فتات عياد ومريم مجدولين اللحام - التحري
بفعلِ جملةٍ من "التقاسمات" الناجمةِ عن سلطةٍ سياسيةٍ مبنية على المحاصصة، مُنح طغاة الطوائف مزايا تفضيلية "تراسمت" فيما بينهم، على حسب الملف، حتى صار لكل منهم "مقاول" وبات يُجاهَر بكل وضوح: "لكل جهاد عرب، هناك داني خوري" ومقابل "الكوستابرافا" هناك "مطمر جديدة"... وبين الأول والثاني عقود بالتراضي وتوافق "الله يرحم أيامه" بين أعداء اليوم "صُنّاع الحلحلة".
أما وقد "نشفت" خيرات بقرة لبنان الحلوب، "هج" أحد أقطاب توازنات المحاصصة هذه، بالرغم من أن له في المحاكم العديد من الملفات الدسمة التي، طبعاً، لم تصل إلى خواتيمها.
أين جهاد العرب، "متعهد الجمهورية الثانية"، "رجل المطامر" الأول، مليونير حقبة "ما بعد 2005"، رابح غالبية الصفقات بالتراضي "صدفةً" اليوم؟ وأين القضاء من ملفاته؟
"هريبة يا أوادم"
بعد إشكال وقع بين ثوار وبناته إثر تواجدهن في احتفال صاخب في مطعم "سراي" في بيروت، في زمن التقشف والذل، لوحقتا فيه بشعارات قائلة "حرامي حرامي، جهاد العرب حرامي". أصدر العرب بياناً " رأى فيه أنه "تم التعرض لهما بالسباب والشتائم والتلفظ بأبشع الكلمات". وأمام "هذا الأمر المؤسف والذي لا يتمناه أحد لأولاده، وأمام ما تتعرض له شركاتنا وعائلاتنا من هجوم وتحريض وتجني وافتراءات.. فإنني وبكل أسف، وبعد 40 سنة من العمل، أعلن أننا بصدد إقفال جميع أعمالنا في لبنان".
من جهة أخرى، ماذا يعني بالمفهوم السياسي، أن "يهجر" متعهد الحريرية السياسية التي تطبق على الاقتصاد اللبناني منذ عقود، ساحة التلزيمات اللبنانية؟
العرب.... دعاوى قضائية بالجملة!
وفي جولة على أبرز ملفات العرب القضائية ومخالفاته والتلزيمات الأكثر جدلاً، يتبيّن الآتي:
-بداية، إنه نفق سليم سلام، أو قصة "إبريق الزيت" التي لا تنتهي، هذا النفق الذي كلف الدولة اللبنانية 17 مليون دولار، ولم تنجز أعمال "الصيانة" فيه حتى يومنا هذا.
- يليه، دعوى "نفايات الكوستابرافا" موضوعة امام قاضي العجلة في عاليه رولا شمعون بحقه منذ العام 2018 (ملف 127) وهي بانتظار البت، ويلاحظ مماطلة باتخاذ التدابير اللازمة.
- ودعوى "الكومبوستينغ" الأولى أمام قاضي العجلة في عاليه رولا شمعون بحقه منذ العام 2019 (ملف 163) حيث رد الدعوى بذريعة توقف الأعمال في المعمل دون أي اعتبار لما تم في السابق!
- ناهيك عن دعوى "الكومبوستينغ" الثانية أمام هيئة القضايا ملف رقم 11 جزائي عام 2020 أمام القاضية هيلانة اسكندر، والملفت أنه ملف عالق بفضيحة مفادها "عدم توفر خبير بيئي لوزارة البيئة لتقييم الأثر البيئي"!!!
- ودعوى "الكومبوستينغ" الثالثة أمام النيابة العامة البيئية ملف 924 من سنة 2020 أمام القاضي فادي ملكون العالقة بين الأخذ والرد.
- كما أخذ ورد بلا نتيجة لثلاث سنوات في دعوى مطمر برج حمود الأولى أمام قاضي عجلة الجديدة ملف رقم 226 من سنة 2019 أمام القاضية رانيا رحمة ودعوى ثانية لنفس المطمر أمام النيابة العامة التمييزية ملف 5859 من سنة 2019 أمام القاضي غسان عويدات الذي اختار حفظ الدعوى دون اجراء تحقيق.
- وفي ملف اتهامي يطال أموال الاتحاد الأوروبي هناك شكوى "نفايات المنية" تعاني مماطلة في الإجراءات أمام القاضي غسان باسيل.
- عدة ملفات لمطامر النفايات ومعامل الفرز أمام النائب العام المالي في لبنان القاضي علي ابراهيم الذي اختار "حفظ" جميع الدعاوى المرفوعة أمامه.
- كما، وبالقانون، صدر مرسوم يقضي بزيادة تعديات العرب على الأملاك البحرية عند شاطئ الناعمة إلى 72 ألف متر مربع بحجة ردم البحر. وردم العرب أكثر من100 ألف متر مربع، ولم يلاحقه أحد.
هذا عدا عن هدر حقوق رواتب موظفيه في رامكو، وعدا ايضاً عن الشبهات حول المعاملة العنصرية والطبقية للموظفين، لا سيما منهم الأجانب، وشروط العمل القاسية.
دخل العرب ساحة التلزيمات من وزارة الأشغال، ومن صندوق مجلس الإنماء والإعمار ذو النفوذ الحريريّ. وهو على ارتباط عضوي بالمنظومة الفاسدة، ويبدو و"قوى المنظومة "طامرينه سوا"، ما يترجم تلكؤ القضاء بالبت والتوسع بالدعاوى!
غادة عيد: العرب مغطى من "كلن يعني كلن"!
ترى الإعلامية غادة عيد بقرار العرب نتيجة متوقعة إذ أنه "لن يستطيع الإستمرار بعمله في لبنان، فهو كان مَلِكَ الصفقات فيه على حساب خزينة اللبنانية والشعب اللبناني بخسارة تقدر بمئات ملايين الدولارات"، إذ أن "كل الأشغال التي حصل عليها أتت بالتراضي". وأي أشغال تؤخذ بالتراضي في الدولة فيها هامش هدر يصل أحياناً إلى 50%".
وهو "هرب"، إذ "ما عاد يستطيع المكوث في لبنان، فهو محاصر بشكاوى ودعاوى قضائية مفتوحة كتلزيمات وزارة الأشغال ونفق المطار والفيضانات فيه... عدا عن الملفات التي أثيرت إعلامياً". واللافت أنه كان "سياسياً مغطى من مختلف الفرقاء السياسيين". وإذا كان البعض يستشهد بتواجد مختلف القوى السياسية في عرس ابنه عدا حزب الله، تعطي عيد بدورها مثالاً "عن نزوله بعد حرب تموز عام 2006 إلى الضاحية الجنوبية لبيروت وإعلانه البدأ بإعادة إعمارها حتى قبل أن يتم تلزيم شركته"، وهو "حصل بالفعل على ملايين ومليارات الدولارات من هيئة الإغاثة دون أي إدارة أو إشراف على كيفية صرف المبالغ".
وجهاد العرب المحسوب سياسياً على آل الحريري، "كان المحظي الأول بحرب تموز بتلزيمات الضاحية. أما عصره الذهبي فتجلى مع الوزير غازي العريضي في وزارة الأشغال".
عيد التي تناولت بعضاً من ملفات الرجل في برنامجيها "الفساد" و"بدا ثورة"، تشدد على أنه يكاد يكون "الأوحد" على ساحة الصفقات اللبنانية، وإذا أجاب القانون على سؤال "من أين لك هذا" لناحية ثروة العرب، فقد يتبين أنه "من الذين حولوا ملايين الدولارات إلى الخارج بعد الأزمة المصرفية".
قانون الشراء العام... وداعاً للصفقات المشبوهة؟
يعدّ قانون "الشراء العام" الذي أقره مجلس النواب مؤخراً، أحد أبرز القوانين الإصلاحية التي يدفع المجتمع الدولي لإقرارها.
وسبق لعيد أن تناولت في برنامجها الأخير "مشروع دولة" هذا القانون، مع مدير عام إدارة المناقصات جان العلية الذي يحارب بدوره المنظومة لمناقصات أكثر شفافية.
وفي السياق، تقول عيد، إذا وضعت هيئة ناظمة للشراء العام ولم يعد الشراء العام مرتبطاً بالوزير، وكانت الهيئة مستقلة عن الوزارة، فهي تحد من صلاحيات الوزير، نحو مزيد من الشفافية. محذرة من أن هناك جهات سياسية تعارض إقرارها بهذا الاتجاه.
وإدارة المناقصات موجودة لكن "المشكلة أن السياسيين يتخطونها بالتحايل على القوانين، عبر تجزئة مشروع كبير إلى مشاريع صغيرة وتلزيمها". كما أن الوزير قد "يمرر المشروع عبر إدارة المناقصات واضعاً دفتر شروط على قياس المتعهد الذي يريد له الفوز بالمناقصة"، من هنا ضرورة "عدم إمساك الوزير بدفتر شروط المناقصة".
الوزير الملك؟
ومشكلتنا في لبنان بموضوع التلزيمات هي أن الوزير هو الملك والحاكم الدكتاتوري في وزارته"، ويجب معالجة هذا الوضع وتغييره "عبر تفعيل آليات وتراتبيات وإدارة مناقصات وهيئات رقابية تقوم بالمشاريع وفق الأصول القانونية".
من هنا "نطلب الذهاب لهيئات ناظمة في كل قطاع لتلزيم القطاعات والحد من جشع وطمع الوزير الذي يتصرف بالوزارة كأنها ملكه ويتمسك بها لتتحول إلى صراع سياسي وتصبح الوزارة محسوبة على حزبه، ليرفض المداورة فيما بعد".
يسأل ناشطون عن سبب عدم إنجاز "تقرير التفتيش الهندسي للهدر المقدر بملايين الدولارات"، في الإطار، تعلق عيد بالقول، "المحاسبة القضائية تبقى جائزة حتى بعد مغادرة العرب للبنان، خاصة إذا حصل التدقيق الجنائي وثبت أنه حوّل أموالاً إلى الخارج بعد الأزمة. وأعيد النظر بملفات وزراء تلقوا رشاوى، إذ أن الراشي والمرتشي يجب أن يحاسب في موضوع التلزيمات، سيما وأن هناك كمية مشاريع تقابلها كمية أموال تم إهدارها".
وتختم عيد حديثها بالقول "لماذا فقد لبنان ثقة المجتمع الدولي الذي يبدو غير متحمس على إقراضه او حتى تقديم هبات له؟"، مؤكدة أن "عدم إنجاز مشاريع سبق أن مولها المجتمع الدولي، وصرف أموال أكثر من المعقول بكثير على مشاريع أخرى... كلها عوامل أفقدت المجتمع الدولي الثقة بالدولة اللبنانية وإدارتها للمشاريع".
أفول الحريرية السياسية؟
بدوره، يقول الكاتب السياسي هاني نصولي أن "مناقصات الدولة بالليرة تعني خسارة العرب الذي قد يضطر لسد أموال من ماله الخاص لغنجاز المشاريع الملزّمة، وهو عامل يضاف إلى أسباب مغادرته لبنان، إذ أنها "فرقت معو كتير" و"الصفقات أصبحت كلها خسارة بخسارة والقصة لم تعد مربحة".
ويلفت إلى أنه "لست جهة قضائية للحكم عليه لكنه بلا شك زراعة اقتصادية للحريرية السياسية وأحد أهم الأذرع التي تمولها، لتأخذ صفقات من الدولة في المقابل، فيما تتم تغطية العرب من قبل الحريرية، ومن كل النواحي".
وليست الحريرية السياسية بحاجة لمغادرة العرب لإعطاء مؤشر على انهيارها، يؤكد نصولي، مضيفا "منذ الانتخابات النيابية الأخيرة والتراجع كبير لجماهيرية تيار المستقبل، عدا عن عدم رضا السعودية عن الرئيس المكلف سعد الحريري".
ومن المؤشرات أيضاً على تراجع الحريرية السياسية، "عوائق تأليف الحكومة على الرغم من وقوف حزب الله وحركة أمل مع الرئيس الحريري"، ما يؤشر إلى "انحسار كبير للحريرية وسط فيتوات على وريثها من أطراف عدة".
والحريرية لم تنته بالكامل أو تعلن وفاتها بعد، لكنها ذاهبة إلى هذا الاتجاه بلا شك إذا لم تغير نهجها، "ففي البيئة السنية والبيروتية بالأخص، لا سيما بين غير المرتبطين مادياً أو مصلحياً بتيار المستقبل، هناك حالة استياء كبيرة تجاهه كطرف في المنظومة، يتحمل جزءا من الانهيار الحاصل".
والحريرية السياسية "صناعة سعودية، وعندما ترفع السعودية يدها عنها يعني أن وضعها صعب للغاية وهي لا تستطيع الاستمرار دون دعم المملكة"، يختم نصولي حديثه.
غادر متعهد الجمهورية لبنان، بعدما اطمأن إلى أن لا تلزيمات "مربحة" من بعده. غادر العرب وروائح صفقاته تفوح في المكان. لكن ألا يستحق اللبنانيون معالجة "رواسب نفايات العرب" عبر تحريك القضاء للملفات العالقة لمتعهد كان مستفيداً في زمن "العز"، وبات "هارباً" في زمن الانهيار؟
اخترنا لكم



