"ليبانون ديبايت" - ملكار الخوري
أخطر من الإنهيار الإقتصادي الذي نعيش اليوم، والتركيز على الأرقام والخسائر وقيمة الهدر والسرقات، هو نتائجه على المجتمعات اللبنانية على صعيد العلاقات ما بين الأشخاص، المستوى الفكري والثقافي العام وتداعياته على القيم والأخلاقيات.
كثيرة هي حقائب السفر التي تنتظر الرحيل. لا حاجة للتكهن بعددها، أو حتى إحصائها. حقائب لا أشخاص، في دولة، تحتقر السلطة الحاكمة الشعب وتمعن في إذلاله.
أرقام!
سيخسر لبنان معها من كل الفئات المجتمعية، لكن الأخطر، هو هجرة أصحاب الكفاءات الباحثين عن مستقبل. يتركون خلفهم من يتركون.
مؤسسات تعليمية وتربوية (مدارس وجامعات) أعلنت إقفالها بشكل نهائي، تعاني من التعثّر، أو على وشك الإقفال، من دون أي أفق.
أهل لا قدرة لهم على دفع أقساط التعليم بكافة مراحله. مصير جيل بأكمله على المحك.
أضرب التعليم، تضرب المستقبل.
سيخسر لبنان من كل الفئات المجتمعية، لكن الأخطر، هو هجرة أصحاب الكفاءات الباحثين عن مستقبل. يتركون خلفهم من يتركون
لإدارة شؤون "البلد". "البلد"؛ هي كلمة لطالما إحتقرتها. مستعملوها يدركون، أو لا يدركون، الفرق بين pays et patrie.
في الأزمات الكبرى، يتقدّم الأمن الغذائي والإجتماعي سلَّم الأولويات، دون إعتبار لأية معايير قيمية وأخلاقيّة.
أذكر روايات الأختين فَريدي و Julie جارتا جَدّتي لأمّي (مريم) في الأشرفية، عن سيّدة تدعى مِرْيانا، كانت تعمل مدَبِّرةً في منزلهما العائلي. أكلت جثث أولادها الذين قضوا جوعاً خلال الحرب الأولى كي لا تموت هي من الجوع.
أذكر مقطعاً من كتاب بول عنداري "الجبل حقيقة لا ترحم" يصف فيه بعض من آليات تأقلم المحاصرين في دير القمر إبّان حرب الجبل. تهولني فكرة تعميمها علينا جميعاً.
أذكر أنَّ بعض العائلات التي تهجَّرت، إستقرت في بناء مدرسة Madeleine -Sophie في بصاليم. كأنّ خسارة هؤلاء لمنازلهم، ومقتنياتهم، ومدخراتهم، وأرزاقهم ومستقبلهم لم تكن كافية، فزدنا على تهجيرهم تهجيراً من إنسانيّتهم بالتنميط والتمييز حيناً وبالإستهزاء والإستعلاء أحيانا.
أذكر وثائقياً بعنوان "فقراء الميلاد"، أناس يبحثون في مستوعبات النفايات في منطقة سن الفيل في موقع سوق الخضار الحالي، عمّا يسدّون بهم جوعهم.
أخاف أن أتذكَّر يوماً، لن يكون ببعيد، حالات التفكك الأسري، حالات الجنس مقابل حاجات أساسية، زواج القاصرات، عمالة الأطفال، إهمال رعاية ذوي الحاجات الخاصة والكبار بالسن، فقدان الضوابط والروادع الأخلاقية...
أخاف أن أتذكَّر أنّنا فقدنا إنسانيتنا، وأن حاجاتنا الأساسية كانت أقوى من كل شيئ.
يلعَنكُن،
ويِلْعَن لْ ما بْيلعَنكُن.
اخترنا لكم



