مختارات

سمير عطالله

سمير عطالله

الشرق الأوسط
الخميس 13 تشرين الأول 2016 - 07:17 الشرق الأوسط
سمير عطالله

سمير عطالله

الشرق الأوسط

بدًءا من السقف

بدًءا من السقف

غوت الحضارة الصينية علماء الغرب منذ أن عرفوا بوجود الصين. كل شيء كان غامًضا بالنسبة إليهم: «أبجدية» من أشكال وتصاوير لا نهاية لها، طريقة «غريبة» في الطهي وفي الأكل، أثواب «غريبة» وتقاليد «غريبة»، أو بالأحرى غير مألوفة إلا لدى أولئك الملايين الذين يعيشون خلف السور العظيم.

ومع الوقت، لاحظ الدارسون أن العادات الصينية ليست «غريبة» فحسب، بل هي عكسية أيًضا: عندما يرحب الغربي بضيفه يصافحه بيديه، أما الصيني فيشبك يديه ويضمهما إلى صدره مصافًحا نفسه. وعندما يبني الصيني بيًتا، لا يبدأ من الأساس، بل من السقف والسطح، وفي الِحداد، يرتدي اللون الأبيض لا الأسود، والأبجدية لا يكتبها من اليسار إلى اليمين، بل من فوق إلى تحت.

ترك المصريون والسومريون والأوروبيون آثارهم على الحجارة، أما الصينيون فرسموها على درع (ظهر) السلحفاة، وعلى «رفش» كتف الثور. ولم يكتبوا ذلك بالأحرف، بل صوروه بالمعاني. وتشبه تلك الصور الإشارات الموجودة اليوم في المطارات والطرق الدولية، فهي رموز واضحة تعارف عليها الجميع. وقد أشرت في زاوية سابقة إلى أهمية الخط عند الصينيين، وهي في الواقع حضارة قائمة بذاتها، لأن «الألفباء» الصينية، عكس سواها، غير صوتية.

دار الحوار التالي في القرن الثامن عشر بين اثنين من علماء اللغة في بريطانيا، جيمس بوزويل وصامويل جونسون، صاحب أشهر القواميس الإنجليزية.
جونسون: ليست لديهم «ألفباء». لم يتمكنوا من وضع أحرفية مثل باقي الأمم.
بوزويل: هناك معارف في لغتهم أكثر من أي لغة أخرى.
جونسون: إنها صعبة وفجة. والأمر أشبه بالفارق بين تفكيك الشجرة بالحجر أو بالفأس.

هل من الأصح القول إننا أمام حضارتين مختلفتين تماًما وليستا متناقضتين؟ واحدة قامت على التعبير باللغة، ففرقتها اللغات منذ بابل، وأصبحت رمًزا لحروبها، وأخرى وَّحدها «الخط» وقربت بينها رسومه ورموزه؟ ربما.

العرب أيًضا ركزوا على فن الخطوط وأبدعوا فيه. والصينيون، يكتبون مثلنا أحياًنا، من اليمين إلى اليسار، كما في معظم الأبجديات الآسيوية المتأثرة بالعربية أو المتحدرة منها. وفيما كتبنا بالقصب، كتبوا بالفرشاة، التي جَّرتهم بطبيعتها إلى الرسم.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة