"ليبانون ديبايت" - علي خيرالله شريف
يوجد الكثير من الأمثال الشعبية التي تنطبق على بيان الحزب التقدمي الاشتراكي، ويمكن استعمالها في بداية الرد عليه، ولكن احتراماً للقلم ولعقول القراء الكرام وللنهج الوطني الذي نعتمده، نُفَضِّلُ أن نبقى ضمن حُدودِ اللياقة التي تعوَّدنا عليها، حتى ولو لم يعتد عليها أصحابُ البيان، فلِكُلِّ امرءٍ من دَهرِهِ ما تَعَوَّد كما يقول الشاعر.
إن بَيَانَ الحزب التوريثي الذي ينتحل صفةَ التقدمية والاشتراكية، جعلنا للوهلة الأولى نستغرب يَقظَتَهُ الـمُتأخِّرة بالوقوفِ إلى جانب العائلات اللبنانية الأكثر فقراً. ولكننا استدركنا، وفَهِمنا سبَبَ هَبَّتِهِ الـمُصطنعة تلك، عندما قرأنا في متنِ بيانه أنه يُرَكِّزُ مُطالَبَتَه على أن يتم توزيع المبالغ الواردة من البنك الدولي، بالعملة التي تصل بها وليس بالليرة اللبنانية، وفهمنا المغزى من هذه المطالبة أنه يشير إلى الحصة التي يَعِدُ نفسَه بها، ويلحس شفتيه لالتهامها، ويسيلُ لعابُه على وقعِ الحديث عنها.
لقد أرفقَ حزبُ البيك يقظتَه الخبيثة، بوقاحةٍ في التضليل وسَماجةٍ في التعبير وكَذِبٍ في المضمون. وهذا استلزَم منا الرد عليه بما يليقُ به، لدرء الفتنة التي يُحاوِلُ أن يفتِنَ الناسَ بها. ليس ردُّنا دفاعاً عن الرئيس دياب وحكومته، فهم ليسوا عاجزين عن الدفاع عن أنفُسِهِم، بل دِفاعاً عن عُقولِنا كمواطنين لبنانيين يحاولُ البيك وحزبُه تصوير أنفسهم أمامنا وكأنهم ملائكةٌ ربَّانِيُّون يقطُرون زَيتاً وطهارةً وعِفَّةً وحِرصاً علينا؛ بل وكأننا لا نعرف مَن الذي نهبَ البلدَ وهرَّب الأموال المنهوبة، بالشراكة مع "القديسين" الـمُحَصَّنين من أصحاب الخطوط الحُمرِ والـمُلَوَّنة.
نحن نعرف لماذا يتطاول هذا الحزب التوريثي مجدداً، وزعيمُه "الحنَون"، على كلِّ من يتكلَّم بسوءٍ عن الفساد وعن نهب الأموال في الوزارات والإدارات والسفارات(وهو اعترف بعظمة لسانه بأموال ليبيا والسعودية التي ابتلعها دون أن يهبط عليه هذا الحنان المفاجئ في البيانات)، وعن العابثين بأموالِ الـمُهَجرين والنازحين، وبأملاك الدولة.
مرةً جديدة يَفتَئِتُ الحزبُ الجنبُلاطي على حكومة الرئيس حسان دياب، كما دأبُهُ منذ تأليفِها لغاية اليوم، فيتطوَّعُ لتوزيع صكوك البراءة يُمنَةً ويُسرة ليحمي من العقاب؛ خازِنَ أسرارٍه وأسرارِ الفاسدين من شركائه وأتباعه... وربما تحسس البيكُ الخطرَ يقترب منه، فلجأ إلى الهجوم كأفضل طريقة للدفاع عن نفسِهِ المَشبوهة. ولكنَّ هجومَه هذا كان مثيراً للسخرية، إذ بادَرَ إلى اتهام حكومة تصريف الأعمال بالتنصُّل من المسؤولية في وقف استنزاف ودائع المواطنين، وهي الحكومة التي لم تترك وسيلة لحماية تلك الودائع من استنزافِ أمثالِهِ وأترابه وحُكَّامِ المصارِفِ الـمُتَحالفين معه؛ وكأننا لا نعرف من استنزفها وجمَّدها وهرَّبها وحرم أصحابها منها. أليس من نافل القول تكرار تسميته أحد أبطال تِلكَ الرواية التي يرويها؟
أليس من المضحك أن يتَّهِمَ حزبُ البيك هذا الحكومة بعدم السعي إلى ترشيد دعم للسلع والمواد المدعومة، والكل يعرف أنها هي التي قدَّمَت لمجلس النواب منذ كانون الأول 2020، أربع سيناريوهات لذلك الترشيد ، وتنتظر منذ ذلك التاريخ أن يتخذ المجلسُ قرارَه ويعيد الكُرَةِ من مَلعَبِه، لكي تقومَ الحكومةُ بعملها؟
لو كان فعلاً حزب البيك حريصاً على مصلحة الفقراء، لكان الأولى به أن يأمرَ نُوَّابَه بتحريك المشروع في المجلس النيابي ليتم البت به، وإعادته إلى الحكومة التي تنتظره بفارغ الصبر، بدل أن ينفث حقدَه بشكلٍ عشوائي.
ويفاجئنا هذا الحزب بادعائه أنه هو الذي قدَّمَ اقتراحاً إلى مجلس النواب باعتماد الترشيد المُشار إليه، في حين بات معروفاً من قِبَلِ القاصي والداني أن الرئيس حسان دياب هو الذي عقد الجلسات الماراتونية، برغمِ تصريف الأعمال الذي وصموا حكومته به، مع الوزراء المعنيين، وبحضور حاكم مصرف لبنان، وبالتنسيق مع فخامة رئيس الجمهورية ودولة رئيس مجلس النواب، ثم أنتجوا السيناريوهات الأربع لمشروع ترشيد الدعم، ثم أودعها مكتب رئيس المجلس في نهاية كانون الأول ٢٠٢٠(وكنا قد كتبنا مقالاً عن ذلك يومها). وتضمنت السيناريوهات الأربع ما يأتي:
إطلاق البطاقة التموينية التي تترواح قيمتُها بين مئة ومئة وسبعين دولاراً شهرياً للعائلة، بحيث يستطيع المواطن تأمين كل احتياجاته الغذائية من خلالها. وقد تم الاتفاق على إطلاقها بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب وحاكم مصرف لبنان.
رفع الدعم عن المحروقات مع الإبقاء عليه فقط لوسائل النقل العمومية لكي لا ترفع أسعارها على المواطن. مع العلم أن سعر النفط عالمياً هو بالأساس متدني، ولن يكون لرفع الدعم عنه التأثير الكبير على سعره في السوق.
وكنا قد أشرنا في مقالنا السابق إلى أن عملية الترشيد ستؤدي إلى توفير ما بين مليارين وثلاثة مليارات دولار سنوياً على الخزينة.
فيا ليت هذا الحزب العريق بإقطاعيته و"بيكويته" وتورطِه بقضايا الفساد، بدل أن يتلهَّى بالثرثرات والضغائن، أن يمتنع عن وضع العراقيل أمام التدقيق الجنائي وأمام استعادة الأموال المنهوبة. ويا ليته يرفع خطوطه الحمراء عن ناهبي الدولة، بدل أن يضع العراقيل أمام حكومة هي من أشرف الحكومات التي مرت في تاريخ لبنان، وهي من الحكومات النادرة التي شعر المواطنون أنها حكومة كل المواطنين دون تمييزٍ طائفيٍ أو مذهبيٍ أو وراثي.
اخترنا لكم



