تساءلت وانا اتابع كلمة امين عام حزب الله سماحة السيد حسن نصرالله خلال إطلالته التلفزيونية الاخيرة لماذا لا يحصل حوار ولقاء بين "حزب الله والقوات اللبنانية"؟
لماذا لا تنكسر حال الخصومة بين "السيّد والحكيم" الذين تفرّق بينهما مسائل وخلافات سياسية ولكنهما يتشابهان في امور كثيرة؟
لطالما تساءلت ايضآ خلال مراقبتي لمسارات الحوارات والمصالحات والعلاقات السياسية التي تجري بين القوى السياسية المتصارعة كيف يستقيم حوار بين "تيار المستقبل وحزب الله" رغم كل ما يباعد بينهما سياسيآ وعقائديآ ولا يحصل حوار بين "حزب القوات وحزب الله"؟
اتساءل ايضآ وايضآ كيف ينشأ ويتعزّز التقارب بين "تيار المستقبل والتيار الوطني الحر" ولا يحدث الشيء نفسه بين "القوات اللبنانية وحزب الله"؟
في الواقع، لا استطيع ان افهم هذا الإنقطاع بين "القوات والحزب" بعد مضي سنوات على طيّ صفحة الحرب والتي لم يحصل فيها صدام وقتال بين هذين الطرفين ولم تتلطّخ ايادي اي منهما بدماء الطرف الآخر.
كما لا استطيع ان احدّد الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه "العدائية" غير المبرّرة وغير المنسجمة مع مقتضيات الحوار الوطني ومرحلة ما بعد الحرب واتفاق الطائف.
اقول بكل صراحة ان كل ما يُعطى من اسباب مانعة لقيام علاقة طبيعية بين "الحزب والقوات" لم يعد له اي مبرر كونه يرتبط بظروف واوضاع ماضية تجاوزتها الإحداث والوقائع، وانتهت هذه الاسباب منذ جلوس السيّد حسن نصرالله والدكتور سمير جعجع سويآ على طاولة واحدة هي طاولة الحوار الوطني، وايضآ مع جلوس ممثليهم سويآ على طاولة مجلس الوزراء وتحت قبة البرلمان.
صحيح اننا امام حزبين لكل منهما مشروعه السياسي وتطلعاته ورؤيته لمستقبل لبنان ودوره ومفهومه لمشروع الدولة، ولكل منهما علاقاته وصداقاته وتحالفاته العربية والإقليمية ومفهومه لموقع لبنان ودوره في المنطقة، ولكن هذا الإختلاف لا يلغي واقع ان هناك مجالآ للتفاهم وان هناك تقاطعات في نقاط كثيرة بينهما، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
- انتماء الحزبين الى خط مقاوم بغض النظر عن هوية هذه المقاومة وما اذا كانت مسيحية او اسلامية ويبقى القاسم المشترك بينهما ان المقاومة كانت قضيتهما ولو ان كل منهما حارب وقاتل من اجل قضية آمن بها واستشهد من اجلها "ليحيا لبنان" الذي يريده.
- عدم التورّط في الفساد الذي ينخر جسم الدولة، "فالحزب والقوات" لم يكونا مرة جزءاً من منظومة الفساد المالي والإداري او من فضائح وصفقات، كما لم يُتح لهما التنعّم بخيرات الدولة والدخول شريكاً مضارباً في اقتسام المغانم وفي لعبة المحاصصة.
- عدم اخذ الحجم السياسي "الرسمي" في الحكم والدولة الذي يتناسب مع الحجم الشعبي الواقعي لكليهما، فلم يأخذ "الحزب والقوات" في الحكومات المتعاقبة ما يليق بحجمهما وتمثيلهما الشعبي حتى ان الوزارات التي تسمى "سيادية او خدماتية" حُجبت عنهما.
اقولها بكل صدق، لا شك ان هناك حد ادنى من ارضية حوار وتفاهم بين "القوات والحزب" اذا توافرت الإرادة السياسية لسلوك هذه الطريق، وان هذا الحوار بات ضرورة وطنية وواجب لإكمال حلقة الحوار الوطني وسدّ ثغرة اساسية فيه.
ان الشروع في عملية الحوار ليس بالأمر الصعب ولا يتطلب اكثر من التحرّر من عقد وشكوك واحكام مسبقة والشروع في اجراءات بناء الثقة والإنطلاق من مبدأ قبول الآخر واحترام شخصيته وخصائصه، ولا نخال الإقدام على هذه الخطوة امراً صعباً ومتعذراً من حزبين وطرفين امتهنا القرارات الصعبة والجريئة.
الدكتور سمير جعجع اثبت بالفعل والممارسة انه يتحلّى بواقعية سياسية دفعته هذا العام الى اتخاذ اصعب واهم قرار في حياته السياسية وهو تأييد انتخاب "خصمه التاريخي" العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية وما سبقه من قرار تاريخي عندما قرّر طيّ صفحة الماضي بكل اثقالها بين "القوات والتيار".
وكذلك السيد حسن نصرالله الذي اتخذ قراراً سياسياً مهماً وصعباً عندما وافق على عودة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري الى رئاسة الحكومة للإفساح في المجال امام تسوية "رئاسية – حكومية" اوصلت الرئيس ميشال عون الى قصر بعبدا واتاحت لحزب الله تنفيذ وعده و"سداد دينه".
فامين عام "حزب الله" تجاوز كل خصومته مع سعد الحريري والهوة الواسعة التي تفصل بينهما، وكل منهما ينتمي الى مشروع ومحور وتوجه، واتخذ قرار جريء يفرضه الواقع السياسي والطائفي في لبنان وهو التلاقي والحوار ومنطق التسويات.
للأسباب ذاتها نقول انه حان الأوان لوقف التوتر المبالغ فيه والتشنّج غير المفهوم والقطيعة غير المبررة بين "حزب الله والقوات اللبنانية".
من هنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر اقول نحن على ثقة ان ما قاله السيد حسن نصرالله خلال اطلالته التلفزيونية الاخيرة حول موقفه من المصالحة بين "التيار والقوات" هو كلام صادق وجدي وايجابي جدآ ولكن بالرغم من ذلك لا بد من ابداء رأي حول هذا الموضوع تحديدآ:
- على حزب الله ان لا يشعر بقلق حيال الواقع المسيحي الجديد والمصالحة التي طال انتظارها بين حزبين مسيحيين كبيرين والتي نأمل ان تتسع لتشمل الجميع "الكتائب والمردة" خصوصآ ان هذه المصالحة ليست موجهة ضد احد في الوطن.
وعلى شركائنا في الوطن ان يعرفوا انه كلما قَوِي المسيحيون انعكس الأمر ايجاباً على العيش المشترك والوفاق الوطني ومشروع الدولة، ولبنان من دون وجود مسيحي فاعل ومؤثر لا يعود لبنان الذي نعرفه ونريده.
- وفي المقابل على "القوات اللبنانية" ايضآ عدم التوجس والقلق من التفاهم بين "التيار الوطني الحر وحزب الله" بل يجب تشجيع هذا التفاهم لان ذلك سيفتح امكانية وكوة في "الجدار الشيعي" المرتفع لاجراء حوار بناء ومطلوب بين "حزب الله والقوات اللبنانية" يطوي صفحة الخلافات السياسية الماضية.
في الختام على "حزب الله والقوات اللبنانية"، في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة على مستوى لبنان والمنطقة، تهيئة الأجواء والظروف لحوار ثنائي مسؤول وهادف ومكمل لسلسلة الحوارات التي تجري بين القوى المتخاصمة ("حزب الله والمستقبل"- "المستقبل والتيار الوطني الحر" – "القوات والمردة").
حوار "الحزب – القوات" هو الحلقة المفقودة والثغرة المتبقية في عملية الحوار الوطني ونعتقد ان اوانه قد حان ووقته قد أتى، والحزبين لا ينقصهما الجرأة للقيام بذلك.
اخترنا لكم



