة المتعاقدين" التي "لا تمثلنا، واحتكروا الاسم"، سائلة "كيف لها أن تمثلنا هي التي أعطت وزير التربية مهلة لبعد رأس السنة ليفي بوعوده التي لم يف بها منذ بدء العام الدراسي 2021-2022، فيما عندما اختلف الثنائي الشيعي ورئيس الجمهورية، أخذت هذه الروابط قراراتها بالإضراب، الواحدة تلو الأخرى؟!".
نرفض أن نُستخدم كورقة ضغط
"ونحن مع إضراب الروابط عندما يحصل من منطلق حقوقي وليس سياسياً كما هو الحال في رابطتي التعليم الرسمي اليوم"، تقول شاهين، موجّهةً اتهاماً لممثلي الروابط بأنهم "يمررون لبعضهم الرسائل السياسية، مستخدمين الأساتذة والطلاب والتعليم الرسمي كورقة ضغط".
في السياق، تقول للمستقيلين "أنتم لستم أبطالاً باستقالاتكم تلك بل أنكم مكشوفون لنا على حقيقتكم"، فيما تقول للرأي العام "ساعدونا فنقابة المعلمين مسيطر عليها من قبل الأحزاب التي لا تنفذ سوى مصالحها وتهدد تعليم أبنائكم".
وإذ صار التعليم في لبنان ورقة ضغط بين الأحزاب، ترفض شاهين "تحويل الأستاذ إلى متسول لحقوقه، متوقعة أن يعيد حتى أساتذة الملاك النظر بوضع تلك الروابط بعد أن "وصلت المعاناة للجيب".
مدراء مسيسون... وتعليم بخطر!
وتخشى شاهين على التعليم الرسمي برمته، فلقد تم تكبيله برأيها على مستويات ثلاثة. والمستوى الأول هو تسييس عمل الروابط حتى باتت "شاهد زور" عوض أن تكون "رأس حربة" في الدفاع عن الأساتذة، والمستوى الثاني يتجلى بالتوظيفات وفق المحاصصة والزبائنية لرؤساء القطاعات التربوية في المناطق، وصولا إلى مدراء المدارس "المحسوبين على الأحزاب".
وتكمن خطورة فرز المدراء حزبياً، بـ"تطويعهم" للأساتذة. هنا، تشكو شاهين "كيف هدد مدراء أساتذة لمنعهم من المشاركة في إضرابات اللجنة الفاعلة للأساتذة المتعاقدين، فيما راح آخرون للعب سياسة العصا والجزرة عبر تقليص ساعات تعاقد أولئك الأساتذة في مدارسهم، ونحن نمتلك تسجيلات صوتية توثق تلك التهديدات".
أما المستوى الثالث والأشدّ خطورة، فيكمن بتهميش التعليم الرسمي على حساب التعليم الخاص. هنا، تلفت شاهين إلى إقرار دعم القطاع التعليمي بمبلغ 500 مليار ليرة، وتخصيص 350 مليار منها للقطاع التعليمي الخاص، مقابل 150 مليار فقط للقطاع التعليمي الرسمي، سائلة النائب إدغار طرابلسي "هل أن عملك في لجنة التربية النيابية منوط فقط بالمدارس الدينية والحزبية، بهدف الإبقاء على المناخ الطائفي في البلاد وتنشئة الأجيال الجديد وفقه؟". مضيفة "من من نواب تلك اللجنة يأبه بمصير التعليم الرسمي؟".
وجديد وزارة التربية اليوم، مساءلة الأستاذ يوسف كلوت، وهو من مجموعة اساتذة رفعوا دعوى قضائية على رابطة التعليم الثانوي، "لتجاوزها العمل النقابي"، وعندما سأل الأخير عن سبب اقحام الوزير نفسه بين الاساتذة والرابطة وجعل مديرية التعليم "مركز تحقيق بدل القضاء"، جاءه الجواب "لأن الوزير الحلبي يعتبر الدعوى القضائية للاساتذة ضد الرابطة للدفاع عن اضرابهم، هو تحريض على الاضراب".
وهنا يُسأل وزير التربية ماذا فعل لتحقيق مطالب الأساتذة وهي "حقوق"، وهو السبيل الوحيد لثنيهم عن إضرابهم، عوض الضغط والترهيب ومنعهم حتى عن المطالبة بحقوقهم!
من جهة أخرى، تُسأل وزارة التربية عن مدى اكتراثها بمصير طلاب التعليم الرسمي، ويُسأل كذلك، عن ذلك، "نواب الأمّة"، في وقت ارتفعت فيه نسبة التسرب المدرسي في لبنان بشكل مخيف جراء تداعيات الانهيار الاقتصادي، أما من استطاع الالتحاق بالمدرسة، فاصطدم بحرمان أساتذته من حقوقهم، وبالتالي، علق بالإضرابات المتتالية، بانتظار "الفرج". وإذا كان "الصبر" مفتاح الفرج، فلا ينفع الصبر الذي يتطلب وقتاً، في حالة تطيير عام دراسي!
اخترنا لكم



