المحلية

دافيد عيسى

دافيد عيسى

صحيفة المرصد
الاثنين 05 كانون الأول 2016 - 09:57 صحيفة المرصد
دافيد عيسى

دافيد عيسى

صحيفة المرصد

كل شيء في العالم يتغيّر.. والسؤال لبنان الى اين؟

كل شيء في العالم يتغيّر.. والسؤال لبنان الى اين؟

يطوي العام 2016 آخر صفحاته وسط مفاجآت وتحولات تفيد ان كل شيء في المنطقة والعالم يتغيّر: السياسات، العلاقات، التحالفات، الأولويات، الخرائط، موازين القوى، وحتى المصالح في مضمونها وطبيعتها... لكن السؤال يبقى لبنان الى اين؟.

التغيير انطلق من الولايات المتحدة عندما فاجأ دونالد ترامب الجميع بوصوله الى البيت الأبيض، مخالفاً كل التوقعات واستطلاعات الرأي والحملات الإعلامية ضدّه.
والتغيير الذي حمله فوز ترامب لا يقتصر على الداخل الأميركي الذي اهتزّ نظامه الحزبي وطبقته السياسية، وانما يتجاوزه الى خارج الولايات المتحدة ، الى اوروبا اولاً التي بات عليها ان تتدبّر امورها وامنها واقتصادها وان لا تتكّل كثيراً على الحليف الأميركي، والى الشرق الأوسط ثانياً الذي يعجّ بالأزمات والحروب والقضايا الساخنة.
لقد ورث ترامب عن اوباما تركة ثقيلة ولكن المقربين منه يقولون انه لن يكون امتداداً لمن سبقه وانما سيُدخل تغييرات تعيد الى الولايات المتحدة دورها القيادي وقدرتها على إنتاج الحلول والتسويات وفرضها.

هذه التغييرات تنطلق من سوريا حيث سيكون التعاون "الروسي – الأميركي" اكثر وضوحاً وفاعلية، وستُعطى الأولوية للقضاء على الإرهاب وداعش قبل البحث في اي موضوع آخر بما في ذلك المستقبل السياسي لسوريا.

كذلك فان كل المؤشرات تدل ان التغيير الرئاسي الذي حصل في اميركا سيحصل مثله في فرنسا حيث تدل كل التوقعات انه من المرجح بنسبة كبيرة فوز المرشح اليميني فرنسوا فيون الذي فجّر اولى مفاجآته بإقصاء وإنهاء كل المنافسين له وابرزهم نيكولا ساركوزي وآلان جوبيه.

من هنا فان فيون يصل الى قصر الإليزيه مع افكار متشددة ومحافظة تتعلّق اولآ بالأمن والهجرة والإرهاب والقيم العائلية والمسيحية، وثانيآ مع سياسة خارجية جديدة في اساسها الإنفتاح على روسيا وتعزيز العلاقات معها وهو الصديق المقرب من الرئيس الروسي بوتين، والإنخراط في حرب دون هوادة ضد الإرهاب واعطاء حيزاً اساسياً لمسألة حماية الأقليات الدينية والإتنية في الشرق الأوسط ووقف الدعم للمعارضة السورية المسلّحة والمهَيمن عليها من فصائل وتنظيمات اصولية وإرهابية، وترك مسألة الرئيس الأسد للشعب السوري كي يبتّ بها في انتخابات رئاسية تتوّج المرحلة الإنتقالية.

التغيير الوافد من الولايات المتحدة الباحثة عن دور قيادي مفقود، ومن اوروربا الباحثة عن ذاتها والمسكونة بهاجسّ الإرهاب والهجرة على ايقاع اليمين المتطرّف الصاعد... هذا التغيير يقابله في المنطقة تغيير في السياسات يجعل الصورة اكثر وضوحاً.

حدث ذلك في مصر التي اعلنت سياستها الثابتة في دعم الجيوش الوطنية ومن ضمنها الجيش العربي السوري من اجل محاربة الإرهاب وتبادلت مع دمشق زيارات التنسيق من دون عقد وتردّد..

وحدث ذلك في تركيا ايضآ التي ارتضت التنسيق مع روسيا لإحتواء الأزمة السورية على قاعدة تفهّم ومراعاة الهواجس والمصالح المتبادلة.. وحدث ذلك على الأرض السورية مع دخول معركة حلب مرحلتها النهائية وهي التي تشكّل منعطفاً ونقطة تحوّل في مسار الحرب لمصلحة النظام الصامد بدعم حلفائه الروس والإيرانيين، وضد مصلحة المعارضة المتروكة لمصيرها.

نورد بسرعة هذه الموجة من التغييرات التي ترسم خارطة دولية واقليمية جديدة للنفوذ وميزان القوى والمحاور، والتي تعني الوضع في لبنان مباشرة وتضعه في قلب الأحداث وعين العاصفة.

من هنا فان كل ما يحدث من حولنا يجب ان يكون حافزاً لنا كلبنانيين الى تحصين اوضاعنا وحماية وطننا وشعبنا ومصالحنا الوطنية.
ما تحقق في الفترة الأخيرة جيد ولكنه غير كافٍ وستضيع ايجابياته اذا لم يُستكمل هذا المسار السياسي الإيجابي ولم يمضِ قدماً الى الأمام.

فإنتخاب رئيس للجمهورية بعد فراغ مديد امر جيد وهي خطوة في الإتجاه الصحيح ولكن اذا لم يُستتبع الإنتخاب الرئاسي بخطوات داعمة ومكمّلة اوّلها تشكيل حكومة جديدة، فإن كل المناخ الإيجابي والمشجع والمحرّك لعجلة الإقتصاد سيكون معرّضاً للتبدّد وسيعود الوضع الى نقطة الصفر وربما الى ما هو اسوأ من الوضع الذي كان في فترة الفراغ الرئاسي، من هنا يجب على الجميع التعاطي بمسؤولية مع عملية تشكيل الحكومة الجديدة والتحلي بالواقعية والتواضع، وبناء عليه تقف القيادات والقوى السياسية امام خيارين ومسارين:
الأول: هو وضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل المصالح الشخصية والخاصة لمواصلة مسار اعادة تكوين السلطة واعادة بناء الدولة، وهذا يفترض تشكيل حكومة في القريب العاجل، ووضع قانون انتخابات جديد يعطي صحة التمثيل الشعبي ويعيد التوازن الوطني والأحجام الى طبيعتها.

فإذا وُضعت الأمور والملفات على السكة الصحيحة يكون بالإمكان احتواء الأزمة الداخلية بكل تفرعاتها السياسية والإقتصادية والأمنية وحماية لبنان من الحرائق والعواصف الدولية والإقليمية.

وهذا الأمر واقولها بكل حرص وموضوعية يتطلب من الجميع سلوكاً سياسياً عاقلاً ومسؤولاً وحيث لا مكان للتهديد والوعيد او للضغوط والإبتزاز من هنا وهناك، وعدم التلويح بحكومة امر واقع من هنا ورفع لشروط تعجيزية من هناك.

وكذلك يجب ان تكون القاعدة المتبعة هي عدم استثناء احد وعدم وضع فيتوات على احد، والمطلوب حكومة تجمع كل القوى والكتل السياسية والحزبية في البلاد، كون المعركة السياسية الفعلية يجب ان تكون معركة الإنتخابات النيابية من ألفها الى يائها، من قانون الإنتخابات الى التحالفات واللوائح.

الثاني: ان الفشل في تشكيل حكومة انتقالية لا يتعدى عمرها الأشهر الستة يعيد انتاج الأزمة السياسية بأشكال جديدة وعندها يجري الإنتقال من فراغ رئاسي الى فراغ حكومي، وعندما تطول إقامة حكومة تصريف الأعمال الى بدايات العام الجديد تصبح الإنتخابات النيابية في خطر ونصبح امام احتمالين احلاهما مر: اما ان تجري الانتخابات على اساس قانون الستين ويتبخّر مشروع القانون الجديد والفرصة الجديدة المتاحة له.. واما ان لا تجري الانتخابات ابداً بذريعة تعذّر التوصل الى قانون جديد او بسبب وضع حكومي وسياسي غير مستقر ويطرح خيار التمديد للمجلس النيابي تحت عنوان "تقني" هذه المرة وبسبب ضيق المهل التي لم تعد تسمح بوضع قانون جديد ولا بتأهيل السلطات والإدارات المختصة وتدريب المواطنين على كيفية تطبيقه.

المنطقة تقف عند مفترق طرق وتخوض صراعاً مريراً بين حروب لم تخمد نارها وتسويات لم يحن اوانها، ولبنان يجتاز مرحلة انتقالية صعبة لا تحتمل اخطاء في التقدير والتصرف وليس فيها الا خياران: اما الإعتدال والتعقّل والتواضع والتنازل لمصلحة الوطن واما البقاء في ما نحن عليه من انقسامات وتشرذم حيث سندور في دوامة قاتلة والدخول في ازمة مفتوحة لا يحمد عقباها.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة