مختارات

الخميس 29 كانون الأول 2016 - 07:25 اللواء

أوباما.. المتمنع عن التصويت!

أوباما.. المتمنع عن التصويت!

نسجّل للرئيس الراحل عن الرئاسة أوباما، موقفه الأخير في مجلس الأمن الذي أدانته كل أمم الأرض ممثلة بالدول الأعضاء في المجلس، وهو موقف امتنع فيه عن التصويت فاعتَبَر نتنياهو ذلك موقفاً مشيناً ارتكبته الولايات المتحدة بحق اسرائيل التي ازداد نهمها في سنوات سيطرة اليمين الإسرائيلي المتطرف على التهام ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، وهي في الواقع تجاوزت ذلك إلى ما حولها من البلدان العربية عن طريق التآمر على تدميرها أرضا وشعبا ودولا، فإذا بها اليوم المستفيدة الأساسية من عمليات السقوط المفجعة للعالم العربي، الذي كاد أن يستحيل إلى مجرّد أشلاء ليس فيها إلاّ نثرات قليلة من الوجود والكرامة الوطنية والعزة القومية التي لطالما أُطلقت شعاراتها الطنّانة على مدى عقود سالفة، وزال من عروقها النبض الحيّ، وتراجعت قضاياها الرئيسية وفي طليعتها القضية الفلسطينية المتمثلة في هذه الأيام بمنظمة واهنة ومستسلمة لما تجرّه إليها الأقدار، وأكثر منها وهناً واستسلاما، الشعوب العربية والإسلامية وقياداتها الغارقِ معظمُها في بحار الدكتاتورية والإستبداد والفساد.

ردة فعل نتنياهو على قرار مجلس الأمن تمثلت بتصرفات مجنونة تمّ بموجبها استدعاء سفراء دول المجلس، كما ارتد إلى القدس متخذا قرارا جنونيا بإقامة مزيد من المنشآت الإستيطانية فيها، وكأننا به يختصر العالم كله بقرار يصدر عنه موّبخا الأمم المتحدة ومجلس الأمن ودول العالم كلها على موقف اتخذته في وجه هذا الجنوح الإستيطاني المستمر والمتفاقم!

ماذا جرى على الصعيد الأميركي؟! أوباما… فجأة، أطلَّ بثوب «الجريء» من خلال ذلك القرار التاريخي الذي اتخذه مجلس الأمن منذ بضعة أيام؟! هل هي جرأةٌ منه غير متوقعة؟ هل هو بعضٌ من صحوةِ ضميرِ تجاه ما ارتكبه هذا الرجل من فظائع بحق العالم العربي؟ هل هي انتقام شخصي من نتنياهو الذي سبق له أن أغرقَ أوباما بسلسلة من التصرّفات الحافلة بالإساءة والتحدّي والتجاهل المعيب الذي أبداه نتنياهو خلال زيارته للولايات المتحدة؟.

هل هو محاولة استرضاء للعالم العربي عن وعوده المعسولة التي أطلقها في أجوائه فلم يفِ منها بأي وعد؟ لعلّ في تصرّفه المذكور والمستغرب بعض من كل ذلك، أمّا النصيب الأكبر، فيتمثل في ما سبّبَه للعالم العربي من أحوال مأساوية تمثلت خاصة في ما هو قائم من مذابح وتهجير وعمليات تدمير شامل لمدن سورية تاريخية، ولمبادىء إنسانية وخلقية تم تجاوزها وإغماض العيون والعقول والضمائر عن رؤيتها والتهرّب من مجرّد الإقرار بوجودها، وها هو أوباما الراحل خارج السياسة إلى الأبد بإذن الله، جالس حتى الآن في مقاعد المتفرجين والمتآمرين، حيث أطلق العنان لروسيا خاصة، لارتكاب الأعمال الإجرامية القائمة والتي تزداد مع الوقت خبثا وتآمرا على سلامة الأوضاع العربية عموما والوجود السوري خصوصا، متذرعا بفزّيعة الإرهاب المصنوع في الخبابا والخفايا الأميركية في عهد هذا الرئيس الذي سيذكره العالم العربي بأبشع الصور، كما ستذكره بلاده التي ألحق بها هي الأخرى أوسع وأعمق الأضرار، مهّد بها لنجاح التوجهات العنصرية المتطرّفة المتمثلة بالرئيس المنتخب ترامب الذي نترقّب منه جملة من «البدائع» المسيئة لعالمنا العربي وللقضية الفلسطينية بالتحديد.

ولنعد إلى قرار مجلس الأمن الأخير فإذ تحّرك هذا المجلس بشكوى أطلقتها جمهورية مصر العربية، فحاز ذلك على رضى عربي ودوليّ شامل، وجمّدت مصر هذه الشكوى بناء على طلب الرئيس الأميركي المنتخب ترامب، فحلّت محلّها في «الإدّعاء» كل من ايسلندا والسنغال وأندونيسيا وفنزويلا، فإننا نضع هذه الوضعية بين هلالين، استئخارا للتعليق عليها في الوقت المناسب لننتقل إلى المستجدّ الأساسي، وهو قرار إدانة إسرائيل على سياستها الإستيطانية المبالِغة في وقاحتها إلى حدّ باتت تستثير فيه دول العالم والرأي العام الدولي الذي وإن خبا ضميره إلى حد بعيد، فمما لا شك فيه أن النهش الإسرائيلي لما تبقى من الأراضي الفلسطينية قد استفزّ العالم كلَّه إلى حد الإدانة الجماعية لإسرائيل، بل إن الإنتفاضة ضد سياسات نتنياهو واليمين الإستيطاني، قد جوبهت بجملة من «الإنتفاضات» الداخلية التي دفعت بالكثيرين في اسرائيل، جماعاتٍ وزعاماتٍ، إلى الإعتراض على سياسة نتنياهو الإستيطانية، واتهامه بأنه أبرز من أدّى بإسرائيل إلى هذه العزلة الدولية التي باتت تكدّس من حولها جملة من التحفظات والعداوات، وضعت كلاًّ من الولايات المتحدة وروسيا والصين وبلدان الإتحاد الأوروبي فضلا عن البلدان المتحفظة عموما تجاه اسرائيل والمعادية لها، في هذا الوضع الرّافض والمدين.

وبعضهم يقول إن الولايات المتحدة قد اتخذت هذا الموقف المستغرب عليها في مجلس الأمن شفقةً منها على الوضع الفلسطيني بعد أن وصل إلى حدود الفشل والتلاشي، وهي لا تريد للوضع القائم هذا القدر من التراجع. وعليه، فإن القرار التاريخي الصادر مؤخرا عن المجلس وإن كان غير قابل للتنفيذ بالقوة، إلاّ أنه سيسهم في اذكاء الذّكِرْ الفلسطيني بعد أن أخفتته الأيام والمستجدّات والاستسلامات إلى حدود التلاشي، وربما سيُمكّن السلطات الفلسطينية عندما تستعيد عضلاتها، من اللجوء إلى المحاكم الدولية لمنع عملية الإلتهام الجشع لأراضيها ولحقوقها، وقد تدفع باتجاه إنعاشٍ وإيقاظٍ ما للقضية الفلسطينية. وأيها الرئيس الراحل أوباما سيكون، لكلّ المتابعين عودة أخيرة إليك يوم تترك البيت الأبيض بصورة نهائية»، «ولا تؤاخذنا» سلفاً على ما قيل وما سيقال في وجهك وفي ظهرك على حدٍّ سواء.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة