ليبانون ديبايت - لارا الهاشم
في ظل الصراع الاقليمي القائم ودور ايران كلاعب اساسي ومحوري فيه، تحضر طهران في اليوميات اللبنانية من هذه البوابة لاسيما مع بروز سياسة المحاور وارتداد عصف الانفجارات الاقليمية على لبنان. اما اليوم فيزداد حضورها مع عودة الحركة الى الملف الرئاسي اللبناني والحديث عن ايجابيات لجهة حلحلة عقدة الشغور لا يفصلها المراقبون عن التحولات الاقليمية.
في خضم هذا الحراك وبعيدا عن التحليلات تسنت لليبانون ديبايت فرصة الاستماع عن قرب الى وجهة نظر الدبلوماسية الايرانية، من خلال لقاء جمع عددا من الاعلاميين اللبنانيين بالمساعد الخاص لرئيس مجلس الشورى الايراني للشؤون الدولية حسين امير عبد اللهيان في مكتبه في مجلس الشورى في طهران.
لساعتين لم تنقطع فيهما اسئلة الصحافيين استمر اللقاء. بهدوء يخفي وراءه حنكة سنوات من الدبلوماسية يشعرك عبد اللهيان ان التحايل بالاسئلة على دبلوماسي ايراني هو من اصعب الامور. باصغاء ونظرة ثاقبة يتلقى كل الاسئلة المطروحة باللغة العربية وعلى الرغم من اتقانه لهذه اللغة يرد بالفارسية ليؤكد مرة جديدة تمسكه بهويته. بهدوء يشتهر به الايرانيون يتفاعل بتعابير وجهه لكن نبرة صوته تبقى ثابتة. الرسالة الابرز التي اراد ايصالها للبنانيين هي ان ايران لا تملي عليهم خياراتهم وانها حريصة على حقوق المسيحيين، من خلال تأكيده على ان بلاده "تدعم اللبنانيين في اي خيار رئاسي وان الرئاسة في لبنان هي من حق المسيحيين". "هموم الجمهورية الايرانية الاسلامية فيما يخص لبنان هي ثلاثة: اولا الامن والامان في لبنان والخفاظ على السيادة من اجل مواجهة الكيان الاسرائيلي. ثانيا ضمان عدم تدخل اي دولة خارجية في الشأن اللبناني، اما الهم الثالث فهو اعتماد الحل السياسي وذلك عبر انتخاب رئيس للجمهورية وفي هذا الاطار ستدعم ايران اي شخص يختاره اللبنانيون".
يعود عبد اللهيان الى بداية الازمة الرئاسية في لبنان فيشرح طرح طهران يومها للفرنسيين ذات الحساسية الكبيرة تجاه هذا الملف. وقضى الطرح الايراني باجتماع الشخصيات اللبنانية الاساسية المقررة في الخيار الرئاسي في باريس شرط ان تمنحها فرنسا فرصة كافية للتباحث لحسم خياراتهم، واذا اقتضى الامر تتوجه الى الفاتيكان على ان تدعم ايران اي خيار. وفي السياق عينه يقول بهذا الوضوح: " لميشال عون دور هام بالنسبة للمقاومة واخذنا على عاتقنا دعمه كونه يدعم المقاومة ونحن نعتبر ان له الافضلية في الرئاسة". وعلى الرغم من تشديده على حياد الجمهورية الاسلامية فيما خص هذا الملف الداخلي يضيف "نحن نقدّر دائما جهود ميشال عون الداعم للمقاومة" ردا على سؤال عن تقضيل ايران بين العماد عون والنائب سليمان فرنجيه.
بالنسبة للدبلوماسية الايرانية فان لحزب الله دور هام في مواجهة الكيان الاسرائيلي وداعش في لبنان ولديه استراتيجية واضحة في محاربة الارهاب "استراتيجية الجيش اللبناني وحزب الله مهمتان جدا في المنطقة". بصوت عال تقدر الدبلوماسية الايرانية ما يقوم به حزب الله وتشكره على ذلك وهذا ما ابلغه عبد اللهيان لخصمه "الاستراتيجي" مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان. يروي الدبلوماسي الايراني انه قال لفيلتمان يوما "ان الامان الذي تنعمون به في اميركا تدينون في جزء كبير منه لحزب الله لانه يقاتل الارهاب قبل ان يصل اليكم، ونحن بفخر كبير سنتواصل مع حزب الله".
تصر الجمهورية الاسلامية على الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية مع المملكة العربية السعودية على الرغم من الضغوط الداخلية التي تعرضت لها لاسيما بعد حادثة "منى" واعدام الشيخ النمر كما يقول عبد اللهيان، لكن ذلك لا يمنع ايران من تحميلها جزءا كبيرا من خراب المنطقة حتى صارت توازي احيانا "الشيطان الاكبر".
من الملف اللبناني السياسي الى الارهاب المتنقل في الشرق الاوسط وصولا الى الحل العسكري الفاشل في اليمن تتوزع اخفاقات المملكة من وجهة النظر الايرانية. "ما يحصل في لبنان اليوم هو نتيجة التدخلات السعودية والمعوقات التي تضعها، وعلى المسيحيين في لبنان ان يبذلوا جهودا اكبر وعلى السعودية ان تتخلى عن طريقتها اللاعقلانية في لبنان لان هناك شخصيات عقلانية في 8 و 14 اذار يمكنها ادارة البلاد في هذه المرحلة. "فالمسؤون السعوديون ارادوا من ايران الضغط على حزب الله في الملف الرئاسي لكن ذلك كان خاطئا من وجهة نظرنا لان القرارات يجب ان تُتخذ داخل لبنان اولا ولان حزب الله كيان مستقل ثانيا". وردا على سؤال حول دور بلاده في اعاقة الحل الرئاسي في لبنان يقول: "قواتنا تسشتهد في سوريا للحفاظ على الدولة وفي العراق ندعم رئيس الوزراء وفي اليمن وقفنا الى جانب عبد ربو منصور فنحن دائما مع الشرعية وفي لبنان ندعم انتخاب رئيس بأسرع وقت ممكن". "اما الامن والامان في لبنان فليسا من مصلحة المملكة العربية السعودية".
في ملف الارهاب يصوّب عبد اللهيان مباشرة على الاستخبارات السعودية قائلا: "رئيس الاستخبارات السابق بندر بن سلطان أمر بالقيام بالاعمال الارهابية التي استهدفت سفارتنا في لبنان كما خطط لاغتيال سفيرنا السابق هناك غضنفر ركن ابادي". "اما في اليمن فان سياسة المملكة ستزيد من الارهابيين في المنطقة". "كان لدي مفاوضات مطوّلة مع السعوديين حول اليمن وقد التقيت وزير الخارجية السعودية عادل الجبير قبل اقل من شهر على العدوان حيث قال لي: سنمحي انصار الله، فسألته: هل انصار الله هم غير يمنيين؟ فأجاب: ان انصار الله يهددوننا امنيا وسنمحيهم وسننتصر في اليمن". "لكن بالنتيجة فان السعودية قد راسلت اليمن مطالبة باقناع انصار الله بالتفاوض مع السعوديين بعد ان هددت سياستها امنها الداخلي حتى من جانب العشائر".
اما في الشأن السوري فيتحدث عبد اللهيان عن امتلاك بلاده لوثائق تثبت اعداد بندر بن سلطان للمؤامرة على سوريا. يتذكر تلك الزيارة الشهيرة التي قام بها بندر الى روسيا تزامنا مع بدء الحرب على سوريا حيث التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قبل يوم على سفر عبد اللهيان الى روسيا ويروي حديثا جرى بين الرئيس الروسي ورئيس الاستخبارات السعودية السابق. قال الاخير: "نريد اسقاط نظام الاسد وقد جمعنا كل الارهابيين من حول العالم". يومها سمّاهم ارهابيين لا جهاديين. فأجاب بوتين: " تريدون اسقاط حكومة سياسية في البلاد بواسطة ارهابيين؟ "فرد بندر: "نعم سنستفيد منهم لاسقاط النظام". سأله بوتين: "هل تعلم ان بعد سقوط الاسد سيأتيكم الارهابيون الى السعودية" ؟ فأجاب بن سلطان: "نعم لا مشكلة لدينا واننا بعد سقوط الاسد سنستخدم القصف الجوي".
لكن على الرغم من الهجوم الحاد على المملكة يشدد عبد اللهيان على حرص دولته على مواصلة التفاوض معها، "فالسعودية دولة هامة في المنطقة و يجب ان يكون لها دور ايجابي وهام. وسنعطي السعوديين الفرصة لحل المشاكل داخل البيت الواحد".
يطول الحديث مع عبد اللهيان من دون ملل ولا ينتهي من دون التطرق الى العلاقة مع تركيا. يشدد على ان العلاقة مع انقرة هي استراتيجية على الرغم من الاختلافات حول شخص الرئيس السوري بشار الاسد ويوضح ان وقوف بلاده الى جانب اردوغان في الانقلاب الفاشل كان بموازاة دعمها للاسد. "قلنا لانقرة يومها "نريد بقاء الاسد ولها دعمنا". "ونحن واثقون من ان اصدقاءنا في تركيا سيغيرون طريقتهم في ادارة الملف السوري ونعتقد ان على تركيا التفاوض مع الحكومة السورية والسعي للحل السياسي لان الاسد منتخب من الشعب وعلى كل الدول ان تدعمه".
اما في ما خص تلك الحقبة التاريخية من التفاوض في الملف النووي فيختم عبد اللهيان ان بلاده تلقّت في بعض الاحيان اقل مما تريده لكنها مضت في التفاوض على قاعدة ثابتة في ثقافة الجمهورية الاسلامية الايرانية من اقوال الامام الخميني " انت بطل، كن بطلا لكن كن ليّنا".
اخترنا لكم



