المحلية

mon liabn
الأربعاء 02 أيار 2018 - 20:18 mon liabn
mon liabn

رسالة إعتذار من عبدالله محمد ضو

رسالة إعتذار من عبدالله محمد ضو

الى أهالي عاليه وخاصة بني مَعْرُوف المُوحِّدين

أخي سهيل حديفة، لا تصدِّق من يقول أنَّ حجز عفش بيتك لبيعه بالمزاد العلني هي مسألة تحصيل إيجارات فقط وليست حرتقة سياسية رخيصة، فبين العاملين في الشركة مئات العائلات عجِزوا عن تسديد إيجارات بيوتهم وأقساط أولادهم بالمدارس ولم يتعرَّض أحدهم لا من قبرشمون وقرى عاليه ولا من جونية وكسروان ولا من طرابلس وعكّار حيث تنتشر مواقع عمل الشركة، لم تتعرَّض أي عائلة لحجز عفش بيتهم وبيعه بالمزاد العلني إلّا أنت يا أبو عنتر.

سأختصر الحديث من آخره، وأخاطب النائب أكرم شهيّب الذي تُؤكِّد كل الإحصاءات أنه سيتابع في المقعد النيابي بعد يوم الأحد القادم، وسأقول له ما يجب أن يسمع في نهاية هذا الكلام.

ولمن يستغرب كلامي من أهالينا في قضاء عاليه وبني معروف المُوَحِّدِين، فإليكم الوقائع والحقائق التي سَكَتْنا عنها ثمانية وعشرين سنة، إباءً وترفُّعا، أمَّا وقد بَلغ قطعُ الأرزاق حد قطع الأعناق، فكفى، ولتكن هذه الحقائق بمتناول الجميع:

مع الإحتفاظ بإحترام أصحاب السعادة والمعالي والجنَّاب الذين سأورد أسماءهم فيما يلي دون ذكر الألقاب. ليل 8 نيسان 1991 اتصل بي أكرم شهيّب وكان يومها مديراً لمكتب وليد بك جنبلاط، يطلب أن نلتقي سرّا.

فأجبته بأنني موافيه الى مكتبه قرب فرن الحطب عند الساعة السادسة من صباح اليوم التالي.
وهكذا كان، سألته خير انشالله، قال: أريدك أن تقنع الأمير طلال بالموافقة على إضافة المقعد النيابي الثامن (وفق الطائف) للطائفة الدرزيَّة الى قضاء عاليه وليس الى بيروت:
سألت: لماذا؟
أجاب: إذا أضيف الى قضاء عاليه أكون أنا النائب أما إذا أضيف الى بيروت فيستحيل أن أكون نائب لأن وليد بيك سيكون مُحرجا برشيد القاضي أو عصام نعمان.
أجبته: قبل أن أقنع الأمير طلال فأنا غير موافق على إضافة المقعد الى قضاء عاليه لسببين، الأول: الدروز هم أنشأوا دولة لبنان في التاريخ، وبيروت عاصمتها وليس لهم مقعد نيابي فيها ويجب أن يكون، والسبب الثاني أنه في عاليه قباضايات الحرب (وهم غير أبطالها الحقيقيين) أقوى منك، ولن يكون لك نصيب بينهم، ولا يجوز أن نُكافئهم بمقعد نِيابِي على تجاوزاتهم لكل قيم بني معروف في الحرب، لكني أقترح عليك مخرجا آخر.
قال: ما هو؟
قلت: سلّم على وليد بك وقل له عبدالله يقترح أن يكون المقعد في بيروت وأن يكون النائب المعيّن هو مدير مكتب وليد بك، يعني أنت يا أكرم.
أجاب: لن يقبل وليد بك بذلك، وأنا ما بسترجي قلّو هذا الكلام.
أجبت: ناقل الكفر ليس بكافر، قول لوليد بك عبدالله بيقترح هذا الكلام وليس أنت.
أجاب: لا، ما بسترجي قول له هذا الكلام.
أجبته: أنا لن أسعى بغير ذلك، وسأسعى به، وغادرت.

ولأن نشر الفضيلة حلال، في السنوات المظلمة وأثناء إقفال مطار بيروت، كان الصديق المهندس المرحوم نزيه شهيِّب يكلّفني بحمل مبالغ كبيرة من المال لإيصالها الى أكرم شهيّب الذي كان يومها معتمداً لمنطقة عالية في الحزب الإشتراكي، وكانت تلك المبالغ مساعدات غير مشروطة قطعيّاً من نزيه لأكرم إلَّا بشرط واحد كنت أُبْلِغه لأكرم: "هذه الأموال لكي تكفي عائلتك بالحلال كي لا تحتاج قطعيّاً، فلا نريدك أن تضطر إلى أموال تحت ضغط الحاجة، نُريدك نظيف الكف لأننا نريد أن تكون بعد الحرب بجانب وليد بك ولا شبهة عليك. فمعظم من حولك أجبَرَتْه الحرب على التَورُّط بالدم وبالمال المشبوه وهذا لن يكمل بعد الحرب".

عند الثامنة والنصف مساء الأربعاء 10/نيسان/1991 دخلت الى غرفة نوم الأمير طلال وكان مستلقيا على فراشه من وعكة صحيّة والى يمين الفراش خال عطوفته المرحوم صلاح بك جنبلاط والى يساره المرحوم فاروق عادل الجردي. وبعد التحية.

قلت: يا مير، في كلمتين على انفراد، فإِستأذًنَ الضيفان وأغلقنا الباب
أكملت: أكرم شهيّب يريدني أن أقنعك بأن توافق على إضافة المقعد الدرزي الثامن الى قضاء عاليه.
أجاب المير: بقدرش ليها، مبارح كان هون مروان (أي مروان حمادة) وبقي ساعتين يحارجني وقلتلو ما بقدر، مش ممكن، وأول مبارح كان هون الشيخ نعيم (المرحوم نعيم شهيب) ومعه وفد من عاليه وحاولوا كثيرا، قلت لهم المقعد لازم يكون ببيروت مش بعاليه. أنت شو رأيك؟.
أجبت: ريّحتني، أنا كمان رأيي إنو يكون ببيروت، ولكن عندي إقتراح.
قال: شو؟
قلت: يكون المقعد في بيروت ويكون النائب المعيّن هو مدير مكتب وليد بك.
أجاب على الفور: بيوافق وليد بك؟!
أجبت: وافق حضرتك بالأول بعدها منشوف رأي وليد بك.
قال: أنا موافق.
سألته: متأكّد؟؟
أجاب: شو عم بمزح!، نعم موافق؟
ثم سألت: يا مير، باخذ كلمتك؟؟
أجاب: أكيد، بتاخذ كلمتي، إذا بيوافق وليد بك أنا موافق، توكّل على الله.
وأنتهى الحوار وتمنّيت له الشفاء العاجل وغادرت.

صباح اليوم الثاني، إتصلت بالأمين عصام المحايري الى منزله في دمشق، وكان يومها رئيسا للحزب السوري القومي الإجتماعي، وأبلغته رغبتي بمقابلته عندما يحضر الى بيروت، وحضر بعد يومين واجتمعت به في مكتب الحزب، وكان يومها مقابل مستشفى نجّار في منطقة الحمرا.

قلت: موضوع المقعد النيابي الثامن للطائفة الدرزية، أريد مساعدتك ليكون هذا المقعد في بيروت وليس في عاليه، وأخبرته بما جرى معي.
فسألني: شو مصلحتنا بأن يكون المقعد في بيروت؟
أجبت: شو مصلحتنا أن يكون في عالية؟ بل أن بيروت هي العاصمة والدروز مؤسسوا لبنان، ليس لهم مقعد فيها، ثم أن ذلك يريح الأمير طلال، ويراعي كرامة وليد بيك. واضافة الى ذلك، فإن ترشيح قومي إجتماعي درزي في عاليه يضعه في المنافسة مع الزعامات الدرزية العريقة، أما في بيروت فلن يكون الوضع كذلك، وهذا يعطي الحزب القومي فرصة مستقبلية بأقل قدر من الحساسيات.
فأجاب: معق حق، لا مانع عندنا، أنا موافق. فأكّدت له أنني سأتابع السعي ليكون هذا المقعد في بيروت على أن يكون النائب المعيّن هو مدير مكتب وليد بك الذي هو أكرم شهيّب، وطلبت من الأمين عصام المساعدة بذلك لدى أصدقائه، وأنا سأبحث الأمر مع اصدقائي أيضا، لمعالجة الموضوع والوقوف على خاطر وليد بك. واكتفي بهذا القدر من التفاصيل؛ وتم تعيين أكرم شهيّب نائبا في بيروت عن الطائفة الدرزية سنة 1991.

سنة 1992 جرت أول إنتخابات بعد الحرب في لبنان، وترشح النائب المعيّن أكرم شهيب الى المقعد النيابي في عاليه. وترشّح أيضا في عاليه عن الحزب القومي شوقي خيرالله، وعادل الشعّار، ومنير شبلي. ونظرا لعدم وجود قيادة فاعلة للحزب القومي في الجبل أيامها، تحوّل بيتي الى مكتب لإدارة إنتخابات المرشّحين الثلاثة. مع العلم أنني خرجت من إدارة الحزب القومي منذ سنة 1976.

ونظرا للمودّة الأصيلة مع الأمير طلال، وفي سياق التشاور مانعت بشدّة تشكيل لائحة واحدة في تحالف بين الأمير طلال والقوميين الإجتماعيين وكانت كل الإحصاءات الإنتخابية تؤكد الفوز الساحق لهكذا تحالف، غير أنني، ولمعرفتي العميقة بواقع حال المنطقة طوال زمن الحرب، كنت مقتنعا ان تحالف كهذا سيحقق كسبا سياسيا كبيرا في المنطقة لكن هذا المكسب السياسي لن يمر قطعيا دون دماء غزيرة في كثير من الأماكن. فحسمت موقفي بأولوية السلم الأهلي على أهميّة المكاسب السياسية، وحين اتضحت الصورة بالكامل للأمير طلال، قبِل أيضا عن طيب نفس، الخسارة السياسية حفاظا على السلم الأهلي بين العائلات في المنطقة وهكذا كان وبإذن الله، تصدر لاحقا تفاصيل تلك المرحلة بكتاب فيه الحقائق.

ونعود الى النائب المعين أكرم شهيب المترشح في عاليه، وقبل أيام من موعد الإنتخابات، أرسل بطلب زيارتي، وأيضاً سرَّا الى المنزل في البنيه ليبحث أمور هامة، وتوافقنا فحضر عند العاشرة ليلا يرافقه إبن شقيقته حسام أنيس باز، وشقيق زوجتي نضال جادالله شهيّب وإبن شقيقتي فيصل فندي ضو، وللحفاظ على سريّة الإجتماع صعدنا جميعا الى الطابق الثاني في المنزل، وطلبت من زوجتي نوال أن لا يصعد أحد إلينا.

قلت: تفضل يا أكرم، ما الموضوع؟
أجاب: أريد أن تساعدني في ثلاثة أماكن، الأوَّل، العائلة، آل شهيّب، تعرف أن غالبيتهم لا يحبوني (مشيرا الى واقعة أليمة حصلت سنة 1980 لن نفصح عنها،) وهم يحترمون كلمتك ويحبونك، أريدك أن تساعدني ليكونوا بجانبي.
أجبت: توكل على الله، ما المكان الثاني؟؟
قال: لدى السوريين، تعلم أن كلمتك عندهم مؤثرة أكثر من كلمتي أيضاً.
أجبت:أيضا توكل على الله، والمكان الثالث؟
قال: الحزب القومي، لديهم مرشح درزي واحد، وأريدك أن تقنعهم بأن يضعوا إسمي للمقعد الدرزي الثاني.
أجبت: القوميين يعلمون جيدا أن مرشحيهم في عاليه لن يتمكنوا من الوصول الى النيابة، إنما ترشيحهم يهدف الى لملمة القواعد الحزبية في المنطقة التي بعثرتها سنوات الحرب، وبالتالي المقعدين الدرزيين محسومين للأمير طلال ولك، ومع ذلك لا أستطيع أن أطلب من القوميين إعطائك أصواتهم مجّانا، إنما أستطيع أن أقنعهم بتبادل الأصوات، تعطيهم بقدر ما يعطونك، ومهما أعطيتهم من أصوات فذلك لن يغيّر نتائج الإنتخابات.
أجاب: أنا لا أملك الصلاحيّة لهذا الموضوع.
قلت: من يملكها؟
قال: الرفيق سامي مرّوش، هو المكلّف بهكذا أمور.
قلت: جيّد، إجمعني بسامي مرّوش.

واتفقنا على اللقاء صباح اليوم الثاني. وهنا كانت الساعة قد بلغت الثانية عشرة ليلا، وإذا بزوجتي نوال تصعد الى غرفة إجتماعنا، وتقول لأكرم: ما بدَّك حدا يشوفك عنا انما شو بعملك، وصل فاروق الجردي (رحمه الله) وفيصل أبو حسن باعِثهُم الأمير طلال ليشوفو عبدالله، فقدّامك حلّين يا بِتنُط عن البرندا، أو بتنزل على الدرج وبتسلم عليهم.
فقرر أن ينزل على الدرج وتبادل الجميع التحيّة وغادر أكرم.

استقبلت الصديقين وكانا يحملان رسالة مودة من الأمير طلال على أثر إختلاف بالرأي كما أوضحت سابقا، ومودّة الأمير طلال لا سبيل لقطعها.
صباح اليوم الثاني تفضل الصديق وجدي مراد باصطِحابِي من منزل أكرم في عاليه الى مكتب سامي مرّوش، وتباحثنا بتبادل الأصوات، فأفاد سامي بأنه لا يملك هذه الصلاحيّة وعليه أن يعود لقيادته العليا ثم تبليغي. فأبلغته أن يفيد قيادته بأنني موافق على تبادل الأصوات لما فيه ترسيخ الأمن والسلم في المنطقة.

انقضى يوم وعاد اليّ سامي مروش بأنه وجد صعوبة في تحقيق ذلك، فأجبته أنني سأتصرف بما أراه مناسبا. وبالفعل توافقت مع الرفاق القوميين بأن نعطي الأولويّة للأمن والمودة بين الناس فى القرى على أي شيء آخر، فصدرت التوجيهات الى جميع قرى ومدن المنطقة بأن يستنسب القَوميون الإجتماعيون إقتراعهم بإتجاه منع حدوث أي تصادم أمني في القرى والمدن، وبأنه لا مانع إطلاقا في إعطاء المرشّح أكرم شهيّب أصواتهم، وهكذا حصد أكرم ما يزيد عن خمسة آلاف صوت، غير محسوبين معه، مما دفعه عند ظهور النتيجة الكبيرة لصالحه فجر يوم الفرز الى القول لمساعديه: اشكروا عبدالله ضو. (هذا ما أبلغوني على ذمتهم). لم ولا أطلب الشكر، عملت بقناعتي التي ذكرت.

انطلقت الحملات الإنتخابية في قضاء عاليه سنة 1992 ورماد المنطقة يرقد على جمر أكثر من خمسين ملف دموي داخلي، منذ سنة 1982 ولغاية 1992 وقد تمت معالجة الملفَّات الخطيرة منها في منزلي وكان الله خير معين. ولن أسترسل قطعيا في ذكرها. تنذكر وما تنعاد.

عندما احتدمت الحملات الإنتخابية للقوى والمرشّحين قرر المرشحون القوميون الإجتماعيون الحضور بزيارة مهرجانية الى مدينة عاليه. وهنا وقع الهم بالركب، عاليه مدينة الثقل القومي الإجتماعي قبل الحروب الأهلية أما بعد الحروب، فعاليه أصبحت مدينة الثقل الإشتراكي، وما بين تحوّل موازين القوى تاريخ من الجمر تحت الرماد. ثم أن أكرم شهيب طلب مساعدته في عائلة آل شهيب الكرام لأسباب يعرفها ولن نذكرها.

قررت مواجهة الموقف وطَوِي صفحة الحرب والجمر والرماد؛ وصلت الى بيت اكرم، وهو من طلب مساعدتي في المواقع الثلاث، وقلت له: غدا سوف يحضر مرشحوا الحزب القومي في زيارة شعبية لمدينة عاليه، وسوف يكون التجمّع في الجمعية فوق محطة شهيّب قرب البيسين وأريدك أن تكون معي في إستقبالهم قبل وصولهم.

فأجاب دون تردد: قاعة الجمعية صغيرة لا تتسع، لنجعل اللقاء في نادي عاليه فالمكان أوسع.
أجبت: لكن النادي يكتظ بأعلام الحزب الإشتراكي ولا أريد إستفزاز المشاعر.
أجاب: سأطلب من الشباب إزالة الأعلام وكل شعارات الحزب الإشتراكي.
أجبت: جيد، وأنا سأطلب من القوميين عدم حمل أي أعلام أو شعارات حزبية.

وهكذا نَفَّسنا أول جانب من الإحتقان. ولكن يبقى الملف الأعمق داخل العائلة، أمضيت طوال اليوم حتى منتصف الليل في متابعة التفاصيل حتى اطمأنيت الى ضبط الأمور، وعند منتصف الليل ذهبت الى منزل العم أبو مالك سعيد عبدالله شهيّب لإكمال المهمة، وكان العم أبو مالك يحمل على منكبيه اصعب ملفات هذا الإحتقان، ولن أذكر السبب، وقد علم بموضوع الزيارة الحاشدة للقوميين في اليوم التالي.

دخلت صالون المنزل وإذا العم أبو مالك (رحمه الله) يذرع الصالون جيئةً وذهابا وبجانبه صهره الأستاذ فؤاد زيتوني يحيط بهم أكثر من ثلاثين رجلا جالسين على المقاعد والوجوم يخيّم على الموقف. فخاطبت العم أبو مالك قائلا: عم بو مالك، غدا سيحضر مرشحوا الحزب القومي بزيارة حاشدة الى نادي عاليه، واتفقت مع أكرم أن يكون في استقبالهم قبل وصولهم، والان اريدك أن تكون بجانبي لتستقبل الفريقين قبل وصولهم الى النادي وليكون معك جميع الشباب الحاضرين.

لن تمحي الأيام هذا المشهد، والعم أبو مالك وقد تجاوز حينها السبعين من العمر، غمرني بشدّة، وشرع يطبطب بكفه على كتفي والغصّة بعينيه وهو يقول: يا جبّار الخواطر الله يهنّيك بعمرك، شلت عن ظهري حمل ثقيل.
مساء السبت وقبل الإنطلاق الى صناديق الإقتراع في اليوم التالي، أقام القوميون الإجتماعيون مهرجانا حاشدا أمام منزل المرشح منير شبلي في شملان، وكانت قد شاعت الأخبار أن القوميين سوف يعطوا أصواتا للنائب أكرم شهيّب.

في خضم هذا الحشد الكبير كنت أجلس على مقعد عند مدخل بيت منير شبلي منعزلا بين الحشود في استراحة محارب، وإذا بشاب نحيف يقترب ويجلس بجانبي، ويهمس في أذني: لو سمحت بدي شوف عبدالله ضو، سألته مين حضرتك؟ أجاب: أنا فلان (للأسف نسيت الأسم الأول) جنبلاط إبن خال الأمير طلال.

رحبت به، وعرّفته بنفسي، ولِبُرهةٍ لَحَظْتُه مُتردِّداً بما لديه، فأكدت له أنني أنا عبدالله ضو فافصح بما عنده: "الأمير طلال يريد أن يتأكد منك شخصيا عن مجرى الأمور؟"
فأجبته: سلم على المير وبارك له بالنيابة.
(وأنا أكتب هذه الوقائع، أعتقد أن هذا الشخص هو رشيد بك جنبلاط إبن صلاح بك جنبلاط شقيق الأميرة خولة؛ وكم وددت أن أتعرّف عليه أكثر، وقد أسَرَني بتواضعه ونبل تصرفه).

سنتجاوز مجريات الجحود والإنكار والفتنة في السنوات 1992 حتى 2000 ، حمل ثِقْلة عن القارئ.

في مطلع شباط سنة 2000 وكنت قد وقَّعت عقداً في القاهرة لإنشاء جزيرة عائمة في وادي النيل يقام عليها قاعة إحتفالات عائمة وباشرنا بإعداد الدراسات والتصاميم، جاءني صديق ممَّن يصنعون النيابة والوزارة ويحرمونها يُبلِغني أنَّ المقعد النيابي في إنتخابات سنة 2000 سيكون لي شخصياً."فحضِّر حالك وحاجته أكرم".

إعتذرت عن قبول المقعد النيابي، فذُهل صديقي وأصابته دهشة، وسأل: "هل يوجد لبناني يعتذر عن المقعد النيابي"، قلت نعم، عبدالله ضو، أجاب، أعطني سبباً مقنعاً، قلت، يا أبو علي، أنا أعمل بتكتُّم منذ سنة 1982 على تأسيس هندسة الجزر العائمة وقد أنجزتها بنجاح وحضرتَ أنتَ شخصياً إحتفال تسليمي الدرع الذي قدموه لي برعاية جامعة الدول العربية في القاهرة، وكل ما تبقّى من العمر لن يكفي لإتمام هذا الإنجاز بأبعاده العلميّة وإنشاء الصناعة الكبرى التي تقوم عليه، فأيهما أهم، التَلهِّي بمسرح الساعة العاشرة في البرلمان اللبناني أم بناء إقتصاد يبني وطن، ثم يا أبا علي، تعلم أني أفْنيتُ سنوات من العمر في غمار السياسة الوطنيَّة وذهبتُ لمحاربة إسرائيل، ولكن هذا الإنجاز في هندسة الجزر العائمة وصناعتها، هو ردِّي على تاريخنا من ألف سنة في التخلّف والجهل، وآن لأولادنا أن يتنعَّموا بثمرة عقول آبائهم على أرضهم بحياة كريمة وشريفة.

إقتنع أبو علي ونقل ما سمع الى مرجعه الأعلى، فكان الجواب: "عبدالله سابق العرب 20 سنة على الأقل دعوه وشأنه والبيت بيته".

لم يقتنع الشباب المرشّحين الى أي مقعد نيابي أو وزاري درزي بإعتذاري عن المقعد النيابي. وكان قد سبق وتاجر مسؤولون قوميّون كبار بإسمي لإبتزاز قوى سياسية للحصول على أصوات ناخبين دروز مقابل سحب ترشيحي (المزعوم) للنيابة في عاليه، وأنا يشهد الله أنني لا ناقة لي ولا جمل ولا علم بذلك إنما صيِّت وارتاح، لا بل، صيِّت وادفع ثمن المتاجرين بإسمك.

يشهد على ذلك اصدقائي من كبار ضباط الجيش اللبناني والدرك الذين كنت أدعوهم للسهرة والعشاء في منزلي في مطلع آب 1996 وكانوا يُجِيُبون بالإجماع لا نستطيع زيارتك بهذه المرحلة لأنك مرشّح على النيابة، والنظام لا يسمح لنا بزيارة المرشَّحين، ما عدا الصديق العزيز العميد سليم محمود إذ اشترط للحضور أن لا أعلن ترشيحي بالسهرة أو أنطق كلمة عن الإنتخابات. وشريط فيديو السهرة يوثِّق تصرّف الصديق العميد محمود بحضور 350 مدعواً عندما اطلقت "مزحة" عن الإنتخابات. وأنا حتى الآن لا أعلم من قدّم ترشيحي أو تفاوض على ترشيحي مع القوى السياسية المختلفة.

ومنذ شهر آذار سنة 2000 بدأت المصارف الدرزيَّة تخنق حساباتي ثم أخذ التضييق على مصادر رزقي يزيد إختناقاً، ثم جرى إتصال مع الجهة التي وقّعت معها العقد في القاهرة ينذرها بعواقب التعامل معي وهي جهة لها مصالح عملية وعائليّة في منطقة عاليه وسيأتي الوقت المناسب لأذكر أسماء المتصلين ولماذا هددوا، وانتهى الأمر بأن تلك الجهة أوقفت العقود وتسببت بخسائر بمئات ألوف الدولارات فوجدت نفسي في مطلع تموز 2000 فاقد القدرة على أي حراك مهني والبنوك الدرزيّة ترفض منذ مطلع سنة 2000 الإطِّلاع على العقود الموقّعة أو قبول الإعتمادات المصرفيّة رغم إقرار مدرائها المتخصصين بعدم وقوع أيّة مسؤوليّة أو مخاطر ماليّة على هذه البنوك.

وجدت نفسي في 4 تموز 2000 لا أملك ثمن الحاجيات الأساسية لعائلتي بسبب جريمة البنوك القاتلة، الى درجة أن مدير عام درزي لأحد البنوك قال لي بالحرف:"عم نضيّق عليك لأنك درزي"، ومدير آخر في بنك آخر له إمتدادات سياسية عريقة قال لي:"إذا مفكّر حالك طيابات إنت ووليد بيك، ...... (أعفُّ عن ذكر الباقي من كلامه)"، اتصلت بالصديق الذي إقترح ترشيحي للنيابة، فحضر الى لبنان في اليوم التالي واطلعته عما جرى، وطلبت منه أن يفيدني إذا كانت هذه ضغوط علي لكي انضم الى سياسة ما، فأجاب أعطني أربع وعشرين ساعة وأعود لك.

في اليوم التالي عاد وأكد لي بالحرف: لا وليد بك ولا الرئيس على علم بأي شيئ مما حدث، ولك حريّة التصرّف بما يحفظ ويُنقذ ما تقوم به، فأجبته: لا قدرة ماليّة عندي لأواجههم بالقضاء، وليس أمامي خيار إلّا بنقل المعركة الى السياسة، سأترشَّح ضد النائب أكرم شهيِّب في عاليه وأعلم أنني لن أصبح نائباً ولكن يجب أن أضع حد في الشارع لهذا التطاول المستمر من سنوات. فأجاب القرار لك فيما تشاء وستجدنا بجانبك. قلت شكراً لكم لن أكلفكم بشيئ.

تبرّع أصدقاء لمبلغ رسوم الترشيح وخضت المعركة الإنتخابية في عاليه تحت شعار من يريد إقفال بيتي يفتح القبور.

علمت، أن النائب أكرم شهيّب يرافقه صاحب مصرف وصهره الطامح للنيابة أو الوزارة أو أي منصب زمني أو ديني، ذهبوا جميعاً الى أحد أكبر المراجع الوطنيّة في لبنان وقال له أكرم بالحرف: "عبدالله ضو لازم ينخنق قبل ما يكبر حجمه"، وعندما واجَهَت زوجتي نوال أكرم بهذه الواقعة بحضور شهود نتحفّظ عنهم الآن، لقّنها أكرم ولقّن الحضور درساً بالرقصة الروسيّة كازاتشوك من كثرة ما قفز وقمز في صحن الصالون لشدّة إنفعاله من افتضاح سرّه الذي اعتقد أنه سيبقى مكتوماً.

وكان هذا الموقف على أثر الحرب التي شنها أكرم شهيب على نضال شهيّب في انتخابات بلدية عاليه سنة 2004 عندما باشر الحملة الإنتخابية بإبلاغ عائلة نضال شخصيا أن أكرم لن يقبل بنضال في البلدية لأنه يخص عبدالله ضو.

سأكتفي الآن بهذا القدر، وأختم القول، يا أبو عنتر، انصرف لحياتك ولا تلتفت لما فعلوه بك. أما الجزيرة العائمة، وقد أجمع العالم من المكسيك الى نيويورك الى باريس الى أثينا الى المملكة العربية السعوديّة الى القاهرة على أنها الخرق العلمي الأكبر عند العرب منذ زمن الفينيقيين والذي يفتح ألوف فرص العمل للبنانيين للعيش بعرق جبينهم بكرامة وشرف.
وأقول لسعادة النائب أكرم حسين شهيّب، رحم الله والديك، لحد هون وبس. أما ما فعله أصحاب السعادة والمعالي مروان وغازي وأكرم فوق ما أسلفت فأعف عن ذكره الآن وله وقته. لقد تجاوزت خسائر الجزيرة العائمة بسبب المستنوبين والمستوزرين من الدروز حتى الآن ما يزيد عن 20 مليون دولار. كفى.

سألت الأب سعد "بونا طرزان" رئيس مدارس الحكمة، وقد تجاوز الخمسة والثمانين من العمر، أبونا إختصر لي تجربة الحياة بكلمتين، فصفن قليلاً ثم أجاب: "كون وفي"
ختاماً، أعتذر من أهالي عاليه الكرام وبني معروف المُوَحِّدين، أعتذر عن المساعي التي بذلتها لمساعدة سعادة النائب أكرم شهيّب للوصول الى النيابة وجُلَّ من لا يخطئ.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة