كشفت وكالة Bloomberg الأميركية، الخميس 25 تشرين الثاني 2021، كواليس زيارة ولي عهد أبوظبي إلي تركيا، واستئناف علاقاتها مع أنقرة، إذ قالت الوكالة الأميركية إن دبي هي التي ضغطت على أبوظبي لتغيير سياساتها الخارجية، التي نتج عنها فتح الإمارات صفحةً جديدةً مع تركيا وإيران، بعد سنوات من القطيعة والتوتر الدبلوماسي.
وأضافت الصحيفة أنَّ, " الأحداث شهدت تحوّلاً سريعاً منذ أن كشفت الإمارات عن إعادة ضبط سياستها الخارجية، في أيلول، متعهدةً بالتخلّي عن الصراعات السياسية، وإعادة التركيز على الاقتصاد، مستهدفةً بذلك استثمار 150 مليار دولار عبر علاقات أعمق مع الاقتصادات سريعة النمو مثل تركيا".
ويأتي هذا التحول ضمن تعديلات سياسية أوسع نطاقاً، شهدت تغلُّب الخصوم السابقين في الشرق الأوسط على خلافاتهم العنيفة أحياناً، بالتزامن مع انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة. وبعد عقدٍ كامل من سياسة التدخل التي كبّدت البلاد فرصاً ضائعة بمليارات الدولارات انتصر نموذج دبي، الذي يُركّز على الأعمال التجارية.
وتابع, إذ كانت دبي مدينةً لصيد اللؤلؤ، حُرِمَت من موارد النفط المتوافرة لدى أبوظبي، أكبر الإمارات السبع، لكنها حوّلت نفسها إلى مركزٍ مالي عالمي بتجنّب النزاعات الإقليمية، وتقديم نفسها باعتبارها ميناءً للاستقرار وملاذاً ضريبياً وسط بحرٍ من الاضطرابات.
وكشفت الوكالة الأميركية أنَّ, "دبي هي التي ضغطت من أجل مراجعة السياسات الخارجية، التي وضعت الإمارات بقائمةٍ متزايدة من الأعداء".
وبينما قال جيم كرين، مؤلف كتاب "مدينة الذهب أنَّ, "دبي وحلم الرأسمالية City of Gold: Dubai and the Dream of Capitalism", "لقد قرروا العودة إلى الأصل، والرجوع إلى فلسفة دبي الكلاسيكية القائمة على عدم التدخل، والحياد، ونهج (الأعمال أولاً), حيث كانت سياسة أبوظبي القائمة على التحيّز لطرفٍ بعينه ودخول المعارك سيئةً بالنسبة للاقتصاد وقد أدركوا أنّها ليست استراتيجيةً ناجحة".
ومع لقاء الرئيس التركي مع ولي عهد أبوظبي، هيمنت الأعمال التجارية على الأجندة، لتُطوى صفحة عقدٍ كامل من العلاقات المتوترة والخطاب السام، بإطلاق صندوق قيمته 10 مليارات دولار للاستثمار في البلاد، وسط الاضطرابات المالية.
وقد يكون التأثير الاقتصادي لهذا التحول كبيراً، حيث يأتي بالتزامن مع ارتفاع أسعار النفط وانتعاشةٍ عالمية من تداعيات كوفيد-19.
فحين انضمت إلى السعودية ومصر والبحرين في مقاطعة قطر عام 2017، خسرت الإمارات ما لا يقل عن 3.5 مليار من تجارتها السنوية بين ليلةٍ وضحاها.
كما حرمت تلك الخطوة شركات الإمارات من فرص عديدة، للمشاركة في تحضيرات جارتها قطر لكأس العالم لكرة القدم 2022، مثل بناء الاستادات الرياضية والفنادق وتمهيد الطرق. واضطرت حينها قطر، التي كانت تشتري غالبية مواد البناء من الإمارات، إلى البحث عن مُوردين جُدد وتوجيه الشحنات إلى موانئ عمان. كما تراجعت التجارة مع تركيا بنسبة 44% عام 2018، بعدما دخلت في الأحداث بسبب الخلاف القطري. قبل أن تدخل تلك الدول على طرفي الصراع في الحرب الليبية خلال العام التالي.
وفي الوقت ذاته، دعمت الإمارات قرار دونالد ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات عام 2018. وأظهرت بيانات وكالة Bloomberg الأميركية أنّ, "التجارة الإماراتية مع إيران انخفضت بأكثر من النصف، لتصل إلى خمسة مليارات دولار فقط في العام التالي، ولكن في نفس يوم الزيارة الإماراتية التاريخية لأنقرة، التقى نائب وزير خارجية إيران بعدد من المسؤولين البارزين في دبي، لإعلان "صفحةٍ جديدة" في العلاقات بين البلدين".
وتابع, حيث قال عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي: "هناك إجماعٌ على أنّ الوقت قد حان لتهدئة التوترات بعد 10 سنوات دفعت دبي ثمنها".
وإجمالاً، يُمكن القول إنّ نهج دبي القائم على عدم التدخل لم يكُن بعيداً كل البعد عن نهج بقية الإمارات، لكن الخلافات بدأت تظهر في أعقاب انتفاضات الربيع العربي عام 2011، فبالنسبة لأبوظبي كانت فكرة القضاء على القوى الثورية التي اجتاحت الشرق الأوسط أكثر أهمية من جذب الاستثمارات الأجنبية، وهي النظرة التي ترجع جزئياً إلى ما وصفه الدبلوماسيون بـ"انشغال محمد بن زايد بالأمن".
وانصاعت دبي مكرهةً رغم تنامي مخاوفها الاقتصادية، وذلك بعد أن دفعت جارتها الثرية أبوظبي كفالة مالية ضخمة لإنقاذها إبان الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008.
ولفتت الصحيفة أنه في ليبيا، خسرت الإمارات رهانها على الجنرال المدعوم من روسيا، من أجل الإطاحة بالحكومة المعترف بها دولياً في طرابلس، بينما تعرضت حرب اليمن للانتقادات الدولية، كما وجد كبار المسؤولين أنفسهم مضطرين مع استمرار الحرب لإجراء زيارة متكررة لعائلات الجنود الذين لقوا حتفهم داخل الإمارات الأقل ثراءً في الشمال.
ومع ذلك، لا يعني هذا أنّ الإمارات ستقف مكتوفةَ الأيدي إن عادت التهديدات إلى السطح من جديد.
وإذ قال أندرياس كريغ، المحاضر بكلية الملك في لندن: "لقد انتصرت الثورة المضادة في الوقت الراهن، ولكن إذا اندلع ربيعٌ عربي جديد أو انتفاضات أخرى، فسوف يقف الإماراتيون بثبات في صفّ الثورة المضادة، وموقفهم لن يتغيّر في هذا الصدد".
وقد كانت جهود السعودية لفتح اقتصادها، وتثبيت أقدامها كقاعدةٍ للشركات العالمية في الشرق الأوسط، بمثابة جرس إنذار للإماراتيين، حيث تُعتبر المملكة منافساً قوياً بفضل امتدادها الجغرافي، ونفوذها السياسي، وإمكاناتها غير المستغلة.
ولكن من مصلحة الإمارات أنها تمتلك في جعبتها دبي، التي أثبتت نفسها بالفعل كمركزٍ لإدارة الأعمال التجارية.
وفد حضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، يوم أمس الأربعاء 24 تشرين الثاني 2021، مراسم توقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين، إذ جرت مراسم التوقيع في المجمع الرئاسي بالعاصمة أنقرة، بعد لقاء ثنائي وآخر على مستوى الوفود بين الجانبين. وشملت المراسم توقيع البنك المركزي التركي ونظيره الإماراتي مذكرة تفاهم للتعاون الثنائي.
وكشف مصدران لوكالة رويترز أنَّ, "محافظ البنك المركزي التركي، شهاب قوجي أوغلو، اجتمع مع مسؤولين من دولة الإمارات العربية المتحدة في الرئاسة التركية, لإجراء محادثات أولية بشأن اتفاق مبادلة محتمل".
وفيما قالت وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية )وام)، إن الإمارات أعلنت تأسيس صندوق بقيمة 10 مليارات دولار، لدعم الاستثمارات في تركيا، وأضافت الوكالة أن الصندوق سيركز على الاستثمارات الاستراتيجية، ومنها الاستثمار في قطاعي الطاقة والصحة.
اخترنا لكم



