ردّت المحكمة الإدارية العليا في مصر في 16.01.2017 دعوى الحكومة بالطعن في حكم سابق يقضي بإبطال إتفاقية وقعتها هذه الأخيرة مع المملكة السعودية بشأن جزيرتي تيران وصنافير، فأكدت المحكمة بصورة نهائية على أن هاتين الجزيرتين هما أراض مصرية وعلى أن التخلي عنهما انتهاك لدستور البلاد!
أعتقد أننا حيال حدث كبير. يتوجب علينا أن نتوقف عنده وأن ننظر إليه من جميع زواياه علنا نستخرج الدلالات التي يبطنها.
فلو تفحصنا هذه المسألة من زاوية مصرية أولاً لاتضح لنا أن المصريين بوجه عام، يرفضون رفضاً قاطعاً أن يفرطوا بشبر من ترابهم الوطني. صحيح أنهم اختلفوا فيما بينهم حول ملكية هاتين الجزيرتين ولكنهم أجمعوا في ظاهر الأمر على الأقل على الرجوع إلى مؤسساتهم الدستورية واحترام الحكم الذي سيصدر عن المحكمة. هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فلقد كان بإمكان المتابع لأخبار مصر أن يلاحظ بسهولة علامات الفرح التي بدت على وجوه الحاضرين في قاعة المحكمة والموجودين في محيط مقرها.
لا أعتقد في هذا السياق أني أجازف بالكلام عندما أقول ان المصريين يلبون نداء دولتهم مهما كانت الظروف، دفاعاً عن وطنهم. فهم يحبون بلادهم ويحافظون على أرضها ولا يسوّغون تدخل قوى أجنبية في شؤونهم الداخلية أو الاستقواء بهذه القوى في الصراعات التي قد تنشأ فيما بين الأحزاب والحركات السياسية والطبقات الإجتماعية. أنا لا أزعم هنا أن الدول الغربية ليس لها تأثير في مصر ولكن هذا يبقى بشكل رئيسي ضمن حدود العلاقات التي تربط الدولة المصرية بالدول الأخرى. واستناداً إليه ليس مستبعداً من وجهة نظري، أن النشاطات التي كان يقوم بها الأشخاص الذين كانوا على اتصال مع المخابرات الأميركية، وأدوا دوراً في إشعال ما يسمى « ثورة 25 يناير» 2011، أن نشاطات هؤلاء الأشخاص كانت خافية على أجهزة الدولة، أو على بعض هذه الأجهزة التي غضت الطرف وسهلت في الواقع، حدوث ما حدث وكانت على علم به.
أكتفي بهذا الاستطراد عن الوضع المصري فأنا بصدد مداورة مسألة الجزيرتين تيران وصنافير فقط ، بما هي نموذج عن التخلق بخـُلـُق الوطنية والجماعة الوطنية، مقارنة بما يتبدى للمراقب من خلال الزاوية السورية. من البديهي وحرب السنوات الست تؤكد ذلك، أن في سورية سوريين وطنيين قاتلوا من أجل بلادهم وبذلوا حيواتهم بثبات وإخلاص وحماسة ولا يزالون مرابطين على جبهات القتال. ولكن يا للأسف، تكشفت لنا في هذه الحرب أن جماعات كنا نظن أنها كما في مصر شراذم قليلة من الذئاب التائهة، فإذا بها كثيرة وتضم أعداداً كبيرة من السوريين إلى جانب مرتزقة جاؤوا بحسب دراسة ألمانية من حوالى عشرين بلداً. بلغ عدد المرتزقة الذين دخلوا الأراضي السورية في وقت من الأوقات، أثناء الحرب التي تتعرض لها، 156620 مقاتلاً أجنبياً، بحسب إحصائية ألمانية. إنه العديد نفسه لجيوش الشركات الأمنية الخاصة التي قاتلت في العراق لحساب قوات الغزو الأميركي ـ البريطاني.
