مختارات

الثلاثاء 04 نيسان 2017 - 07:10 الديار

عبقريّة المكان

عبقريّة المكان

«الى اين يمشي بنيامن نتنياهو على ظهورنا؟». السؤال لصحافي فلسطيني يقيم في الدانمرك، مستعيداً احدى اساطير الفايكنغ التي تقول ان اله الهواء يحمل جثث الموتى الذين يقضون على اسرّتهم الى قاع الارض. هناك تتحطم عظامهم...

سألنا ما اذا كان اله الهواء على قيد الحياة ليحمل جثثنا الى قاع الارض. قال الصحافي الفلسطيني «لا داعي لذلك، لقد ولدنا في القاع وتتحطم عظامنا في القاع».
الصحافي اتصل بي، تعليقاً على مقالة «كرنفال العراة»، وقال «لا يكفي ان تهيل الكلمات على اولياء امرنا. انا شخصياً اهيل التراب».

ذكّرني بأن اربعين عاماً انقضت على قرار مجلس الامن الدولي رقم242 و 24 عاماً على اتفاق اوسلو، وخمسة عشر عاماً على قمة بيروت. ماذا في قبضتنا سوى الغبار؟
سؤاله الاكثر حساسية كان «هل بلغ العرب ذلك المصطلح الذي يحكم لعبة القوة، كما لعبة المفاوضات: توازن القوى؟».

هو المقتنع بتوازن القوى (فلسطينياً) بين الحجر والقنبلة النووية. عربياً,اين هو توازن القوى بين السيف المرصع بالذهب والقنبلة النووية؟...

امنيته ان يخرج العرب القضية الفلسطينية من بين اسنانهم. في نظره ان القضية باتت رهينة حكايات شهرزاد او مقامات بديع الزمان الهمذاني..

لكنه يعتقد «ان ثمة غضباً يتكدس. العرب وصلوا الى آخر نقطة في القاع». لابد ان تحدث ردة الفعل المدوية يستدرك «هل انا احمق الى هذه الدرجة لأتفاءل؟»...



الآن، قرار العرب اعادة البهاء، والدينامكية، الى القضية الفلسطينية. كيف؟ باحياء المبادرة الديبلوماسية التي تبنتها قمة بيروت عام 2002.
الواقع ان القمة اطلعت رصاصة الرحمة على المبادرة حين ارتفع صوت يصر على ان يلحظ بند العودة فيها بعدما كان الامير فهد بن عبد العزيز قد حصل على تعهد من ياسر عرفات بتجاوز مسألة العودة، حتى كورقة تكتيكية، لانها تعني بقاء القضية في الثلاجة الى الابد. هذا هو رأي توماس فريدمان، الصحافي الاميركي الذي صاغ المبادرة.

آنذاك، صُعق ادوار سعيد لان المبادرة طرحت الخيار الديبلوماسي كخيار وحيد، فيما هنري كيسنجر اطلق معادلة الدبابة والحقيبة، وهي المعادلة التي طبقها المبعوث الاميركي ريتشارد هولبروك الى البلقان...

المفكر الفلسطيني الفذ سأل كيف يمكن للديبلوماسية ان تخطو خطوة واحدة في اتجاه الحل دون ان يشعر الاسرائيليون بالبديل الذي يفترض ان يكون البندقية...

وكان رأي صائب عريقات ان مصر استعادت شبه جزيرة سيناء في منتجع «كامب ديفيد». هذا يستدعي، بطبيعة الحال، الذوبان في لعبة الحاخامات، مع ان «كبير المفاوضين» يعرف، في العقل اليهودي، ما الفارق بين الفلسطيني واي عربي آخر، وما الفارق بين «يهودا» و«السامرة» او بين القدس واي منطقة اخرى في العالم...

حين غادر محمود عباس قمة البحر الميت ماذا حمل في حقيبته سوى الاوراق (والقرارات) الميتة؟ اين هم العرب حين تكون سوريا اقرب ما تكون الى الحطام، وحين يكون العراق على رقعة الشطرنج، فيما حرب اليمن صنعت اساساً لاستنزاف ما تبقى من ثروات العرب، ومن صناديق العرب. واقعياً، لاستنزاف ما تبقى من.... العرب.

لسنا نحن الذين نقول بل المؤرخ الاسرائلي بني موريس الذي يلاحظ الغياب الكامل لمعادلة توازن القوى بين الدول العربية واسرائيل، بل يكاد يسأل ما اذا كان العرب موجودين على الخارطة الاستراتيجية ليدفعوا في اتجاه التسوية الديبلوماسية .الرد جاء مباشراً وصاعقاً: مستوطنة جديدة هدية الى القمة...

ماذا يعني، اذا، الرهان على «الرؤوس الحريرية» اذا كان بنيامن نتنياهو على الجانب الآخر، واذا كانت العلاقات الاستراتيجية والاستخباراتية السرية بين دول عربية واسرائيل في ذروتها بعدما تم «تتويج» ايران الدولة الوحيدة التي تهدد وجود العرب؟...

الكاتب الاسرائيلي ديفيد غروسمان، وقد قتل ابنه في حرب 2006 ورأى الجنود الاسرائيليين ينتحبون في وادي الحجير، هو من قال «بعد الآن، الحرب انتحار لان ثمة من قرر ان يقاتلنا حتى باظافره».

قرارات من دون اظافر، لا بل قرارات عارية القدمين في هذه الادغال. الببغائية تحكم قممنا في احسن الاحوال. الآن نحن في اسوأ الاحوال. حبذا لو اتخذت القمة قرار بوقف العمل بالقضية الفلسطينية لمائة عام...

مائة عام كافية لتنقلب الدنيا، وقد ننقلب معها. والا فلتتوقف لعبة الهباء لاننا الآن في قاع الدنيا، وبحسب علمنا في قاع الآخرة. لن يتزحزح الحاخامات قيد انملة ما دامت قنابلنا لا تدك سوى بيوت الاهل وعظام الاهل.

كانت هناك قمة على البحر الميت. المفكر المصري الرائع جمال حمدان كتب عن «عبقرية المكان». المنطقة التي عقدت فيها قاع الارض. قلنا... عبقرية المكان !!

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة