كانت الدنيا العربية قبل جمال عبدالناصر سلاما وعمارا، وصارت به نارا ودمارا وخرابا.
كانت مصر الملكية تنافس في جمالها وتقدمها ورفاهية الحياة فيها، أكثر الدول الأوروبية رقيّا وتقدما.
هذه الحقيقة طمسها إعلام عبدالناصر وأظهر لنا عكسها.
لم تظهر لنا أول جامعة مصرية قامت في العهد الملكي وبتبرع من إحدى سيدات البيت الحاكم، ولا نظام الري، ولا شبكة السكك الحديدية ولا شركة الطيران ولا أول بنك ولا أول شركة تأمين ولا أول استديو للسينما.
لم يظهر لنا النظام الديموقراطي ولا الأحزاب الوطنية المتعددة ولا حرية التعبير ولا الصحافة الحرة ولا الوضع الاقتصادي المتين ولا ازدهار الحياة وتنوعها في مصر الملكية.
سلسلة إشراقات مصرية ملكية أغفلها إعلام جمال عبدالناصر وطمسها وروّج لنا وأشاع بيننا حياة سوداء مظلمة كانت في ظل الحكم الملكي.
صدقنا بوجود الباشا الظالم الذي يسحق الفلاحين ويمتص عرقهم ويستبيح دماءهم، هكذا صوّر لنا إعلام عبدالناصر.
صدقنا قصص إحسان عبدالقدوس ويوسف السباعي وكتابات هيكل- مُنظّر المرحلة الناصرية وربّ هُراءاتها-، وصدقنا أفلام تلك المرحلة التي غسلت العقول ودست السُّم فيها.
صدقنا عبدالحليم حافظ، بوق المرحلة الناصرية وطبلها، عشقناه لأنه يبيع لنا عبدالناصر بكلمات مموسقة ونغم شجي.
صدقنا أم كلثوم وهي تقول لنا عن عبدالناصر إنه البطل الذي جاء به القدر، وصدقنا أشعار صالح جودت وكامل الشناوي وصلاح جاهين متعهد حفلات الثورة ومعه كمال الطويل وعبدالحليم حافظ.
كنا أبرياء، وضعنا ثقتنا في زعيم «ذي ذمة صادق الوعد جسور لا تخور قواه ولا يعجز لسانه»!
تعامينا عن الهزائم المتتالية والمتوالية التي وقع فيها الزعيم الذي لا يُقهر ولا يُغلب. صدقنا أن هزائمه كانت انتصارات، وأن أكاذيبه وعود صادقة.
ونسينا أنه الباب الذي دخل منه الشر، وكنا نفرح كلما سقط نظام وطني مستقر، ورحبنا بالأشرار وقُطّاع الطرق كحكام بدلاء، لأنهم خرجوا من جيب عبدالناصر.
تغافلنا عن زعماء حقيقيين وحكام وطنيين مخلصين، ولم نر سوى عبدالناصر زعيما يقود سفينة الخلاص، ولم ندر أنها سفينة المهالك.
ثمة ما أؤمن به وهو أن القاعدة الناصرية عبارة عن مجموعة من الطيبين والمخلصين، ولكن الرؤوس الناصرية شريرة جزاؤها أن تُداس بالأقدام.
اخترنا لكم



