المحلية

placeholder

جورج طوق

ليبانون ديبايت
السبت 20 حزيران 2020 - 08:10 ليبانون ديبايت
placeholder

جورج طوق

ليبانون ديبايت

فزّاعةُ الحقلِ وتسريحةُ الحريّة

فزّاعةُ الحقلِ وتسريحةُ الحريّة

"ليبانون ديبايت" - جورج طوق

في أيّ ديموقراطية في العالم، ومهما علا شأن الأحزاب فيها أو عظُم تمثيلها، لا بدّ لرأس سلطتها، أن يتمتّع بهامش مريح من حريّة الحركة والآداء، وإن كان التزامه بخطوط حزب سمّاه لمنصبه، أمراً طبيعياً في اللعبة السياسية. في البيولوجيا، الرأس الذي لا يحكم كافة أعضاء الجسد، ليس رأساً. وحده القلب يتمتّع باستقلالية نسبية عن الرأس، وذلك فقط لأنه يغذّيه.

في المعايير السياسية، ليس الرئيس حسّان دياب رأساً، فهو يرأس جلسات مجلسٍ ولا يرأس جالسيه. وفي المعايير البيولوجية، ليس قلباً، إذ تبوّأ كرسيه خارج أيّ عاطفة شعبية. بالرغم من أنّ ذلك قد يعفيه من ثقل جمهور يرضيه، إلّا أنّ إرضاء غروره، يبدو أكثر تعقيداً وخطورة.

ليس واقع رأس الدولة أكثر استتباباً. يتمتّع الرئيس عون، من دون شكّ، بما يكفي من العاطفة الشعبية والتمثيل ليكون قلباً، لكن أن يكون رأساً، فتلك مسألةٌ أخرى. الإشكالية الكبرى هي أنّ الرجل استدان من حزب الله، للوصول إلى قصره الرئاسي، ما فاق مقدرته على التسديد والحفاظ على حدٍّ أدنى من حرية المناورة السياسية في آن. فالرأس الذي يسمح باتصال خلاياه العصبية بجسم آخر أكثر قوة، يفقد سلطانه. في علوم الحياة، قد يبدو ذلك شيئاً من الخيال العلمي، لكن علوم الحياة السياسية في لبنان تفيض بالخيال "غير العلمي".

على عكس هامش الحريات الضيق للرئيسين، عون ودياب، تكمن الإشكالية الكبرى للرئيس برّي في فائض الحرية لديه. سلطة تشريعية ورأسها لا يحتكمان للتشريع، وفي ذلك وصفةٌ "ديستوبيّة" لجوهر مفاهيم الدولة. تزيّن هذا القالب "الديستوبي" المزري في لبنان، سلطة تشريعية بلا سلطة، ناهيك عن افتقارها التام للإستقلالية والعدل.

في دنيا الزراعة، تألف العصافير، مع الوقت، "فزّاعة الحقل"، فيعمد المزارعون إلى تبديل ملابسها دوريّاً، للحفاظ على هيبتها أمام السارقين الطيور.

بين عجز الدولة عن سداد التزاماتها المالية، وعجز أحد رؤوسها عن سداد دينه السياسي، وفائض الحرية والقوة فوق القوانين عند آخر، رُمي حسّان دياب رئيساً أخصّائياً ومستقلاً خلف خطوط الفساد والإفلاس. لم يستلّ اختصاصه واستقلاليته وحريته إلّا لتسريح شعره الكثيف.

في أزمة الرؤوس هذه، تبدو السلطة، في حربها على الإفلاس والفساد، عقيمة مثل فزّاعة الحقل التي ألفتها الطيور. الطيور في الحقل السياسي هم السارقون ومغتصبو الحقوق ومقدّرات البلد.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة