ليبانون ديبايت - د.دوري ضو
منذ نهاية الحرب الأهلية ونحن نسمع مع تشكيل كل حكومة او تغيير كل عهد عن ضرورة تعبئة الشغور في الإدارات العامة ومن ضمنها تعيين الوظائف الكبرى في الدولة.
مشكلة التعينات في الإدارة ليست ولم تكن يوماً مشكلة ادارية او مشكلة كفاءة او حتى عجز وظيفي.
كلنا يعلم مدى تورط القوى السياسية في ميزان القوى داخل الإدارة ضمن نظام الزبائنية والمحسوبية الذي تفاقم بعد الحرب الأهلية.
الإدارة العامة اليوم تفتقد كفاءات ومؤهلات كثيرة ويمكنها اذا ما احسنت استقطاب هذه الكفاءات ان تساهم بشكل فعال في القضاء على ازمة بطالة الخريجين والبطالة بشكل عام كما المساهمة بشكل فعال في الحد من اثر هجرة الأدمغة.
عام 1959 انشأت الدولة مجلس الخدمة المدنية والمناط به ان يلعب دور مؤسسة الموارد البشرية للقطاع العام.
لقد كان هذا المجلس شديد الفعالية خلال ما عرف بالمرحلة الشهابية وبدأ دوره بالتضاؤل ثم الاضمحلال مع مرور الزمن حيث يقتصر دوره اليوم على مباريات التعيين.
ان علم الموارد البشرية لا يمكن بأي شكل من الأشكال حصره بوظيفة اجرائية ثانوية لا تفي بالحد القليل من حاجات القطاع العام لإدارة الموارد البشرية.
تعني الموارد البشرية على الصعيد الحكومي تحديد الشواغر والبحث عن الكفاءات المناسبة وتحديد هيكل تنافسي للأجور والتدريب وتطوير كفاءات الموظف وتقييم الإداء عبر الاعتماد على مؤشرات الاداء الرئيسية (Key Performance Indicators)واقتراح الترقيات بناءً على الأداء والمكافآت والتخطيط الاستراتيجي للحاجات من الموارد البشرية.
اضف الى ذلك ان المشكلة تصبح اكثر عمقاً اذا ما تطرقنا لموضوع التعيينات في الفئة الأولى من الموظفين.
تأتي هذه التعيينات بناءً لعملية تقاسم سياسي بين اطراف السلطة بحسب حجم وحصة كل طرف. لذلك تغيب أولاً عن اسسس هذه التعيينات معايير المنافسة بين الكفاءات الكثيرة الموجودة ضمن الكادر المتعلم والمجرّب في لبنان.
ثانياً يغيب التقييم القائم على الكفاءة وثالثاً تغيب الأجور التنافسية مع المراكز المشابهة الموجودة في القطاع الخاص.
فهل يعقل ان تكون قيادات الجهاز المدني للدولة محسوبة على اساس الحصص والمحسوبية؟ وهل التوزيع بهذه الطريقة ممكن ان يؤدي الى قطاع عام منتج وهل استمرار القطاع العام في استبعاد الكفاءات ودفعها للبحث عن فرص خارج البلاد يمكن ان يساهم في اقامة اقتصاد يقوم على كفاءة وانتاجية ابنائه؟
ان تعبئة الشغور في مراكز الدولة وبالأخص في مراكز الفئة الأولى هي عملية تقنية وليست سياسية يجب ان تدار من قبل خيرة الكفاءات في البلد اما عبر ضم اخصائيين ذات تعليم حديث ومستوى رفيع كأساتذة الجامعات وبعض المدراء الشهود بنجاحهم في القطاع الخاص الى مجلس الخدمة المدنية او عبر التعاقد مع هؤلاء من قبل المجلس لأهداف استقطاب افضل الكفاءات لتعبئة شواغر القطاع العام.
اني على دراية تامة بأن القيّمين على مجلس الخدمة المدنية يعرفون هذا الواقع وهذه الحاجات تماماً، لكني على دراية ايضاً بأن هذا المجلس مستضعف وغير مسموح له ان يقوم بدوره كما تحدده اصول ادارة الموارد البشرية في العالم الحديث.
ان تسلط السياسة على الإدارة قد بلغ حداً غير مسبوق ويؤمل من العهد الجديد المفعم بأمال الشعب بالإصلاح ان يكون له رأي في موضوع مجلس الخدمة المدنية ومستقبل الإدارة في لبنان.
اخترنا لكم



