هل يضع حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، استقالته في تصرف رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون في 31 تموز المقبل، أم سيعاد تعيينه للمرة الرابعة على التوالي لمدة 6 سنوات مقبلة؟ وإن تم الإجماع على التمديد لسلامة، فهل ستكون مرحلة التجديد للحاكم منوطة بشروط صارمة يفرضها حزب الله في بداية "العهد الجديد" بعدما بات معنياً بهذا الموقع نتيجة ارتباطه مباشرةً بملف العقوبات المالية الأميركية على الحزب؟
أسئلة وتكهنات كثيرة يتم تداولها في كواليس الأوساط المصرفية مؤخراً بعد حالة الغموض والضبابية التي خلفها اللقاء الأخير بين سلامة والرئيس عون حول مصير مركز الحاكم بعد منتصف العام الجاري، إذ لم يعده الرئيس بتمديد أو تجديد، ولم يبلغه في المقابل أي قرار بالاستغناء عنه وتعيين بديل.
وإن كانت بعض المصادر المصرفية تتحدث عن توتر في العلاقات بين الطرفين، ووساطات على خط بعبدا – مصرف لبنان أثمرت اجتماع الجمعة الماضي، غير أن مصدرا مقربا من الحاكم نفى ما يتم تداوله في الصحف المحلية عن خلاف بين الحاكمية والرئيس، دون أن ينفي في المقابل وجود مساومات وقطب مخفية يتم "حياكتها" تحت الطاولة من قبل بعض المصارف الممتعضة من العمليات التي نفّذها مصرف لبنان مع المصارف تحت مسمى "الهندسة المالية" على حد تعبير هذه الأطراف، والتي درّت أرباحاً على بعض المصارف دون سواها.
ولكن تعود هذه المصادر لتحذر من تداعيات "المماطلة" في بت هذا الملف، سواء بالتمديد أو بالاستغناء، وتعيين حاكم جديد للمصرف المركزي في مهلة أقصاها 30 نيسان المقبل، "رحمةً" بالأسواق وللحفاظ على استقرار الليرة اللبنانية "لتفادي سقوط العمود الفقري للاقتصاد اللبناني"، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي في البلاد لا يحتمل تطبيق قاعدة "لا معلق ولا مطلق".
وبحسب مصادر مطلعة، فإن قوى بارزة في الدولة اللبنانية باشرت التداول بأسماء مرشحين لخلافة سلامة، من بينهم مرشحون بارزون يعملون في لبنان والخارج، ويملكون مهارات عالية في إدارة السياسة النقدية والمالية.
منصور بطيش.. أبرز المرشحين
وتشير المعلومات، إلى أن أبرز المرشّحين لخلافة سلامة هو المصرفي من مجموعة "فرنسبنك"، منصور بطيش، الذي يتولى رئاسة لجنة الدراسات في جمعية المصارف، علماً أنه من أبرز المحسوبين على الرئيس عون، حيث تواردت معلومات منذ أواخر ديسمبر الماضي عن دعمه لـ"بطيش" رغم عدم الإفصاح علنياً بالأمر.
آلان بيفاني خلفاً لسلامة؟
ومن بين الأسماء المطروحة أيضاً، المدير العام لوزارة المالية اللبنانية آلان بيفاني، وهو أيضاً من مناصري الجنرال عون، وهو الذي ظهر على لائحة العونيين في بلدية بيروت ضد الحريري في العام 1997.
واللافت هو مباشرة الهيئات الاقتصادية وجمعية المصارف وتجمعات رجال الأعمال عملية الدعم لبقاء سلامة. ونوهت بالسياسة الحكيمة التي انتهجها مصرف لبنان، والتي أمّنت الاستقرار المالي والنقدي على مدى السنوات الطويلة الماضية، وذلك على الرغم من الظروف السياسية والأمنية التي مر بها لبنان على مدى السنوات الماضية.
الخيارات المطروحة
في خضم هذه التكهنات المبعثرة من هنا ومن هناك، فإن المؤكد هو أن لا قرار في الحسم والبت بمصير الحاكمية حتى الآن، ومن الخيارات المطروحة للتشاور في حال حسم القرار بالتغيير هو احتمالية التمديد للحاكم رياض سلامة لمدة سنتين لتأمين الانتقال "السلس" إلى الحاكم الجديد، خصوصا أن أي عقوبات جديدة قد لا يكون حاكم جديد جاهزاً للتكيف معها، إذ إن سلامة كسب خبرة طويلة في التعامل مع المؤسسات الدولية، والأميركية تحديدا.
الأسباب والخلفيات
في الواقع، بدأت "الحملة التشويهية" لصورة الحاكم رياض سلامة في حزيران 2016، حيث وصف مسؤولو حزب الله المصارف اللبنانية آنذاك "بالمتواطئة" للنيل من المقاومة وجمهورها، مشككين في مواقف سلامة "الملتبسة والمريبة"، على حد وصفهم.
فجاء التفجير الذي استهدف بنك لبنان والمهجر العام الماضي ليوجه رسالة واضحة إلى الحاكم، وسياسته "الحكيمة" نظراً للقيود المشددة التي يفرضها المصرف المركزي في لبنان على شركات تحويل الأموال عبر تطبيق المعايير الدولية المتبعة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بعدما زاد الخناق على حزب الله تزامناً مع إغلاق حسابات مصرفية لمسؤولي الحزب مشبوهة بتورطها بأعمال غير قانونية.
ثم كانت عمليات الدهم "الناجحة" التي نفذتها الأجهزة الأمنية اللبنانية حديثاً لمؤسسات صيرفة وشركات مالية في بيروت بعد الاشتباه بتحويلها مبالغ مالية ضخمة خارج لبنان تصل إلى مجموعات إرهابية، بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة لهؤلاء، نظراً لحصانة القطاع المصرفي اللبناني من أي عمليات مشبوهة.
أما الخلفية الأخرى وراء المحاولات الحثيثة لإزاحة سلامة من سدة الحاكمية، هو ما تم تداوله مؤخراً في الصحف المحلية المحسوبة على حلفاء حزب الله، مدعيةً أن عمليات خاصة نفّذها المصرف المركزي لبنك "ميد" أو بنك البحر المتوسط، الذي يملكه الرئيس سعد الحريري، درّت عليه أرباحاً استثنائية طائلة بنحو 575 مليون دولار، وذلك في إطار دعم واضح للحريري، لمساعدته في الخروج من أزمته المالية.
استغلت هذه الصحف العلاقة القوية التي كانت تجمع الراحل رفيق الحريري بسلامة لتطلق حملة تشويهية ممنهجة ضده، بعدما كان الأخير قد التحق بشركة "ميريل لينش" المالية العالمية في باريس وتدرج فيها، حتى تم تعيينه في لبنان حاكما للمصرف المركزي في العام 1993 عندها شكل الرئيس رفيق الحريري أول حكومة له بعد الحرب الأهلية.
تستنكر المصادر المقربة من الحاكم هذه المزاعم التي لا صلة لها بالواقع على الإطلاق، مؤكدةً أن سلامة قد نقل إلى الرئيس عون في الاجتماع الأخير أرقاماً عن التكلفة التي يتكبدها مصرف لبنان يوميا للمحافظة على استقرار الليرة، وهو ما دفعه إلى إجراء هندسة مالية بعدما تراجع لديه الاحتياط بالعملات الأجنبية، محذرةً من أن الاستمرار في المراوحة من دون اتخاذ قرار بالتغيير أو بالتثبيت مضرٌ بالوضع المالي، الرمق الأخير للدولة اللبنانية.
اخترنا لكم



