التحري

الاثنين 17 تشرين الأول 2016 - 10:15 التحري

محافظ بيروت.. بين التجني والابتزاز

محافظ بيروت.. بين التجني والابتزاز

تختزن العاصمة بيروت كل انواع المشاكل التي تطيح مع الوقت بمبادئ العدالة الإجتماعية والإنماء المناطقي المتوازن والمساواة بين المواطنين، هذه المدينة التي تغيّر وجهها التراثي والحضاري والجمالي كواجهة بحرية ولؤلؤة على شاطئ المتوسط.

صحيح ان المسؤولية في استعادة نبض بيروت وحيوتها ودورها وفي عدم تركها فريسة المصالح والصفقات والمافيات تقع اولاً على عاتق الدولةاللبنانية التي تتخذ من العاصمة قاعدة تمركز اساسية للمؤسسات والإدارات العامة.

ولكن ثمّة جانب اساسي ومباشر من المسؤولية يقع على عاتق السلطة المحلية وعلى رأسها محافظ بيروت المعين من الحكومة اللبنانية، ومعه والى جانبه بلدية بيروت المنتخبة من ابناء بيروت.

واذا كان المجلس البلدي الجديد "ما صرلوا بالقصر الا من مبارح العصر" كما يقول المثل الدارج، ولم يركز اوضاعه بعد، ويجب ان يُعطى الفرصة اللازمة لإثبات وجوده وقدراته، ولا يجب ان يُحكم عليه مسبقاً وان لا يُؤخذ بتجربة المجلس البلدي السابق، فإن محافظ بيروت رأس السلطة التنفيذية في بيروت والحاكم الإداري اذا صحّ التعبير يجب ان تُتاح له ايضآ كل فرص النجاح وان يتم تحييده عن لعبة التجاذبات والمصالح السياسية والفئوية المتضاربة.

الدافع الى هذا الكلام ما يجري في الآونة الأخيرة من استهداف سياسي واعلامي لمحافظ بيروت زياد شبيب بشكل سافر ومرفوض، ومن تجنٍ وابتزاز من بعض الذين يتخذون من المثل الشعبي المعروف "شيلو الي فيكم وحطو فيي" شعارآ لهم لهذه المعركة المكشوفة الاهداف.

ان هذه الحملة التي تهدف الى الابتزاز والتعدي على ذلك الرجل "الآدمي" لا يمكن ان تمر مرور الكرام وان يتمادى القائمون بها في غيّهم وحقدهم، ونحن كابناء لبيروت نرفضها رفضآ قاطعآ، لا بل سنقف في وجهها ونتصدى لها، وذلك بسبب العلاقة الوثيقة بـين "شخص" زياد شبيب الرجل النزيه و"المستقيم الرأي" والسلوك والآتي من السلك القضائي الى هذا المركز الإداري الحساس، والمعروف عنه في سيرته القضائية تجرّده ومناقبيته وتطبيقه للقوانين والأنظمة، وبين رفضه القاطع لكل انواع الضغوطات والسمسرات وكل محاولات اساءة استعمال السلطة واستغلال المراكز والنفوذ والتمييز بين المناطق.

وهنا واذا كان الشيء بالشيء يذكر لا بد لنا من القول ان البعض يذكر في بعض الاحيان تلميحآ او تصريحآ عن علاقة ودور لمتروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عوده في تعيين شبيب في موقعه، نحن نرد ان هذا الكلام صحيح ولا نخجل به لا بل نفتخر بهذا الخيار الجيد، فعندما دعم المطران الياس عوده تعيين زياد شبيب محافظآ لبيروت وهو احد ابناء كنيسته الملتزمين وشجّع عليه وزكّاه، فإنه فعل ذلك لأنه يعرف شبيب حق المعرفة ويعرف تاريخه الناصع في القضاء ويعرف نزاهته وانه سيكون الرجل المناسب في المكان المناسب.

والمطران الياس عوده بحكم موقعه المميز في طائفته وبسبب الاحترام الكبير الذي يحظى به لدى معظم القوى السياسية والشعبية ومن مختلف الطوائف له تأثير معنوي في تعيين محافظ بيروت المحسوب من حصة الطائفة الارثوذكسية الكريمة في وظائف الفئة الأولى تبعاً للعرف الطائفي المتّبع، وسيدنا الياس معروف عنه انه لا يدعم ولا يختار الا من يتمتع بالمؤهلات والمقوّمات المطلوبة ومن يكون مطابقاً للمواصفات الأساسية المطلوبة من تميّز وكفاءة واخلاق وسيرة حسنة ونظافة كف...

زياد شبيب اثبت وفي خلال فترة زمنية وجيزة وفي ظل اختبارات وملفات صعبة انه ناجح، ويملك هذه المواصفات التي اصبحت نادرة في مجتمعنا، وقادر على ادارة مشاكل العاصمة واتخاذ القرارات الصحيحة التي تأخذ في الإعتبار مصلحة بيروت واهلها وتحت سقف القانون ومن دون التأثر بضغوط ومداخلات سياسية من هنا وترغيب وترهيب من هناك.
كما اثبت هذا المحافظ الشاب انه محصن ضد الفساد والرشوة المستشريين في معظم دوائر الدولة ومؤسساتها، بحيث اقدم على تطبيق عملي للقانون المنسي في الادراج "الاثراء غير المشروع"، فكان ان ارسل الى حاكم مصرف لبنان كتابآ يطلب فيه ان يبلغ كل المصارف العاملة في لبنان انه بامكان اية وسيلة اعلامية او اعلامي او مواطن عادي معرفة ما يملك من اموال منقولة وغير منقولة في سابقة لم يقدم عليها احد قبله منذ سنوات من العاملين في الشأن العام ولم تحصل في هذا الزمن البائس والرديء.

من هنا لا يكفي ان يتمتع المحافظ بمناعة ذاتية مكتسبة وانما يجب ان يحظى بحصانة سياسية ومعنوية من قادة الأحزاب السياسية والسياسيين من كل الطوائف ومن الاعلام والاعلاميين خاصة كي يكون قادراً على القيام بدوره وصلاحياته بشكل كامل وفعّال في ظل ظروف دقيقة وحساسة تعيشها البلاد وفي ظل صراع سياسي كبير بين القوى السياسية.

وما يزيدنا تمسّكاً بدور المحافظ في بيروت واصراراً على ممارسة صلاحياته في افضل الظروف والشروط، التجربة غير المشجعة لرئيس بلدية بيروت السابق وبعض اعضائها المتواطئين معه، والتي افتقدت في كثير من الأحيان الى الشفافية والتي اتصفت باداء بلدي وخدماتي سيء ولم تنجح في اكتساب ثقة الرأي العام الذي كان يلاحظ التمييز في المعاملة بين منطقة واخرى، وحصر المناقصات والمشاريع في شركات معينة محظيّة ومدعومة حتى لا نقول تخصه شخصيآ، فكانت النتيجة ان جاء التصويت في الإنتخابات البلدية الأخيرة ليعكس الضعف في نسبة المشاركة الشعبية تعبيرآ عن حال التململ والتذمّر من عمل رئيس البلدية السابق لا سيما في منطقة الأشرفية التي وصل الأمر بأهلها وسكانها بالمطالبة ببلدية مستقلّة وتقسيم بلدية بيروت الى ثلاث بلديات تماشياً مع الدوائر الإنتخابية الثلاث.

نحن اليوم لنا ملء الأمل بالمجلس البلدي الجديد، رئيساً واعضاء، في ان يُصحح ما ارتُكِب من اخطاء وينقّي ما ظهر من شوائب في الأداء والممارسة السابقة، وفي ان ينسّق ويتعاون مع محافظ بيروت الرجل النزيه ونظيف الكف والسيرة والمعروف باستقامته، وفي الوقت نفسه لنا ملء الحرص على صلاحيات ودور محافظ بيروت حتى لا يصيب هذا الموقع ما اصاب مواقع اخرى من تهميش وإضعاف وإفراغ.

حان الوقت لمراجعة وطنية شاملة في آليات الحكم والممارسة التطبيقية لدستور الطائف ولإقفال كل الثغرات والنواقص ولإطفاء كل حالات الشكوى والتذمّر والقلق والشعور بالغبن والإهمال والتهميش والتمييز، ولا بأس ان تكون العاصمة بيروت نقطة الإنطلاق والإرتكاز في عملية التصحيح والتصويب من اجل سلطة عادلة ومجتمع مستقرّ ومستقبل افضل.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة