المنشر

placeholder

لارا الهاشم

ليبانون ديبايت
الخميس 06 تشرين الأول 2016 - 17:00 ليبانون ديبايت
placeholder

لارا الهاشم

ليبانون ديبايت

بين طهران وبيروت: هكذا تقدّس الشهادة

بين طهران وبيروت: هكذا تقدّس الشهادة

ليبانون ديبايت - لارا الهاشم:

يوم الاربعاء الماضي حزمنا امتعتنا متجهين من مطار بيروت نحو طهران بدعوة من الرابطة الثقافية في ايران. "ليبانون ديبايت" كان جزءا من وفد اعلامي دعي الى طهران بهدف تعريفه على الحضارة الايرانية من جهة وفتح قنوات مع الاعلام اللبناني من جهة اخرى، علّ الاخير يسهم في تسليط الضوء على مواكبة ايران للتطور والحداثة وعلى دور المرأة الايرانية في مختلف المجالات.

طبعا كنا قد سمعنا الكثير عن عاصمة ما كان يعرف ببلاد فارس التي تحمل بصمات حضارة تمتد على الاف السنين، لكننا في بعض الاحيان كنا ننسى ذاك التاريخ العريق لتطغى عليه تلك الافكار السوداوية التي تتمحور حول المد الفارسي وفزاعة ولاية الفقيه التي ستصل الى لبنان.

كان كل ذلك قبل وصولنا الى طهران التي يرتفع في وسطها برج ميلاد 480 مترا وهو اعلى سادس برج اتصالات في العالم. من قمته ترى العاصمة من شمالها وجنوبها من شرقها وغربها مضاءة في الليل وكأنها في عز النهار.

عرفت طهران ان تواكب التطور و تحوّل برج اتصالاتها الى معلم سياحي يقصده الزوار من كل انحاء العالم لكنها ايضا عرفت كيف تحافظ على تاريخها وترسّخ في شعوبها ثقافة المقاومة. كيف؟ من خلال متحف "الدفاع المقدس" وقد سمي مقدسا لانه يجسد بالنسبة للشعب الايراني مرحلة الدفاع عن الارض في وجه "المغتصب" يوم ذاك- العراق، التي امتدت من عام 1980 حتى عام 1988 في عهد الرئيس الراحل صدام حسين وسقط خلالها 200 الف شهيد ايراني.

عند مدخل المتحف البالغة مساحته 200 دنم تظن نفسك في ساحة معركة. على اليمين واليسار تصطف الدبابات والطيارات الحربية والاليات العسكرية وهي عبارة عن غنائم حرب. تخبرك سيدة ايرانية بكل فخر ان هذه الاليات هي عبارة عن غنائم حرب، غنمها الايرانيون من العراقيين في الحرب العراقية- الايرانية ليقاتلوهم بها ويصدوا العدوان بعدما باغتهم الجيش العراقي وهم عزّل.

يخلّد الايرانيون ذكرى شهدائهم من اي طائفة او رتبة كانوا. مدنيون ام عسكريون، مسلمون و مسيحيون. قاعة "الفراشات" التي تمتد على مئات الامتار داخل المتحف خصصت لذكراهم. داخل "الفراشات" ترتفع مجسمات لشهداء الحرب من الحرس الثوري الايراني والجيش الايراني والتعبئة الشعبية، دُوّنت جانب كل مجسّم نبذة عن حياة صاحبه العسكرية، وخلف تماثيل الشهداء تطير فراشات افتراضية لتضفي على المشهد قدسية ارادها الشعب الايراني.

في غرفة اخرى تُحفظ ذكرى الشهداء بصورة ابهى. على عرض حائط واحد ارتفعت صور ثلاثية الابعاد لقادة من التعبئة الشعبية من بينهم ابو تراب الذي اسره جيش صدام وضُرب بالمسمار على رأسه حتى يشي بمعلومات عن دولته لكنه ابى حتى الموت، من دون ان تنسى الدولة الايرانية احد دبلوماسييها الاربعة الذين خطفوا عند حاجز البربارة في شمال لبنان.
في غرفة اخرى حفظت امتعة الشهداء وعتادهم العسكري، بعض ذخائرهم وبطاقاتهم الخاصة. اما صورهم فقد ملأت احد الجدران على شكل ورود تجسّد فكرة ازدهار الشهيد.

يفاخر الايرانيون بأنهم لم يخسروا شبرا من ارضهم في تلك الحرب الطويلة لكن الغصة لا تفارقهم وهم يدخلون تلك القاعة حيث يعرضون شريطا موثقا على مدار الساعة عن عملية ام القصر بين العراق وايران. يخبرك احدهم ان يومها كانت كل المعابر مقفلة فتطوع عدد من الشبان تتراوح اعمارهم بين ال 16 وال 23 عاما باقامة سياج بأجسادهم حتى يتمكن المقاتلون من عبور الحدود ومباغتة العراقيين من الخلف لتحرير ارضهم. لكن الجيش العراقي كبّل اياديهم ودُفن الغواصون احياء.

يتقن الايرانيون تعبئة اجيالهم الصاعدة فترى الغضب والكره لصدام حسين واضحا في عيون كل منهم حينما يستذكر حقبات من الحرب جُسّدت بالصوت والصورة. الى احدى غرف قاعة "الفراشات" نقلت بقايا منازل ومقاعد دراسية دمّرها العدوان في منطقة خرّمشهر الاستراتيجية الغنية بالنفط والتي صمدت 19 شهرا، دُعّمت بمؤثرات صوتية لبكاء الاطفال واصوات القصف المدفعي والطيران. على بعد امتار قليلة وضع مجسّم لمحطة نفطية قصفها العدوان ترافق مع اصوات انفجارات. واذا اكملت طريقك تدخل الى غرفة مظلمة تصل درجة الحرارة فيها الى ما دون الصفر. الغرفة هي عبارة عن متراس كان يستخدمه المقاتلون الايرانيون، فيما يحرص المرشد السياحي على لفت نظرك الى صعوبة الظروف المناخية التي قاتل فيها اسلافهم.

يطول وصف هذا المتحف الذي تعيش في ارجائه ايضا ذكرى الثورة الاسلامية التي شكلت نقطة تحوّل في تاريخ ايران المعاصر. قد نتفق مع هذا الشعب او نختلف في نظرتنا الى الثورة لكن ما لا يقبل الجدل هو ان شهداءه هم شهداء كل الوطن اما في بلادنا فلكل حزب او فريق سياسي شهداؤه. هم اي الايرانيون صنعوا من تاريخهم عبرة لكل عدو او طامع اما نحن فأتقنا المتاجرة دماء شهدائنا لاستكمال المؤامرات. هم توحدوا حول شهدائهم من اي دين او طائفة كانوا اما نحن فحوّلنا شهداءنا الى ادوات لضخ الطائفية والمذهبية.هم حددوا الخصم والعدو اما نحن فحتى عدوّنا يتغير بحسب المصالح الآنية. هم اعطوا معنى واحدا للمقاومة بات يسري في عروق كل منهم، من شيبهم الى شبابهم، فيما نحن برعنا في تفصيل معنى المقاومة على قياس كل منا حتى صارت هي مقياسا للتخوين والشماتة.

علـى مـدار الساعـة

arrowالـــمــــزيــــــــــد

الأكثر قراءة