لسنا من عشاق النظام في سوريا، كما اننا لسنا من عشاق اي نظام عربي ما دامت جثثنا (جثثنا السعيدة) تختال على تخوم القرون الوسطى في «لسان العرب» لابن منظور ان العربي في هذا الزمان... جثة ناطقة!
وليس بيننا وبين النظام التيوقراطي في ايران اي تقاطع ثقافي او ايديولوجي، لكننا لا بد ان نتوقف عند الظاهرة التكنولوجية هناك، والى الحد الذي يحمل دينس روس، الذي يستشهد به بافتتان بعض الكتاب العرب، على القول ضمناً ان السبب الحقيقي لموقف واشنطن من ايران ليس الجنون الايديولوجي بل «الجنون التكنولوجي».
والذي يثير ذهولنا ان مفكرين او كتاباً عرباً لا نشك في رصيدهم الثقافي، ولا في رصيدهم الاخلاقي، لا يجدون الشيطان سوى في النظام السوري، كما لو ان الانظمة الاخرى لا تحكم باخلاقية هولاكو وبأسنان هولاكو، مرة بالعصا ومرة.... بالمكرمة.
هؤلاء لا يعثرون على الشيطان ايضاً، لا في ما يدعى بـ «محور الممانعة»، لا ننفي ان اداء اهل النظام في سوريا مسؤول، بصورة او بأخرى، عن فتح الابواب امام حفاري الانفاق وحفاري القبور. ولا ننفي ان اهل النظام في ايران يستخدمون العربة المذهبية لاختراق المنطقة العربية (الخاوية اساساً) لاغراض جيوسياسية....
اذا كانت دمشق وطهران هكذا، لا مجال لاغفال دور المدينتين في مؤازرة لبنان على دحر الاحتلال والا كلنا الآن تحت احذية بنيامن نتنياهو وافيغدور ليبرمان وغاري ازنكاي....
وهذا لا يعني ايضاً ان نغفل، نحن الذين ندعي الثراء الفكري، البعد الوحشي في السياسات الغربية حيال منطقتنا التي لا تزال في حالة الاجترار القبلي في حين ان دولاً خارج المعسكر الغربي تراقص القرن يقيمة التكنولوجية والاقتصادية وحتى السوسيولوجية...
لا شيء البتة عن اسرائيل التي تعاملنا بتلك الغطرسة، بل وبتلك البربرية التوراتية، اذ لا عدو في دماغ وحيد القرن، ونكثر من الحديث عنه في هذه الايام، سوى النظام في سوريا الذي ليس، في اي حال، اسوأ من انظمة عربية كثيرة، وسوى النظام في ايران الذي يفترض ان تكون علاقتنا معه علاقة الجار للجار دون التغاضي عن تداعيات الصخب الايديولوجي في الجمهورية الاسلامية على المناخ السيكولوجي في المنطقة العربية....
كل هذا الكلام لا يغير في المشهد شيئاً بعدما تم تعليب مجتمعاتنا، وبعدما خضعت النخبة، للجاذبية المذهبية. ولكن، هل حاولنا ان نقرأ الاحداث في سوريا وفي العرق وفي اليمن بمنأى عن كل تلك الدراسات، والابحاث، الغربية التي تؤكد على اننا على عتبة زلزال سياسي وجغرافي وتاريخي، حيث دول عربية مهددة بالانشطار، وحتى خارج نطاق الدول التي تشهد حروباً اهلية او ما شاكل...
لا ننظر الى يدي ذلك الرئيس الفارغ دونالد ترامب. ابنه اريك ابلغنا ان شقيقته ايفانكا، زوجة جاريد كوشنير، بكل حمولته التلمودية، هي التي اثرت في قرار والدها توجيه الضربة الصاروخية الى سوريا...
لا تغيب الدلالات عن هذا الكلام، وان كنا على يقين مطلق بأن النظام في سوريا لم يستخدم القنبلة الكيمائية في خان شيخون، لكن الدلالات الكبرى تتراكم تدريجاً منذ عهد الرئيس جورج دبليو بوش، بتفكيك المنطقة، ودول المنطقة، ان لتأمين الحماية لاسرائيل، وحتى ظهور الماشيح، او للحيلولة دون اي تغيير يدفع تلك الدول نحو الحداثة بحيث تستثمر ثرواتها في بناء منظومات استراتيجية بعيدة المدى لا ان تبقى رهينة القناصل والاساطيل..
اولئك الجنرالات في ادارة ترامب الذين يتعاملون مع الشرق الاوسط (باستثناء اسرائيل) على انه مزرعة للعبيد، وهم الذين ينتمون الى ذلك الخط الذي يدعو الى الانهاك المنهجي للمجتمعات، وبالتالي الى تفكيكها قطعة قطعة...
هل هو البعد الانساني الذي يحمل واشنطن على دعم الحالة الكردية في الشمال السوري كما في الشمال العراقي، الى ابعد الحدود، في حين يتم التعاطي مع العرب، بمن فيهم التابعون للمعارضة السورية، على انهم مرتزقة ويخضعون لميكانيكية العرض والطلب...
لسنا في الاعصار بل في عين الشيطان، وخارج المعنى الديني للكلمة وانما بالمعنى الاستراتيجي (والوجودي). بالرغم من ذلك، كتاب ومثقفون لا ينظرون الى تلك البانوراما القاتلة الا بعين عرجاء...
لا مجال لان نستيقظ ونرمي العكاز جانباً، دول عربية وتراهن بل وتدعو الى الضربة الثانية، والثالثة، لسوريا، دون ان يستذكروا ما حدث للولايات المتحدة في فيتنام وفي افغانستان وفي العراق. ماذا تعني الضربة الثانية التي اذا ما حدثت فسيكون الانفجار الكبير. كلام كثير حول ما قيل لركس تيلرسون في موسكو «ايها السيد تيلرسون قل لدونالد ترامب اننا هناك».
هذا لا يعني ان سيناريو التفكيك، ومن ضفاف المتوسط الى باب المندب، سيتوقف...
اخترنا لكم



