ليبانون ديبايت - ميرنا زخريّا باحثة في علم الإجتماع السياسي
هناك مثل في اللغة العاميّة اللبنانية، يقول "الزايد خيّْ الناقص". نصرالله وفرنجيه شخصيتان غريبتان عن طبيعة الدوران في فلك العالم السياسي، عالماً لطالما تنازل فيه السياسيين عن ثوابتهم لأجل مصالحهم، فيما نصرالله وفرنجيه يتنازلان عن حقوق حزبيهما، سنةً بعد سنة وإستحقاقاً بعد إستحقاق؛ ما يُعتبر: إما حنكة مخفيّة تتخطى ما هو آني، وإما أخلاق سكريّة تتخطى ما هو مطلوب.
أضحكني، وربّما أدمعني، وفي كلا الحالتين فقد لفتني رئيس تيار المرده حين غرّد منذ فترةٍ عن "كثرة الأخلاق" عند سيّد المقاومة، إذ غاب عن سيّد المرده أن أخلاقه هو الآخر نكهتها "سُكَّر زيادة". قد يترائى للبعض أن هذا التعبير يصبّ في خانة المديح، إنما في الحقيقة هو يُجاور خانة الإنتقاد، ذلك أن سيرة هذان السيّدان مليئة بكثرة الأخلاق، لدرجة أنهما أصبحا كتاباً مفتوحاً من السهل قراءته والتنبؤ بردّة أفعالهما؛ فالواحد منهما: إنْ وعدَ وفى وإنْ أخذَ أعطى وإنْ تكلمَ صدقَ وإنْ وإنْ وإنْ... ولعل الإستفهام يتّجه بصورةٍ ميكانيكيةٍ نحو المحازبين والمؤيدين والمحبّين، ألا يشعر هؤلاء بأنه "طفح الكيل"؟ وهنا تبرز "فرادة السيّدان نصرالله وفرنجيه"؛ إذ وإستناداً إلى أسس التحليل العلمي، فإنه من السهل إلى حدٍ ما أنْ تجعل المناصرين والمناصرات يدعموا خيار قائدهم/ن في حال كان يصبّ في صميم مصلحة حزبهم/ن، أما أنْ تتوقّع منهم/ن أنْ يدعموا قائدهم/ن في حال كان المستفيد جهة أخرى، فساعتئذ يرتقي إلتزامهم/ن إلى مستوى عالٍ وعالٍ جداً؛ ما يجعل من عبارة "أخلاق سُكَّر زيادة"، تنطبق على هذين الجمهورين مثلما انطبقت على هذين القائدين.
فهلْ بإمكانكم أنْ تتخيلوا ردّة فعل جمهور حزبٍ ما، في حال أقدمَ رئيسه طوعاً على خطوةٍ من شأنها أنْ "تُعيق مساره وتُرمّم مسار غيره"؟ إنهما فعلاً جمهوران مثيران للغرابة تترأسهما شخصيتان مثيرتان للجدل، والدلائل أكثرَ مِن أنْ تُحصى وأبعدَ مِن أنْ تُنسى؛ فمنْ ينسى حين:
1. تخلّى الحزب عن مقعدٍ وزاريٍ وقدّمه لحليفه السنّي الطرابلسي...
2. أضافَ الحزب نُواباً إلى أكثر من كتلةٍ حليفةٍ، لا سيّما في بعبدا...
3. وفى الحزب بإلتزامه الرئاسي تجاه التيار العوني رغم الصعاب...
ألوفاء بالوعود أصبح عملةً نادرةً، لدرجة لم تعد الجماهير تجد: لا في التنازلِ عن المكاسب تنازلاً جباراً، ولا في إزدواجيةِ المواقف إزدواجاً هدّاماً. فباتت المحاسبة تقوم فقط على إسم الشخص وليس على فعله، وباتَ المناصر يؤيد الشخص ويُهمل الفعل؛ وإلا، فكيف ينسى حين:
1. تنازلَ فرنجيه عن أول حقيبة وعن ثاني حقيبة وزاريّة، لتسهيل شؤون الوطن والحلفاء...
2. قاطعَ فرنجيه جلسة إنتخابه رئيساً رغم توفّر الأصوات إلى جانبه، إحتراماً لمبدأ الوِفاق...
3. أمّنَ فرنجيه النصاب بالتعاون مع مؤيديه، ولم يعرقل فوز غيره مثلما فعل غيره تجاهه...
لا يهُم إنْ كان أحدنا يؤيد هذا الحزب أو ذاك، كما لا يهُم أنْ كان أحدنا ينفُر من هذا السياسي أو ذاك؛ غير أن ما سبقَ ذكره من حقائق إتّسمت بمعاييرٍ أخلاقيةٍ تتخطى عتبة التوقّعات، قد أهّلتها لأنْ ترتدي صفة "المواقف المبدأية"، وذلك بدرجاتٍ متقدّمةٍ قلَّ نظيرها، بحيث أصبح الخصم قبل الحليف يشهد لِ"صِدقيتهما وعفويتهما"، بسبب عدم وجود مسافة عندهما بين المبدأ والفعل؛ وهذا نهج غريب نوعاً ما عن السياسيّين الذين كثيراً ما: يُغلّبون مصالحهم ويُغيّرون مواقفهم.
اخترنا لكم



