"ليبانون ديبايت" - المحامية رانيا إيليا نصرة:
الدكتور انطوان زخيا صفير هو محام دولي، حائز على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة باريس ديكارت يدرس حاليا مادة القانون الدولي العام في جامعة القديس يوسف وجامعات أخرى في لبنان. محاميٌ منتسب الى نقابة المحامين في بيروت وباريس. وهو محام أمام المحكمة الجنائية الدولية؛ عضو في اللجنة الوطنية لليونسكو، مستشار الشؤون القانونية الدولية أمام اتحاد المصارف العربية وعضو في العديد من الجمعيات المهنية والأكاديمية، كما أنه عضو في الرابطة الدولية للقانون الدستوري والجمعية الفرنسية للقانون الدولي. بالإضافة إلى ذلك، تحدث الدكتور صفير في العديد من المؤتمرات القانونية والمصرفية في لبنان والخارج، ونشر العديد من المقالات في القانون الدولي والدستوري .
يستقبلنا في مكتبه بديناميته المعهودة وايجابيته المستفزة في ظل الوضع الإنتخابي المكتنف غموضاً، لا ينتظر أن نبادر بالحديث معه بل يتوجه الينا بكل عفوية بفيض من الاسئلة حول المهنة والدراسة والعمل الصحفي وهو في الوقت عينه يعاين بريده الالكتروني ويرد على الرسائل على هاتفه الخاص ويتلو على مساعدته الخاصة لائحة مهام، ويكتب سريعا استشارة قانونية لأحد الأقرباء ويقرأ بشكل دياغونالي مقالة بالفرنسية في احدى المواقع الالكترونية الشهيرة متابعاً بدقة ما أسرده عليه.
ولكن الدكتور صفير يبدو ايجابيا في كل شيء عدا ما يحمله في فكره القانوني المارد حول مصير لبنان في ظل الوضع السياسي الراهن لاسيما خضوع الناخب اللبناني لهيمنة القوى السياسية المسيطرة على المشهد اللبناني منذ سنوات وتجدد لنفسها لأن القانون الانتخابي في لبنان قانون مقفل لا تنتج عنه سوا المحادل والبوسطات السياسية.
في هذا الاطار يباشر الدكتور صفير حديثه مشيراً الى ان قانون الانتخاب هو من القوانين الاكثر ثباتا في النظم الاشتراعية وأبرز دليل على ذلك ما نحن بصدده اليوم في اشارة منه الى قانون الـ 1960 الذي ما زال مطبقا بعد 50 عاما، لذلك يرى أنه لدى إقرار أي قانون إنتخابي يتوجّب على القوى السياسية أن تأخذ خيارها لليوم وللغد بمعنى آخر إن تركيبة لبنان هي فدرالية طائفية وعليه يكون من البديهي لدى اقرار اي قانون بأن يؤخذ بعين الإعتبار مبدأ المساواة بين المناطق، فهل طبيعي أن تقترع دوائر لنائبين ودوائر أخرى لثمانية؟
يعتقد الدكتور صفير بأنه يوجد مشروعين من الممكن أن يوصلان إلى الهدف المنشود.
أولاً: مشروع one man one vote أو one man two votes يُعتمد حين يكون عدد المرشحين داخل الدائرة الواحدة أقل من أربعة مرشحين ويؤدي هذا النظام الإنتخابي إلى عدم تجيير أية أصوات بواسطة البوسطات الإنتخابية, ولكن تكمن خطورته بأنه يجب أن تواكبه رقابة قوية على الإنفاق المالي لأن العملية الإنتخابية تصبح بموجبه ضيقة كثيراً بحيث يكون للمال دور في إفساد صحة الإنتخاب خصوصاً أن المعركة الانتخابية تكون محصورة بإيصال مرشح أو مرشحين.
يتابع الدكتور صفير مؤكداً على أن دولاً كثيرة مرت بمخاض طويل قبل إعتماد القانون الأمثل في نظامها التشريعي ومنها فرنسا التي إختبرت عدة أنظمة إنتخابية قبل أن تعتمد نظام الدائرة الفردية كذلك كندا وأميركا.
أمّا عن الدائرة الواجب اعتمادها في لبنان يعتقد الدكتور صفير بأن الأفضل هو اعتماد الدوائر الوسطى، لأنه في حال إعتماد الدوائر الصغرى سيؤدي ذلك حتماً الى تكريس الشأن الطائفي واعطائه إطاراً أكبر، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فلو ترشّح على سبيل المثال عن دائرة واحدة مرشحاً تأتي به مجموعة من الأصوات مؤلفة من 10.000 ناخب، يصبح من السهل الوصول إلى بعض أفراد هذه الشريحة من الناخبين ممن يمكن أن يبيع ضميره عبر قبول الرشوة الانتخابية، فنكون ما زلنا أمام المشهد السياسي القديم واعادة انتاج الكادرات نفسها كالتي أفرزها قانون الستين! وعليه يصبح ملزما لدى دراسة اي قانون انتخابي الأخذ بمعايير قانونية جديدة تجعله متوازٍ ودستوري وقادر على ملاءمة التعددية اللبنانية.
أمّا المشروع الآخر فهو قانون النسبية. يعبّر الدكتور صفير عن عدم اقتناعه شخصياً بإمكانية تطبيقه في ظل نظام طائفي، مؤكداً أن أي كلام عن رفع القيد الطائفي هو كلام يفتقد إلى الجدية وبالرغم من ما كرسته الحرب اللبنانية من تشرذمات طائفية على كامل مساحة الوطن لكنها لم تستطع ان ترسّخ في النفوس ضرورة الغاء الطائفية السياسية!
وبالنسبة لمشروع القانون المختلط يقول صفير أنه نوع من السياق يتوجب لإعتماده الإرتكاز على معايير بالحد الأدنى على سبيل المثال فيما لو كان عدد المرشحين داخل دائرة معينة أقل من أربعة يتم الإقتراع وفقاً للنظام الأكثري وفي الحالات الأخرى يُنتخب قسم من المرشحين وفقاً للأكثري أمّا القسم الآخر وفقاً للنسبي، معرّجا على مسألة التمثيل الطائفي في لبنان. وهو في هذا الاطار يشير الى أنه فيما لو كنّا نريد تمثيل الطوائف فقط دون أي معيار آخر فلنذهب إذاً إلى القانون الاورثوذكسي، ففي العام 1972 كان قانون الستين هو المطبق وكان يوجد دوائر كاملة مسيحية وأخرى كاملة مسلمة على سبيل المثال دائرة بشرّي يمثلها نائبين موارنة ودائرة كسروان ترشّح عنها أربعة نواب موارنة ينتخبهم 99% موارنة ورغم هذا التمثيل المذهبي كان نواب تلك الحقبة الأكثر إعتدالاً وظلّوا الشاهد الوحيد على الشرعية ولم يذهب أحد إلى التطرف رغم تمثيلهم لمنطقتهم بالشكل المذهبي.
إذاً ليس الناخب هو الذي يجعل ممثله مذهبياً إنما إلجو العام في البلد يجعل المواطن مذهبي من عدمه وبالتالي يؤكد صفير أن الموضوع ليس متعلقاً بقاعدة مذهبية بل يجب إعتماد معايير أخرى للوصول إلى التمثيل الصحيح والمتوازن على كافة أرجاء الوطن وهو اذ يشير الى وجود مشكلة بين المذاهب ولكن المشكلة الحقيقية باعتقاده تكمن بضرورة إصلاح النظام السياسي.
أما بالنسة لتقسيم الدوائر وفق القانون الانتخابي العتيد، يعتقد الدكتور صفير أنه يجب المحافظة على الدوائر بعددها الحالي مع إعتماد النظام المختلط بشكل أن يصار إلى تزاوج بين المعايير يؤدي إلى تجديد الحياة السياسية مشيراً الى أن الطبقة السياسية في لبنان تولّد نفسها فلا يجوز أن نكمل على هذا المنوال وبالتالي إمّا أن يصار إلى ثورة شعبية من أجل تغيير الطبقة السياسية وهذا غير وارد وإمّا أن تتغير هذه الطبقة عبر صناديق الإقتراع أي أن يتم اقرار قانون انتخابي جديد متسائلاً هل يوجد دولة في العالم لا يمكن تغيير الطبقة السياسية داخلها لأن القانون الانتخابي لا يسمح بذلك؟
ويستشهد الدكتور صفير بأنظمة الانتخابات الابتدائية (Primaire) المعتمدة داخل الأحزاب الفرنسية والتي تتمثل بترشيح عدد من الشخصيات السياسية من داخل حزب معين والتصويت من قبل الحزبيين بموجب عملية لاقتراع داخلية لمعرفة من هي الشخصية الحزبية الأوفر حظا والأكثر شعبية لخوض المعركة الانتخابية الرئاسية فيما بعد وبالتالي ان هذه الانتخابات الابتدائية مهمة وذلك باعتبار أن الناخب يوصّل من خلالها رسالة إلى أحد المرشحين بأن لا يترشح للانتخابات الرئاسية وبأنه غير مقبول... وهذا تعبير ديمقراطي يتجلى بالسماح لصوت الناخب للتعبير عن إرادته الحقيقية وإلا لا قيمة له. لا أعتقد، يستطرد صفير، أن هناك جدية لطرح القانون النسبي فهناك الكثير من القوى السياسية لا تريده لإعتبارات كثيرة منها أنه لربما سيقطع الطريق أمام بعض الشخصيات السياسية من أن تتمثل مجدداً داخل الندوة البرلمانية.
أما عن الكوتا النسائية يدلي الدكتور أنطوان صفير أنه ضدها لأنها تحجيم لدور المرأة فبرأيه إن ثقافة الشعوب لا تُفرض عليها بل تؤخذ رويداً رويدا، ويعتقد أنه فيما لو أُعتمدت الكوتا النسائية شأن ذلك كمن يقول للنساء أنني لو لم أحفظ حقكم بموجب القانون لما كنتم وصلتم! يجب على المجتمع ان يطلّق الذكورية وعلى الشعب اللبناني تقبل فكرة مشاركة المرأة وحضورها داخل المجالس النيابية ففي جميع الأحوال بدأت اليوم الأحزاب تُعيّن إناث في مواقع قيادية وعلى سبيل المثال تمثّلت الدكتورة عز الدين عن حركة أمل في الحكومة كما استشهد بحزب القوات اللبنانية التي تشغل الدكتورة شنتال سركيس فيه مركز الأمين العام... وعليه يعتقد صفير أن الأمور بدأت تنحو باتجاه مشاركة أوسع للمرأة بالشأن العام.
وهو يؤكد على ضرورة إعتماد البطاقة الإنتخابية المطبوعة سلفاً. أمّا عن تخفيض سنّ الإقتراع فهو يؤيده رغم أنه غير متأكد من أن وزارة الداخلية والبلديات على جهوزية لإصدار قوائم انتخابية صحيحة تضم الفئات الشبابية بين سنّ الثماني عشر والواحد والعشرين فيما لو أُقرّ بند تخفيض سنّ الإقتراع وإعتماده لهذه الدورة لأن الأعداد ستكون كبيرة جداً.
أمّا عن إقتراع اللبنانيين في دول الإغتراب فهو يتبنّى قانون الإتنخاب الحالي في البند المتعلق بضرورة إشراك لبنانيين في الاغتراب بعملية الاقتراع، لأن هذا الحق هو حق دستوري مشيراً الى أنّ الدولة لم تشجع إقتراع هؤلاء وهناك العديد من الأشخاص لم تقم بأي دور ايجابي لمصلحة تحقيق هذا المشروع وكما أن الفرنسيين لديهم ممثلين في دول المهجر كذلك يجب أن يكون لللبنانيين المنتشرين بشكل كثيف بالعالم ولكنه يدلي عن تخوّفه من شرذمة الجاليات اللبنانية سياسيا في دول الإغتراب لكي نأتي بنواب بين هذا وذاك.
يختم الدكتور صفير حديثه بأنه في حال إعتماد قانون إنتخابي جديد سيُصار إلى تمديد تقني حتى ايلول او تشرين الاول وحتّى الساعة يبدو جلياً أن رئيس الجمهورية ماضياً بشكل جدّي إلى إقرار قانون إنتخابي جديد والرئيس عون لا يمزح بشأن الاصلاح السياسي في لبنان الذي باعتقاد صفير يجب أن يكون بالحد الأدنى لنستطيع القول بأن هناك شراكة بين الللبنانيين وهناك ميثاقية محترمة وإمّا نحن جماعة نضحك على بعضنا بشكل مستمر ولن يًنتج عن ذلك إلّا الأزمات لذلك يتوجّب على الأفرقاء السياسيين الذين أسماهم صفير بأولياء الأمر أن يذهبوا إلى قانون إنتخابي جديد مع معايير مقبولة على أن يكون المجلس الجديد مدعّماً بوجوه جديدة قادرة أن تصل من خلال قانون إنتخابي عصري وديمقراطي وليس بواسطة قانون إنتخاب مقفل نتائجه معلّبة.
اخترنا لكم



