المحلية

الثلاثاء 18 آب 2020 - 01:22

عن جبران الذي بقي وحيدًا...

عن جبران الذي بقي وحيدًا...

"ليبانون ديبايت" - صفاء درويش

لا يمكن لجمهور التيار الوطني الحر أن يفصل بين حرب الإلغاء التي تعرّض لها مؤسسه ميشال عون منذ آواخر ثمانينيات القرن الماضي، عن تلك التي يتعرّض لها اليوم رئيسه جبران باسيل. اجتمعت الأضداد في حينها لإنهاء عون، فتحالف قائد القوات اللبنانية سمير جعجع مع الطيران والمدفعية السورية لمحاولة القضاء على رئيس حكومة لبنان. اليوم يشعر جمهور التيار أنّ كل الظروف الدولية والمحليّة مجتمعة ضد باسيل، اذ إنّ أقرب حلفائه عاجزون عن استعداء من يعتبرهم هو رؤوس الفساد في لبنان. فمن حلفاء لا يجارونه في مشروعه، وأخصام مستعدون كل لحظة لإنهائه، حرب لم يعش فيها التيار ورئيسه وجمهوره فترات هدنة، فأمّا كانوا هم المهاجمين في لحظات تجتمع الظروف لصالحهم، وأمّا هم المدافعين الساعين للحفاظ على وجودهم في لحظات اجتماع القوى الكاسرة ضدهم. وعندما يجتمع الجميع، احتسب نفسك أنّك على حق، هكذا يؤمنون.

لم يحمل المؤتمر الصحفي الذي عقده النائب جبران باسيل يوم الأحد جديدًا بالنسبة لسياسة التيار وتوجهه، إلّا إن منسوب الوضوح الذي تكلّم به رئيس التيار ألزم معظم المتابعين، لا سيما جمهور حلفائه الذين انتقدوه مؤخرًا، أن يقرّوا أنّه لم يترك نقطة عليه. قالها بصراحة: لا أخون العشرة ولكنّني مستعد للمواجهة وحدي، ولن أنكسر. يشعر العونيون اليوم أن مشهد الـ89 يتكرّر أمامهم. "حراك" ولد في ١٧ تشرين استبشروا هم فيه خيرًا، على قاعدة أن نزول الناس إلى الشارع لم يكن سوى نتيجة انفجار لطالما حذّروا هم منه، وفنّدوا مسبباته، وهاجموا مسبّبيه. الصدمة كانت عندما تناسى الشارع كل الفاسدين ولحقوا بـ "الهيلا هو" ضاربين مطالبهم هم عرض الحائط. تضعضع ١٧ تشرين وبات يشبه أحزاب السلطة، حتى أن بعضًا من تلك الأحزاب باتت عماد كيانه. سقط رهان العونيين أن في الشارع تغيير حقيقي قد يتماهى مع سياسات العهد.

في الإعلام حرب شعواء، وتعتيم كبير على محاولات التغيير. سلّة كاملة من مشاريع قوانين مكافحة الفساد لم يأتِ على ذكرها، وذكر مسببات سقوطها في المجلس النيابي، فيما أخذت الكيدية من وقتهم ساعات طويلة للتحذير من انشاء سد بسري الذي موّله ووافق عليه البنك الدولي، وأقرّ به جميع من في السلطة قبل أن يحوّروا من خياراتهم دون محاسبة!
لم يُذكر التدقيق المالي الجنائي وحوربت خيارات التيار في المحاسبة ومصرف لبنان ووزارة المالية وتقارير ديوان المحاسبة. كل ما نادى به ميشال عون مند سنوات، وكل ما ينادي به جبران باسيل لم يؤخذ بعين اعتبار الإعلام وثوّاره، وإنّما محاولة الإلغاء.

واليوم، حين ينادون بحكومة سيأتي عليها رمز من رموز سلطة الثلاثين عامًا الماضية، يوافق هو على مشاركة الجميع إلا باسيل، وكأنّه هو صاحب المشروع الإصلاحي البنّاء ولم يدس السلطة في حياته ولم تكن كل حكومات البلد ملك يده ويد أبيه وحلفاء بيته السياسي! إنّه اللامنطق في اللادولة.

حرب إلغاء اليوم على جبران باسيل. قد يبتسم سبعيني عارف مدرك بواقع لبنان عندما يسمع هذا العنوان الكبير. في لبنان لا يلغي أحدٌ أحد، ولكن في لبنان أيضًا لا يجرؤ أحد على الوقوف وحده في مواجهة الجميع، ولكنّ هذه القاعدة كسرها ميشال عون في ١٣ تشرين، ويكسرها جبران باسيل بعد ١٧ تشرين.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة