لم يضع طلاب الهندسة في الجامعة اللبنانية في الحسبان أن يأتي اليوم الذي يصبحون فيه بحاجة إلى امتحان جدارة للانتساب إلى نقابتهم ومزاولة مهنتهم.
هؤلاء الطلاب الذين يمضون سنوات خمساً، بلا ملل أو كلل... أو نوم، وجدوا أنفسهم أمام تحد غير مسبوق، عندما قرر نقيب المهندسين خالد شهاب أن يفرض عليهم امتحان جدارة بلا مسوّغ قانوني. نقيب قرر أن يمحو بجرة قلم تاريخا عريقا لكليات هندسة «اللبنانية»، وشهادة يتباهى المتخرّجون بحملها في ميادين عملهم.
قرر نقيب المهندسين أن يلزم طلاب الهندسة في «اللبنانية» بامتحان جدارة، وكأن النقابة قد تحولت «دكانة» أو إرثا عائليا، حتى يقرر من يقودها، ما يشاء من دون الرجوع إلى القوانين المرعية الإجراء والأنظمة الخاصة بتنظيم العمل النقابي، ومزاولة المهنة على الأراضي اللبنانية.
هبط «الكولوكيوم» على طلاب «اللبنانية» كالصاعقة. تركوا همومهم. ركنوا خلافاتهم السياسية على رصيف قضيتهم المطلبية. فكان تحركهم الأول من نوعه، فأثبتوا أنه لا تزال لديهم القدرة على فرض التغيير والمعادلات، إذا ما تعرضت «جامعة الفقراء» لتهديد بالتهميش من هذا الطرف أو ذاك.
في محيط مبنى نقابة المهندسين في بيروت، تجمع عشرات الطلاب في الشارع وهتفوا بأعلى صوت ضد النقابة والنقيب خالد شهاب: «يا نقيب سماع سماع.. عن قرارك يلا رجاع»، «جامعتنا مش دكانة»، «ما منقبل بالامتحان.. نحنا الشعب الما بينهان». كما رفعوا لافتات كتبوا عليها: «المرجع لا يراجع»، «بدك تحمي المهنة حط معايير لامتحان الدخول»، «طالب بسحب التراخيص من الجامعات غير المؤهلة».
خرج شهاب إلى المحتشدين بتبريرات لم تعجب المعتصمين. انسحب بهدوء فيما كان موظفو النقابة في الطوابق العليا للمبنى يلتقطون الصور من نوافذهم المطلة. أما عناصر الأمن الموجودون في المكان، فكان حالهم آخر. ففي الوقت الذي كان مفروضا عليهم أن يؤمنوا سلامة المعتصمين والمعتصم ضدهم على حد سواء، تحرروا من بدلاتهم الرسمية ليتجنّوا على الطلاب. قاموا باستجواب طالبين مشاركين في الاعتصام فقط لأنهما التقطا «سلفي» وقد ظن أحد العسكريين أنه ظهر في الصورة. «تصوير العسكر ممنوع إلا بقرار وإذن»، يقول أحد الأمنيين. هنا لا ينفع التبرير ولا النفي، خصوصا أن العنصر الأمني لم يحفظ من القوانين سوى «استجلاء الهوية». يأخذ الجهازين الخلويين الخاصين بالطالبين يفتشهما بحثا عن صورته لكن منتهكا حريتهما الشخصية، قبل أن يعيدهما إليهما، ثم يصطحبهما إلى جانب إحدى الآليات العسكرية مهددا بتكبيلهما وتكبيل كل من ينتصر لهما. محاولة إذلال للطالبين تفرضها جهالة شرطي لا يدري أن الشابين هما يمثلان 72 ألف طالب بين أناملهم يتربع مستقبل لبنان.
يبدو أن التحرك لم يثن النقيب خالد شهاب عن قراره، فهو يصر على إجراء «الكولوكيوم». وإذ يؤكد أن القرار اتخذ، والامتحان واقع لا محالة، يوضح «أننا لسنا في صراع مع الجامعة اللبنانية بل شركاء من أجل تحسين وتحصين المهندسين من كل الجامعات»، متحدثا عن «أن هناك مشكلة كبيرة طارئة في سوق العمل، والكلام حول حصول كل المهندسين على وظائف، غير صحيح»، لافتا الانتباه إلى أن «عدد المهندسين هو الآن 63 الف مهندس مسجل ما بين نقابتي المهندسين في بيروت والشمال. أما عدد الطلبة في مراحل التعليم في كليات الهندسة في اللبنانية فيتجاوز الـ33 الفا، أي أنه بعد خمس سنوات سيصبح العدد نحو 100 الف مهندس مسجل في النقابتين».
ويكشف أن جوابه للجامعة اللبنانية أمام عمداء ومدراء الكليات كان أن «للجامعة اللبنانية خصوصية وسيتم معالجة هذا الامر مع رئاسة الجامعة ومجلسها، وبالفعل اجتمعنا مع رئيسها الدكتور فؤاد ايوب واستمر الحوار ثلاث ساعات. وصحيح اننا لم نتوصل إلى نتيجة لكن على الأقل تفاهمنا على أن نكون شركاء».
وفيما يحاول النقيب أن يرمي مسؤولية التحركات على السياسة، يرفض ممثلو الهيئات الطالبية هذا الكلام.
يؤكد مسؤول المكتب التربوي في «التيار الوطني الحر» روك مهنا، والذي كان مكتبه أول الداعين للاعتصام، أن «هذه النقلة لا يمكن أن تتم بهذه الطريقة بل تحتاج إلى سلوك المسار القانوني قبل أن تدخل حيز التنفيذ».
وعن الكلام حول وجود امتحانات جدارة في نقابات أخرى، يشير مهنا إلى ان وضع طلاب كلية الهندسة مختلف لأن طلاب الحقوق لا يخضعون لامتحان دخول إلى الكلية، في حين أن طلاب الهندسة يخضعون لامتحانات صعبة. يضيف أنه «لا يمكن تصنيف الجامعة اللبنانية في خانة بعض الجامعات الخاصة»، معتبرا أن ما يجري يُعد استهدافا للجامعة الوطنية، خدمة لمصلحة بعض الجامعات الخاصة، مشددا على أنه «لا يمكن تمرير الموضوع على طريقتهم، ولن يمر في مجلس النواب».
وحول محاولة تسييس تحرك الطلاب، يشير مهنا إلى أن الاعتصام ليس سياسيا بل ينبع من قناعة ذاتية». ويسأل: «هل الهدف هو إخضاع طلاب هذه الجامعة إلى «الفلترة» مرتين، الأولى عبر امتحانات الدخول والثانية من خلال امتحان الجدارة»؟
اخترنا لكم



