"ليبانون ديبايت"- ملاك عقيل
لا صورة أوضح من هذا المشهد: شارعٌ بأمهِ وأبيهِ، مليونية "وطنية" صرف بوجه السلطة، برموزها الاساسية، ارتضت في الساعات الاخيرة أن تكابر وتقنع نفسها بإمكانِ ترميمِ تشوهاتها أمام غضبٍ شعبيٍّ غير مسبوقٍ في تاريخ التحركات الاحتجاجية. لكن ما بعد ذلك... لا أحد قادر على توقع الآتي.
بالتأكيد لن يكون أسوأ مما خَبِره اللبنانيون في مسار أزماتهم وخيباتهم وإحباطاتهم.
صحيح، ان المشهد غير مألوف لا بل كان من الصعب تخيّل حصوله أصلا طالما أن نظرية "قطيع الغنم" أقوى من كل المعادلات.
الشارع انتفض بعد وجعٍ مزمنٍ، والسلطة مُربكة ضعيفة تحاول استلحاق نفسها بارتداء ثياب نظيفة فوق جسدها الوسخ.
قد يكون الامر مفهوماً، فالعهود المتعاقبة تعوّدت أن تفسّر "البزاق" بـ "الدني يللي عم بتشتي". لكن ما لا يمكن استيعابه ذاك الاصبع الذي ارتفع بوجه مدّ بشري، شاء حزب الله أم أبى، جمهوره الفقير المُحاصر المغلوب على أمره هو جزءٌ منه ويتمايل حيث هو مع موجات هتافاته.
السيد حسن نصرالله نفسه اعترف بشارع "مقهور" لا سفارات ولا أحزاب تسيّره، لكن الأصبع إياه الذي رفع بوجه اسرائيل والجماعات الارهابية، وقف له بالمرصاد مهدّداً بالويل والثبور إن فكّر بإسقاط الحكومة.
لماذا يضع نصرالله نفسه في مواجهة ناسه قبل "ناسَ" الاخرين؟ يحق له بالسياسة أن يطرح "دفتر شروط" للحكومة عمّا يجب أن تفعله لتنقذ نفسها من الورطة. لكن كيف له أن يفرض "اتيكيت" لتظاهرة مليونية مع خطوطٍ حمرٍ لم يستعن بها حين كاد يلفظ بالاسم شريكه في الثنائية الشيعية كأحد المسؤولين الاساسيين منذ 30 سنة عمّا وصلنا اليه من هدر وفساد؟ أليس "السيد" نفسه من اقرّ بأن "جمهوره" يلحّ عليه بالنزول على الارض؟ ماذا يعني أن يفرض بأصبعه توقيت إسقاط حكومة لن ترحل إلا على "ساعته" متجاوزاً إرادة شارع أرعب رموز السلطة ؟
بالتأكيد، هواجس حزب الله وآخرين في ايجاد البديل عن حكومة قد تسقط بصرخة شعبية موحدة، مشروع. معظم من يهتف في الشارع بإسقاط الحكومة والعهد معاً لا يدرك التبعات الدستورية والسياسية لهكذا مطلب غير منطقي، لان بديله على الارجح الفوضى في ظل عدم وضوح الرؤية على بعد خطوات من بقع التظاهر.
أما استقالة الحكومة، تحت وطأة تسونامي تاريخي، فأمر واقعي وممكن ومشروع، لا بل مقدّس.
ثمّة شارع يصمّ أذنيه عن أوراقٍ إصلاحيةٍ وتطيير وزراء من مقاعدهم وحتى مساهمة اباطرة المصارف في تسديد فاتورة سدّ عجز الدين العام.
أصلاً السلطة تدين نفسها بنفسها حين تُخرج قصاصة ورق تقول فيها "أنظروا... جئناكم بالحلّ"، لأنه ببساطة هذا يثبت أن السلطة الحالية تغاضت عن سابقٍ "تواطؤ واحتيال" عن اتباع الخطوات الاصلاحية المطلوبة تفادياً للمحاكمة الشعبية التي تشهدها اليوم.
الامر ليس بسيطاً ولا عادياً. للمرة الاولى في تاريخ "جمهورية الطائف" تهتز أسس التركيبة الطائفية العفِنة تحت كراسي "زعماء العشائر"، وبقدرة الوجع المزمن تبدو طرابلس وصور كـ "حالة حب" فاقعة.
الجميع يتحسّس رؤوسه اليوم. الغاضبون لن يستكينوا، ولعل أهمّ ما ينتظرونه من غرفة عمليات "الانقاذ" أن يسمحوا للهتافات أن تأخذ مداها وصولاً الى "سحب" الفاسدين وناهبي المال العام من عروشهم لمحاسبتهم... ومن المستحب "دعوستهم"!
اخترنا لكم