لا حرج في القول إنه يصعب تخيل وجود جماعات مسلحة مختلطة مصرية ـ مرتزقة في مصر بالحجم الذي نسمع عنه في سورية. في المقابل من المحتمل أن تتسلل جماعات من المرتزقة إلى مصر، عبر حدودها. ولكن هذه مسألة أخرى.
ما أود قوله أيضاً في الوضع السوري، هو أن المصري بوجه عام، لن يتجند في جيش أجنبي من المرتزقة من أجل محاربة جيش بلاده وتخريب محطات توليد الكهرباء ومحطات تكرير وضخ مياه الشفة التي تغذي المدن المصرية. المياه مقطوعة عن دمشق منذ ما يقرب الشهر.
إن المصري بوجه عام، لن يتنكر لدولته بصرف النظر عن طبيعة النظام وعن سياسته، ليعلن الولاء والبيعة باسم العصبية الحزبية الدينية، لزعيم دولة يحكمها الحزب السياسي الديني. ربما يكون فريق من الإخوان المسلمين في مصر تجاوز في فترة من الفترات هذا المحظور الوطني، ولكن الوطنيين في مصر كانوا دائماً هم الأقوى والأكبر، والقادرين على وضع الأمور في نصابها الصحيح عندما يرون أن المصلحة تتطلب ذلك! هكذا ألغت ثورة 30 يونيو ثورة 25 يناير!
أما النظر إلى قضية الجزيرتين المصريتين اللتين تقعان عند مدخل خليج العقبة، من الزاوية السعودية، فانه يثير عدداً كبيراً من الأسئلة حول الدوافع التي تجعل السعودية في الظروف الراهنة متحمسة لضم الجزيرتين إلى مملكتها!
فمن هذه الأسئلة على سبيل المثال، إلى أين وصلت العلاقة بين المملكة السعودية من جهة وبين إسرائيل من جهة ثانية؟ فلو كانت العلاقات عدائية بين الطرفين لاعترض الإسرائيليون على تخلي مصر عنهما لا سيما أن مصر مرتبطة بمعاهدة سلام معهم؟ إذا جاز التعبير.في السياق نفسه، يحق لنا أن نطرح للبحث فرضية مفادها أن إسرائيل تفضل أن تكون الجزيرتان تحت سيطرة السعودية لأنها لا تأمن خطر مصر. فمصر دولة ووطن والمصريون وطنيون. ينبني عليه أن المصريين سيكتشفون عاجلاً أم آجلاً أن مصالحهم تتناقض جذرياً مع استمرار وتطور المشروع الإستعماري الاستيطاني الإسرائيلي. يستحيل أن يعيش المصري في بلاده بأمان وأن يتقدم ويتعلم وينتج بجوار مستعمر عنصري توسعي كمثل المستعمر الإسرائيلي.
إن وجود هذا المستعمر يشكل خطراً على مصر لا يقل عن الخطر الذي يتهدد في الراهن وجود سورية والعراق، هذا معطى تمليه الجغرافية والمصالح. إن حالة الحرب سوف تستمر طالما أن الإسرائيليين الذين يسكنون في فلسطين وهم من الجيل الثالث والرابع، لم يتخلوا عن سياستهم الاستعمارية العنصرية وعن مشروع «الدولة اليهودية» من النيل إلى الفرات. بكلام صريح وواضح إن السلام والعيش المشترك يتطلبان من الإسرائيليين أن يقوموا بثورتهم ضد «المستعمرين العنصريين الإسرائيليين» بدل التلاعب بالعصبيات القبلية وتأجيج الفتن المذهبية في البلدان العربية التي تتضرر من الإستعمار والتمييز العنصري، بقصد زرع منطقة الشرق الأوسط بدول « إسلامية « ضعيفة ومتناحرة مرتبطة بعلاقة تبعية بدولة «يهودية» قوية بحلفائها الولايات المتحدة الأميركية وأعوانها في أوروبا!
اخترنا لكم



