المحلية

السبت 12 أيلول 2020 - 04:00

التّأليف: المُبادَرةُ الفرنسيّة في خطر...

التّأليف: المُبادَرةُ الفرنسيّة في خطر...

"ليبانون ديبايت"- عبدالله قمح

غيوم من السلبيّة تلبدت في سماء التأليف تحت عنوان العقوبات الأميركية. حتى نهار أمس كانت قائمة الضحايا تستقر على مسألة تأليف الحكومة التي تحوّلت إلى معضلة، فيما لم يعلم ما إذا كانت القائمة ستتوسّع لتضم إليها المبادرة الفرنسية.

في الداخل، لجأت أطراف محددة إلى إشاعة أجواء إيجابية في محاولةٍ منها لدفع السلبيات إلى الخارج. رئاسة الجمهورية تحدّثت عن قرب إتمام مراسم التشكيل على قاعدة حكومة من 18 وزيراً متفق عليها مع الرئيس المكلف مصطفى أديب علماً أنها كانت في وارد رفضها سابقاً، لكن المعنيين بتأليف الحكومة ومنهم التيار الوطني الحرّ قلّل من إحتمال حدوث ذلك كونه ربط موافقته ورئاسة الجمهورية على حكومة من 24 وزيراً تَكفل تمثيل الجميع على قاعدة حقيبة لكل وزير...

بهذا المعنى، ما الدافع إلى تعويم أجواء إيجابية غير واقعية؟

الجواب بسيط. لا نيّة لرئاسة الجمهورية ولبعض الأطراف السياسية في عرقلة الجهود الفرنسية. بالنسبة إليهم، تمثّل المبادرة التي حملها إيمانويل ماكرون آخر العنقود في الموسم. ليس هذا فقط بل إنها تمثّل "طوق النجاة" في محيط ملتهب. لذا ليس هناك من مصلحة للتفريط بها. لكن واقع العقوبات قد حلّ. من هنا، ثمة من يريد أن يفصل بين المسارين، مسار العقوبات ومسار التأليف، وهذا سبب من بين الأسباب التي دفعت اللواء عباس إبراهيم لقضاء ليلته في باريس.

بمعزل عن نتائج الزيارة، ثمّة أمر واحد لا يمكن إخفاؤه، وهو أن العقوبات قد أصابت التأليف بشلل شبه تام، وهذا ما يوحي إليه حراك التيار الوطني الحرّ الذي لجأ يوم أمس لتعويم أجواء توحي بعدم رغبته في المشاركة بالحكومة. عدم الرغبة هذه عدا عن أنها تتسبّب بعلة ميثاقية مردّها إلى اضمحلال الأكثرية المسيحية في الحكومة، كذلك هي نابعة من الخشية من العقوبات، وعلى ما يبدو أن توجهاً قد يبلورَ تصوراً لدى قيادة التيار بانكفاء عن المسار الحكومي في هذا الوقت وترك الحلفاء الآخرين يلاطمون الأمواج، بإستغلال ذريعة عدم الموافقة على تشكيلة "من خارج السيستم" يطرحها مصطفى أديب.

والملاحظ هنا، أن حراك التيار الوطني الحرّ لا ينفصل عن حراك رئاسة الجمهورية. صحيح أن القصر لا يبدو أنه قد تأثر سلباً من العقوبات إلى درجة عرقلة تشكيل الحكومة، لكنه يتبادل والتيار ممارسة الضغط على أديب كل من جهته، ما يعني أننا أمام تبادل متوازن للأدوار بين الجانبين.

أديب الذي يجلس "تحت المكيّف" في فندق "لاهويا" حاصراً تنسيقه مع بيت الوسط رغم تكرار نفي الاخيرة ومن دون أن يمتد التنسيق بالمباشر إلى الافرقاء الآخرين، لكنه وفي ذات الوقت يعي تماماً ضرورة تمثيل الجانب المسيحي في حكومته، وهذه النصيحة تلقاها حتى من قبل رعاة تسميته، لذلك هو يبحث عن مخارج مقبولة. في المقام الأول، ما زال يتموضع عند نقطة الحكومة المصغرة. في جانب آخر طرح الفصل في الحصة المسيحية بين رئاسة الجمهورية والتيار الوطني الحر، على قاعدة أن لا سعة لتمثيل الجانبين سوياً.

من هنا ثمّة من يقدّر أن قرار التيار بعدم المشاركة نابع من هذه النقطة ايضاً. في جانب آخر، يطرح على رئاسة الجمهورية أن تتمثل لا التيار، وأن يشارك وإياها في التسميات. كلام يجد فيه زوار الرئاسة "هرطقة سياسية. فرئاسة الجمهورية ليست باش كاتب لدى أحد، ولن تقبل سلب صلاحياتها في التسمية". عند هذه النقطة علقت الأمور.

شيعياً، الصراخ يعلو حول التمثيل. رئيس مجلس النواب نبيه بري بصفته وكيلاً للحصة الشيعية رفع صوته: "لا بديل عن المالية" رابطاً التسمية به تحديداً، ما يعني أنه رفض اقتراح أديب بأن يتولى الأخير المشاركة في التسمية والاقتراح. جديد المخارج المتداولة حول هذه العقدة الرئيسية، أن يبادر رئيس مجلس النواب إلى رفع لائحة تضم أسماءً مقترحة لحقيبة المالية من خارج التمثيل السياسي الصلب تاركاً الخيار لـ"اديب" لانتقاء واحد منها. هذا الاقتراح وضع قيد الدرس. في نفس الوقت ليس ثمة إستعداد من جانب عين التينة لتبيع أحد من كيسها. فحقيبة المالية قبل العقوبات على الوزير علي حسن خليل شيء وبعدها شي آخر ولا مكان للمساومات.

التشدّد الظاهر حالياً يمثّل الخطر الأكبر على مسار المبادرة الفرنسية، فحضور العقوبات الاميركية في هذا الوقت وبإعتراف الفرنسيين، فرض أجندات أخرى لم يكن أحد يتوقعها، لذا قد تطال التأثيرات المهلة الفرنسية المعطاة لتشكيل الحكومة. الثابت حتى الآن أن المهلة ومع دخولها العد العكسي أصبحت في خطر واستطراداً رصيد الرئيس الفرنسي الذي دفع بثقله، وبات تحت خطر التعرض لانتكاسة قد لا يحتملها. لذا، بدأ الحديث عن مخرج سبق لـ"ليبانون ديبايت" أن اشار إليه في مقال سابق، قوامه إفساح المجال أمام إدخال تعديل طفيف على نص مدة المبادرة لا يتجاوز الأيام تحت ذريعة "ضرورات فرضتها العقوبات"، يكفل تشكيل حكومة في غضون أيام لا تتعدى نهاية الاسبوع المقبل، وهذا يكفل بالتوازي تشكيل الحكومة وإنقاذ المبادرة الفرنسية، وهذا يعد سبباً من الاسباب التي حملت اللواء إبراهيم إلى التوجه نحو باريس.

أمام هذا الواقع، جزمت مصادر متابعة للاتصالات الحكومية لـ"ليبانون ديبايت"، أن يعكف الرئيس المكلف على دراسة ما اسمتها "الاحتمالات الاخيرة للتشكيل"، وما يتبادر إلى الذهن أولاً أنه لم يعد في وارد التوجه إلى قصر بعبدا اليوم، بدليل عدم تسجيل موعد له في القصر حتى اللحظة، علماً أن ذلك قد يتم في أي لحظة، بل ربما يحصل ذلك في غضون اليومين المقبلين، تحت ذريعة إفساح المجال أمام مساعي الحل.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة