المحلية

placeholder

جورج طوق

ليبانون ديبايت
الأربعاء 08 تموز 2020 - 15:06 ليبانون ديبايت
placeholder

جورج طوق

ليبانون ديبايت

"يَخنة الكاتيوشا": تَراجيديا شكسبيريّة لبنانيّة

"يَخنة الكاتيوشا": تَراجيديا شكسبيريّة لبنانيّة

"ليبانون ديبايت"- جورج طوق

"نكون أو لا نكون، تلك هي المسألة.

هل من الأنبل أن نتلقى مصائب وسهام قدر شائن؟

أم أن نُشهر السلاح في وجه خضمٍّ من المصاعب؟

وبمقاومتها، نضع حدّاً لها؟"

يُقال إنّ هذه المناجاة لشخصية هامليت الشكسبيرية تُؤَدّى مرة كلّ دقيقة على خشبة ما في العالم اليوم. لم تغفل مسرحية "هامليت" التراجيدية، للشاعر البريطاني، أيّ مدرسة في العالم إلّا ولفحت صفحة ما من كُتبها.

كثيرةٌ هي الدول التى لا تقلّ مشاهد الحياة فيها تراجيدية عن مشاهد مسرحية هامليت. لبنان هو، دون شكّ، أكثرها تراجيدية. مواطنٌ، لا حكم عليه، يقتل نفسه برصاص الطفر، فيُحكم عليه بالكفر. ناشطٌ يُمطَر بقبضات حديدية ووجوه مكشوفة للشمس وعدسات المراقبة وزحمة المارة. طفلٌ يُغتصب من ستة شبّان، يوثّق ثلاثة منهم بشاعة فعلتهم بذكاء هواتفهم. كهلٌ يعلو صوته وحرقته في وجه مصرف سرق مدّخراته، فيعيب سارقه عليه علو صوته. ثوّارٌ يُساقون إلى الترهيب والتحقيق، وفقراء مرقّطو الهندام يسحلون، وقد هجرت اللحمة قدورهم لثقل سعرها، فقراء آخرين يحتجّون على غلاء الأسعار. مشاهد تراجيدية متواترة لم تفصل بينها برهة استراحة منذ انطلاق العرض قبل مئة عام. لبنان هو خشبة مسرح شكسبيري، يُخشى أن ينتهي عليها العرض، كما في مسرحية هامليت، بمصرع كل الشخصيات.

ليس هناك ما يبرّر هذا الشغف العالمي بمسرحية تراجيدية، يموت الأخيار فيها والأشرار، غير أناقة قلم شكسبير، أو ربّما لأنّ المبالغة بالمأساة على خشبة المسرح توهمنا بأنّ واقعنا ليس بهذه المأساوية. في لبنان، الواقع هو التراجيديا، وليس هناك ما يبرّر شغف اللبنانيين المزمن بعيشها، بملء اقتراعهم وإرادتهم، كلّ يوم. زعيمٌ ينعي زمن الرفاهية بعد ضمان رفاهيته، وآخر يدعو لاستعطاء اغتراب ساهم بغربته. تيّارٌ يتبنّى ساعتين للتيّار الكهربائي ويُنكر إثنتين وعشرين ساعة، فيهتف له الغارقون في الظلام. عميلٌ جزّار يُحرّر بسلاسة وثورةٌ تُرشق بالعمالة والرصاص المطّاطي.

عناصر تراجيدية شكسبيرية فعلية لن تنتهي برفع الستارة. عهدٌ يَنكث مراراً بعهده ومقاومةٌ بات العدو في قعر قائمة أعدائها. عهدٌ يريد لمسؤوليه كلّ شيء إلّا المسؤولية، ومقاومةٌ تقاتل كل الوِجهات إلّا جنوباً. عهدٌ بلا قوّة يصرف من فائض قوة المقاومة، والأخيرة تصرف من فائض ضعفه. ثنائيٌّ تراجيدي فائق الغرابة من عهد ومقاومة يرفع، للإبحار شرقاً، أشرعة بلد بلا بوصلة. ثنائيٌّ يجمعه، مثل والدة هامليت وعمّه، جريمة وزواج.

نجوع أو لا نجوع؟ هذه هي المناجاة الأكثر تراجيدية في المسرح اللبناني اليوم. مسرح لا يبدو أنّه سيُسلَّم أفضل ممّا كان عليه قبل بداية العرض، كما تعهّد العهد. لا يبدو أيضاً أن روّاده لن يجوعوا كما جزمت المقاومة أواخر موسم الزرع، إذ عادت، على مشارف موسم الحصاد، إلى المقاومة الزراعية كي لا نجوع. ثنائيٌّ فضّل حماية سلاحه على حماية ناسه. أخذ به كلّ ما أراده من تعاطف وهيبة وسطوة وسلطة ومناصب، لكنّه أغفل أنّ "يخنة الكاتيوشا" ليست حساءً ولا تسدّ جوعاً.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة