كانت جوان باييز، مغنية اليسار الأميركي في السبعينات، ولعل أشهر ما أ ّدت (من تأليفها) أغنية عن ظلم القضاء الأميركي في فيلم «ساكو وفانزيتي». وظهرت أفلام كثيرة أخرى عن انحراف القضاء، أو جهل القضاة، أو فسادهم، منها «الصفحة الأولى». وربما كانت أسوأ مراحل الانحراف القانوني أيام السيناتور جوزيف مكارثي، الذي ترأس لجنة خاصة في مجلس الشيوخ (1947 – 1957 (تُحّقق في «وطنية» الأميركيين وميولهم الشيوعية. وقد نشر الرعب في البلاد على طريقة «الشتازي» في ألمانيا الشرقية، إذ ألّب الأخ على أخيه، وحّرض الزوجة على زوجها، ودّمر سمعة وحياة كثير من الشخصيات الأميركية في الفنوالسياسة والاقتصاد.
إذن، القضاء الأميركي ليس فوق الشبهات. لكن الحرب الحالية بين ترمب والقضاء تؤكد أنه ليس تحتها أي ًضا. والحرب تؤكد أي ًضا أن الانحراف شذوذ القاعدة. وقد ُعد ُت إلى المقالات التي كانت تُكتب في ذروة المرحلة المكارثية بحًثا عن معالم الرعب والخوف، فوجدت حالات كثيرة من الشجاعة والفروسية وال ِكَبر.
دائًما للحرية، أو على الأقل للأحرار، مهما اشتد طغيان القوة. وفي مقال كتبه آي. بي. ووجدت أن ثمة مكانً وايت عام 1954 يقول إن على مكارثي الاستقالة من اللجنة لأنها تشبه وكًرا للمخبرين، وليس مجموعة من الشيوخ. وقال إن اللجنة تشبه قر ًدا يتأمل نفسه طوال النهار، ويفلّي نفسه من البراغيث، وإن رئيس اللجنة وأعضاءها، بمهاراتهم اللفظية والاستجوابية، يزرعون الشك في عقول الأميركيين والانشقاق في قلوبهم. القضاء الذي يستطيع أن يعارض قرار رئيس الدولة، هو حماية للدولة. وحيث القضاء يصدر الأحكام إرضاء للحكام والجلاوزة وشهوة الجلاّدين، لا يمكن للدول أن تستقر أو تستمر. لم يقف القضاء الأميركي مع المهاجرين ضد رئيسه، بل وقف ضد رئيسه مع الدستور، وانهارت دول العالم الثالث لأن القضاء في الغالب، كان يمثل الظلم والطغيان، وليس العدالة والضمير. وفي مثل هذه الحال، كان الله في عون الأبرياء
والضعفاء والذين لا سند لهم.
من دون أن يتعمد ترمب ومن دون أن يريد، أعطى للولايات المتحدة، ولقراراته أي ًضا، أسباًبا تخفيفية في أنظار العالم. ولا تستبعد أن تخوض وزيرة العدل التي طردها، معركة مجلس الشيوخ، أو حتى الرئاسة في المستقبل. فهذه هي أميركا منذ بداية القرن الماضي، وجهان يتصارعان في الداخل وفي الخارج.
اخترنا لكم



